عن الأخلاق صدرت "العروس المحررة" للكاتب الإسرائيلي أ.ب. يهوشوا عن دار بيتر هلمان في بريطانيا حيث شارك في "أسبوع الكتاب اليهودي". روايته عن الحدود الشخصية والسياسية: "طوال تاريخنا كيهود كنا نعبر الحدود الى ان اعادتنا الصهيونية الى فكرة الحدود. ألغيت هذه إثر حرب الأيام الستة فسمّم ذلك الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني". بدأ كتابتها قبل الانتفاضة الثانية ولم يغيّرها لأنه لم يظن ان الانتفاضة ستطول وتترك الأثر العميق الذي احدثته. يبدو فيها مسالماً سقطت كل قناعاته وما عاد يؤمن بالتفاوض. "لم يعد ممكناً تجاهل لاعقلانية بعض الفلسطينيين ... كانت هناك مسيرة سلمية. لماذا البدء بالانتفاضة؟ كنا قريبين جداً من السلام. لماذا حمل البنادق؟ اكره عرفات من كل قلبي. الحلم الذي حاولنا في اليسار الفلسطيني تحقيقه منذ 1967، وهو تأسيس دولة فلسطينية انهار بسببه. كنا قريبين جداً من السلام في اوسلو لكنه رماه بعيداً". يعتقد يهوشوا في "العروس المحررة" ان الفلسطينيين لا عقلانيون اساساً ولا يمكنهم تبني سياسة متنورة، وأن الاعتقاد بمشاركتهم في السلام وهم ليبرالي. يعرف بطله رفلين ان فكرته عنصرية لكنه لا يستطيع التخلص منها، على ان الفكرة نفسها دفعت الكاتب الناشط في حركة "السلام الآن" الى تشجيع الانسحاب الأحادي من الأراضي المحتلة. مفهوم اليسار القديم الذي دعا الى مبادلة الأرض بالسلام مات وحل محله اقتناع بضرورة الفصل. يتحفظ على خطة آرييل شارون لأنها قد لا توفر الفصل الكامل، فغياب هذا قد يؤدي الى إبادة ثانية بالإرهاب الذري ضد اسرائيل. يريد حدوداً لتسهيل التعاطي مع "الإرهابيين الفلسطينيين" إذ يمكن اسرائيل قطع الكهرباء ساعة او نهاراً عن غزة اذا أطلقوا النار على عسقلان. معظم الفلسطينيين "شرفاء" وهم الذين سيضبطون "الإرهابيين" في هذه الحال. يعيش يهوشوا 68 عاماً في حيفا ويعلّم الأدب المقارن في جامعتها. يحمّل النبي موسى مسؤولية اللاسامية لأنه قال ان اليهود لا يحتاجون الى ارض للحفاظ على هويتهم فتشتتوا في العالم وانشغلوا بصراع دائم معه. "من غير الأخلاقي عيش اليهود في الشتات. بما ان اسرائيل موجودة، لا عذر هناك للفصام الوجودي الذي قدم صيغة للنفي وجعل اليهود عصابيين، منقسمي الذات. اليهود خارج اسرائيل يعيشون في تناقض دائم وغايتهم العودة إليها". وعن اليهود البريطانيين: "ألا يرون ان المحرقة كانت البرهان الحاسم النهائي عن فشل الدياسبورا؟ لقد برهنت خطر لاشرعية وجودنا في سائر الأمم". ألا يبرر ذلك اللاسامية؟ مسؤولية غير اليهود عنها معروفة، يقول، لكن اليهود حشروا انفسهم في الزاوية ايضاً. يطبق "الأساس الأخلاقي" لقيام اسرائيل على حق الفلسطينيين في دولة. "أمة بلا ارض لها الحق في ان تأخذ، ولو بالقوة اذا اضطرت، جزءاً من ارض امة اخرى وتؤسس سيادتها عليها. إنه حق المهددين في البقاء. لكن تحررنا من الافتقار الرهيب الى ارض بخلق شعب بلا ارض هو الفلسطينيين يسقط حقنا في الدولة. لدينا الحق في جزء من الأرض، جزء فقط". في "العروس المحررة" يتساءل يهوشوا عن حدود الدولة الفلسطينية، والسؤال يحيّر حقاً. كم يبقى لها من الأرض اذا اقتنع يهود العالم بدعوته وذهبوا الى اسرائيل؟ خدر الحواس شارك الروائي الإسرائيلي اهارون ابلفلد في "أسبوع الكتاب اليهودي" في لندن وقال ان ما يحدث في اسرائيل لن يصبح ادباً قبل خمسين عاماً. "لا نزال في المرحلة الصحافية، ولا أزال أكتب عن طفولتي في اوروبا التي امضيتها بين الأوكرانيين لا العرب". كان ابلفلد من صوّر الحدث الكبير في "بندنهايم 1939" التي تناولت المحرقة بطريقة غير مباشرة عبر المجاز والهجاء، واعتبرت اكبر رواية عنها. "يمكنك الكتابة بقلبك او بعقلك، لكنك تحتاج الى كيانك كله لتكتب ادباً كبيراً". ولد ابلفلد لأسرة ثرية يسارية امضت العطل في الأماكن التي لا يرتادها اليهود. كان في السابعة عندما قتلت امه قرب منزلهم في 1939 وأرسل مع ابيه الى معسكر اعتقال حيث اختفى الوالد. هرب في العاشرة من المعسكر وعاش في الغابة ثلاثة اعوام انضم خلالها الى اللصوص الأوكرانيين الى أن أنقذه الجيش الأحمر وجعله جالب الحظ. هاجر وحده الى اسرائيل في الرابعة عشرة، وبعد سبع سنوات التقى والده الذي كان يعمل في قطاف البرتقال. منذ طفولته عبر اشخاص في حياته ثم اختفوا ومع ذلك بقي الآخرون يأكلون وينامون. "مأساة اسرائيل ان الوضع فيها بالغ الدرامية. ذعر يلحق بذعر ويهمد الحواس. الخطر الحاضر دائماً يصبح عادياً، والقتل يليه قتل. اشخاص رائعون يموتون ونتوقع ان يصبحوا رمزاً لشيء له مغزى في الحياة، لكن كثرتهم تجعلهم عاديين". يتوقع الأوروبيون من الكتّاب الإسرائيليين الالتزام بمعالجة الاحتلال اولاً في ادبهم لكنه يرى الفرد بضعفه وألمه موضوع الكاتب الأول. ليس الكاتب نبياً وعلينا محاسبته على كل جملة يكتبها لا على سياسته. يرى نفسه ضحية منذ ولد. "في اوروبا كرهني الأوكرانيون وهنا يكرهني الفلسطينيون، في أوروبا أسيء فهم اهلي ويساء فهمي هنا. ماذا استطيع ان أفعل؟ يعتقدون في اوروبا ان كلاً منا يملك دبابة خارج منزله يركبها صباحاً ليذهب الى جنين ويقتل طفلاً. لكننا مجرد بشر، والكاتب منا لا يستطيع تغيير الأنظمة". مجاز كرّس الروائي الإسرائيلي ديفيد غروسمان الطبعة العبرية من "الموت طريقة للحياة" الى صديقه عزت الغزاوي الذي رحل العام الماضي. في اوائل التسعينات نظم غروسمان مجموعة من الكتّاب الفلسطينيين والإسرائيليين التقت سراً برعاية سفارات اجنبية مدة ثلاث سنوات في القدس ورام الله. "توتر الفلسطينيون مع بدء مفاوضات اوسلو وقالوا ان عرفات ألمح بضرورة عدم مشاركتهم في تطبيع اسرائيل". استمر الاتصال هاتفياً وبقي غروسمان صديقاً لاثنين منهم احدهما الغزاوي. "ظن الكتّاب الفلسطينيون اننا نستطيع تغيير سياسة اسرائيل ويئسوا عندما رأوا عجزنا عن ذلك فكاد الاتصال ينعدم". هاجم اليمين الإسرائيلي غروسمان طوال عشرين عاماً وهدده لمعارضته احتلال اراض فلسطينية في 1967. كتب مقدمة اتفاقات جنيف التي وقعت آخر العام الماضي ودعاها "عملي الأفضل مبيعاً" لأنها وزعت على مليوني بيت اسرائيلي. نشط في المفاوضات التي ادت الى الاتفاق وكتب عن الأمل في اتفاق اوسلو وسقوطه، لكنه يتجنب السياسة في ادبه. بدأ روايته الأخيرة "جسدها يعرف" مع بدء الانتفاضة الثانية التي دمرت عالمه. "كان المستقبل قريباً وتبخر فجأة فبدأت أكتب عن شيء آخر لا علاقة له بالأحداث، وكان علي أن أذكر نفسي بالأشياء الحقيقية. كان في استطاعتي الكتابة عن ولادة العقل الجمعي لكنني وجدت ان معرفة سبب غيرة امرأة على زوجها اكثر اثارة للاهتمام". يرى غروسمان ان الطبيعة الوجودية لإسرائيل تشكل مشكلة مركزية في الكتابة عنها ورؤية الآخرين لها. "نحن مجاز. منذ ولدت الأمة كنا قصة كبيرة، الإنجيل، والقصة ليست حقيقية. الإسرائيليون مدمنون على هذا الوضع ويصعب عليهم ان يكونوا عاديين ويتكيفوا مع تفاهة الروتين. ربما كنا مختلفين لأن الفرصة لم تسنح لنا للقساوة على الآخرين والتسبب بعذابهم حتى الآن! إنه كابوس". الجار الجيد الوحيد انتشرت الدعابة القاتمة والكلمات الجديدة في المجتمع الإسرائيلي منذ بدء الانتفاضة الثانية. عندما فجّرت ام شابة نفسها في مطلع هذه السنة ظهر كاريكاتور في هآرتز لامرأة تلف خصرها بالمتفجرات وتقول: "اللعنة. نسيت ان أطفئ الغاز". من الكلمات الشائعة "ها ماتزاف"، اي الوضع، التي تشمل توقف محادثات اوسلو في صيف 2000 والانتفاضة وقيام حكومة يمينية والركود والفقر وفساد الحكومة والرأي العالمي واللاسامية. كتّاب اسرائيل المعروفون عالمياً ينتمون الى صهيونية يسارية ليبرالية ويغضبهم السؤال عن حق اسرائيل في الوجود. الشاعرة اليمينية ناوومي فرانكلي مستوطنة في الخليل، وموشي شامير انتقل بعد حرب الأيام الستة من اليسار الى حركة اسرائيل الكبرى. في اقصى اليسار المعارض للصهيونية اهارون شبتاي الشاعر والمترجم الذي اتهم اسرائيل بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في مجموعة "اني اتهم" ويوسي سكري الذي يتناول مشاكل يهود جنوب اوروبا. كتب جوشوا سوبول "زمن حقيقي" في 2002 لكنه لم يجد من يعرض المسرحية في اسرائيل والخارج. المسرحي مستشار لحركة الاحتياطيين المعارضين وتناول في "زمن حقيقي" ضابطاً شاباً يؤمر بهدم عشرين منزلاً فلسطينياً لكنه يفضل مواجهة المحكمة العسكرية على القيام بفعل غير انساني. سوبول الذي اقام دعوى ضد قانون الجنسية في اسرائيل لا يستطيع ان يكتب إلا ما يتعلق بالوضع العنيف في بلاده. لم يشكك احد ان المعارض النمسوي في "شاهد" التي دارت في الحرب العالمية الثانية كان بديلاً للمعارض الإسرائيلي اليوم. البحر هو الحد الجيد الوحيد من حدود اسرائيل، يقول، وحتى اوروبا تحاصر اليسار الإسرائيلي بمقاطعتها الكتّاب والأكاديميين فتقوي اليمين وتعزز حربه ضد دعاة السلام.