شكّل معرض الفنان العراقي هاشم حنون في غاليري "عهود"، مركز الخزامى في الرياض، مناسبة خاصة للتعرف على واحدة من أهم التجارب التشكيلية في العراق، وكذلك للوقوف على المتحول التشكيلي لهذا الفنان الذي تمتد تجربته نحو ربع قرن من الزمان، والذي يتمثل في المنحى التجريدي المرتكز على اللون وكيميائه الخاصة. واللون يأتي من مخزون الذاكرة، من تراث وحضارات، وليس مما نعرفه من ألوان كيماوية أو سواها. النتائج اللونية، تجعل من الوقوف أمام لوحاته فرصة لاستنفار أكثر الأسئلة صعوبة في ما يخص هيئة الطين، أحد المكونات الرئيسة في أبرز أعماله، ودلالاته النفسية التي تولدها تكوينات تأخذ شكل استطالات يشتغلها من خامات مختلطة. لا يبدو الطين مجرد كتل لونية تتوزع سطوح الأعمال، بقدر ما يعبر حينما تأخذ تلك السطوح أشكالاً مستطيلة، عن صعود أو "معراج روحي". والواضح أن هناك تقنية تحضر وراء تبديات الطين في تلك الهيئات، أكثر من حضور المضمون. والشكل الذي تطالعنا به مسلات حنون، يغطي على ما تهجس به اللوحة حتى ولو كان موضوعاً كبيراً. أشكال لا تكترث لطرح دلالة بصرية مباشرة، وهي تؤسس مدخلاً خاصاً للفنان إلى آفاق التعبير التجريدي الذي يتحقق بتأكيد الملامس والألوان. من هنا تتبدى لنا معالجاته اللونية، على أنها المتن والهامش معاً، فهو لا ينتظر المتلقي أن يتابع عبر مشهدية بصرية سرداً لحكاية أو ما شابه. وإذا وجدت حكاية فبطلها اللون، في تناغمه مع الألوان الأخرى، ما دامت المعالجات تصدر عن الرؤية ذاتها وفي التقنية نفسها. تحضر أعمال حنون المستطيلة بصفتها مستخلصات لتجاربه السابقة، مستخلصات قوامها التجريد وإعادة صوغ الطين من خلال حضورات متنوعة، باتجاه رؤية وجودية وميثولوجية للكون وموجوداته. وإذا كان التجريد يغلب على أعماله المستطيلة أو العمودية، فإنه ينسحب أيضاً على أعماله التشخيصية، والتي عبرت عنها مصغرات يحتل الوجه مركز الثقل فيها... انها وجوه أطفال واضحة بدلالاتها التعبيرية. وعلى رغم إشتغاله في فضاء التجريدية، إلا أن هذه المدرسة ورموزها تغيب، فأعمال حنون لا تستدعي النماذج التجريدية التي تحتفظ بها الذاكرة خلال رحلة التلقي، بل هي تحاور ذاكرة بيضاء، خالصة في نقائها. لن يصعب على المتلقي، الذي تابع بعض الأصداء المرافقة لمعارضه، وشاهد بعض مظاهر عمله، التوصل إلى أن ضربات الفرشاة في هذه الأعمال، تؤكد مقدرته في اقتراح أدائية لونية حداثية وذات أصالة رفيعة في الوقت نفسه. فمن الأسود إلى الأحمر فالبني وأحياناً الأصفر أو الأخضر تتحول البقع أشكالاً في غياب الشكل، يمنحها الكولاج، المشغول بخامات من الخيش والطين والبقع اللونية نفسها، ملامس خشنة ومتنوعة. في هذا المعرض، يتقدم وعي الفنان وفهمه العميق للألوان وحدود طاقاتها التعبيرية. ولذلك من الصعب تصور أن تلك البقع واللطخ اللونية الخفيفة أو الداكنة، ملقاة بعضها على بعض من دون دراسة أو منظور يلمها في رؤية مركبة، فحساسية الفنان تتجلى في الربط المحكم بين كل الخامات المتنوعة، وفي إظهار كل الزخم التعبيري والثراء الواضح في استخدام الخامات.