كشفت القاهرة تفاصيل مبادرة الرئيس حسني مبارك للتعاطي مع الأوضاع في غزة في حال تنفيذ خطة الانسحاب الإسرائيلية من القطاع. وأعلن رئيس وكالة أنباء الشرق الأوسط محفوظ الأنصاري عن تحركات ترعاها مصر في الأيام المقبلة ل"تهيئة الأجواء لانسحاب حقيقي من غزة وتطبيق خريطة الطريق بالعودة إلى المفاوضات". وذكر أن الخطوات ستتضمن اجتماعات بين الرئيس ياسر عرفات وممثلي وقادة الفصائل الفلسطينية على اختلافها. واضاف انه في حال انتهت هذه الاجتماعات إلى اتفاق، تستضيف القاهرة ممثلي هذه القوى لتستكمل وتصيغ اتفاقاً من شأنه أن يضع نهاية للعنف يمثل التزاماً من جانب جميع الأطراف بعدم الخروج على ما تم الاتفاق عليه. ويتضمن النشاط السياسي اجتماعاً بين رئيس الوزراء الفلسطيني احمد قريع أبو علاء ورئيس الوزراء ارييل شارون. وذكر الأنصاري أن مبارك تلقى رسالة من عرفات يطلب فيها "التدخل من أجل أن تتوقف إسرائيل عن عملياتها العسكرية والعدوانية ضد الشعب الفلسطيني، حيث تقتل أطفاله وتغتال رجاله وتهدم منازله وتنتهك حرماته"، موضحاً أن رئيس جهاز الاستخبارات المصري عمر سليمان ناقش مع عرفات "إلى أي مدى يمكن أن يلتزم الطرف الفلسطيني، بكل فصائله وقواه، بما يمكن التوصل إليه". ونقل عن سليمان أنه قال لعرفات "إن مصر على استعداد لتدريب قوات الأمن الفلسطينية وتهيئتها وتجهيزها الى المستوى الذي يمكنها من السيطرة الكاملة على قطاع غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي، من دون أن يحدث أي فراغ أمني يؤدي بدوره إلى انتشار الجريمة في القطاع، أو يؤدي إلى انفلات تستغله قوى غير مسؤولة من خلال عمليات مشبوهة تزيد الأمر تفاقماً وتدفع الطرف الآخر إلى التصعيد والعنف". واضاف أن مصر "ليست على استعداد أن تعرض أبناءها من القادة والضباط والجنود والكوادر الفنية التي ستتولى الإعداد والتدريب إلى أي خطر يهدد حياتها". وأكد الأنصاري أن عرفات "وافق على الخطة المصرية التي طرحها سليمان، وأعلن استعداده وعزمه على العمل الفوري من وقف إطلاق نار شامل ما دام الهدف هو التحرك وإحياء عملية السلام وتنفيذ خريطة الطريق. لكنه طلب من سليمان أمرين: الأول التزام إسرائيل وقف العدوان، والثاني أن يعطيه مهلة للقاء ممثلي الفصائل والقوى السياسية الفاعلة الفلسطينية ليناقش معهم الخطة ويحصل على موافقتهم والتزامهم في حال الاتفاق". وذكر تقرير الأنصاري أنه بمجرد أن نقل سليمان رد عرفات إلى مبارك، بادر الرئيس بتحركه المباشر مع إسرائيل ومع الأطراف الفاعلة والمؤثرة من واشنطن للندن لبون ومدريد وغيرها، ثم كلف سليمان بأن يتوجه إلى تل أبيب لملاقاة شارون، وأن يطرح ويناقش معه الخطة المصرية لوقف العنف والتحرك نحو السلام، مشيراً إلى أن سليمان أكد لشارون النقاط الثلاث: أن مصر ستتولى تدريب وإعداد وتجهيز قوات أمن فلسطينية قادرة على السيطرة وملء الفراغ بعد الانسحاب الإسرائيلي، وأن العملية ستتم فوق الأراضي الفلسطينية في قطاع غزة حيث تبدأ المرحلة الأولى من الانسحاب الإسرائيلي، وأن مصر لن تسمح بأن تتعرض قوتها الأمنية التي ستتولى الإعداد والتدريب والتجهيز لأي عدوان أياً تكن ذرائعه، وأن القوة المصرية التي ستتولى التجهيز والتدريب لقوات الأمن الفلسطينية ستعمل على تجهيز الفلسطينيين بالمعدات والأجهزة بالتعاون مع الدول المانحة، وإلى جوار القوة المصرية ستكون هناك عناصر أمنية وفنية وإدارية من دول عربية وأوروبية صديقة تساعد في التجهيز. ونقل سليمان كذلك لشارون أن عرفات موافق تماماً على الخطة المصرية بل كان الساعي إليها. كما أكد له إصرار مبارك على مجموعة من النقاط أهمها: "أن يكون الانسحاب من غزة، انسحاباً كاملاً للقوات الإسرائيلية، وأن تكون غزة هي البداية لانسحاب إسرائيل من كامل التراب الفلسطيني الذي جرى احتلاله العام 1967، وأن تكون هذه الخطوة هي البداية لتنفيذ خريطة الطريق، مرحلة بعد مرحلة، وأن يكون هناك التزام باستمرار المحافظة على المناخ اللازم للاستمرار في عملية السلام والجلوس إلى مائدة المفاوضات". وذكر الأنصاري في تقريره أن "شارون وافق على الخطة المصرية والتصور المصري للتحرك، لكنه في الوقت نفسه أبدى اهتماماً أكبر بموضوع ضمان عدم حدوث عمليات عنف من جانب الفلسطينيين ضد المدنيين، إلا أن شارون عاد وأكد موافقته على الخطة وعلى وقف أعمال العنف والقصف والاغتيال طالما ظل الجانب الفلسطيني ملتزماً". وذهب شارون أبعد في حديثه إلى سليمان ليدلل على حسن النيات، فقال: "إنني مستعد الآن للقاء رئيس الوزراء الفلسطيني على هذه الأسس والأفكار". وأوضح أن التحرك المصري شمل أيضاً اتصالات مع بريطانيا واميركا والمانيا واسبانيا وفرنسا التي عرضت عليها الرؤية المصرية، وطلبت منها المساعدة بالأموال والمعدات والخبراء من أجل تحقيق السلام ووضع نهاية للعنف، وتلقت ردوداً إيجابية. وأشار الأنصاري إلى أنه بعد لقاء عرفات والفصائل واجتماع الفصائل في القاهرة ولقاء شارون وأبو علاء، فإن مجموعة من الكوادر الأمنية والفنية المصرية ستتوجه إلى غزة يتراوح عددها ما بين 150 إلى 200 ضابط وفني ومدرب تتولى الإعداد والتدريب والتجهيز للأفراد الفلسطينيين والكوادر الوسيطة ولمدة 6 أشهر كاملة. وبعد انتهاء عملية التدريب والإعداد ستتولى قوات الأمن الفلسطينية المدربة، حوالى 30 ألف فرد، المسؤولية الأمنية كاملة، على أن تظل قوة التدريب والتأهيل المصرية يساندها عدد من الكوادر والفنيين والمراقبين الدوليين على الأرض في غزة لتقويم الأداء والمراقبة والمتابعة.