خرج سليم ... ودخل "سي سليم" إلى دائرة ال 24، وأعضاء المكتب التنفيذي وقمّة هرم الاتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا. كانت الأشهر الأولى لعام 2004 جيدة لسليم شيبوب، رئيس عميد الأندية التونسية وأشهرها وأكثرها تتويجاً: الترجي التونسي ... فبعد موسم الإشاعات الماضي، والتأويلات المغرقة في التشاؤم حول علاقته بدوائر الحكم والمستقبل، والهزيمة القاسية أمام الإسماعيلي وخطاب الاستقالة ... احتفل "سي سليم" كما يحلو لعشاق نادي الدم والذهب مناداة السيد الرئيس في 13 كانون الثاني يناير 2004 بعيد ميلاده ال 45... بعدها بأيام قليلة أثنى عليه الرئيسان، زين العابدين بن علي، الرئيس التونسي، وجوزيف بلاتر حاكم "الفيفا"، بعد أن أفصح للمرة الثانية بعد عام 1994 عن قدرة بلده في تقديم أجمل صورة عن العرس الإفريقي واحتضان كأس أمم القارة السمراء... والتي تحمّل المسؤولية الأولى في تنظيمها... تمكن ببراعة من أن يتجاوز أول اختبار انتخابي قاري، فحصد العلامة الكاملة وأغلبية الأصوات 31 صوتاً التي ضمنت له مقعد "الفيفا" عن الشمال الإفريقي في المؤتمر الأخير للاتحاد... يبدو الدوري التونسي على مشارف النهاية والترجي في طريقة للتتويج بالبطولة العاشرة في عهد "سي سليم". غادر مواطنه وسلفه سليم علولو هذه الأيام الدائرة المغلقة للقرار في "الفيفا" ليخلفه سليم شيبوب في المقعد والمسؤولية الجسيمة في التمثيل العربي في أعلى هيئة كروية مع القطري محمد بن همام. يعشق سليم علولو، الصفاقسي التونسي، نادي مدينته ومسقط رأسه... كان في شبابه حاضراً بقوة في النضالات الطلابية وأجهزة الحزب الحاكم الشبابية... اختار اللعب في ملعب الكرة، في زمن الهواية، في حين شد أقرانه الطريق نحو مراكز الحكم أو المعتقلات، كل حسب ميوله وأهوائه، ولكنه بعد مشوار العمر... لم يتغير... يلوذ بالصمت القاتل دائماً، متجهم الوجه إلا في حالات نادرة... يميل إلى الكواليس، يمقت الأضواء والشهرة، قدم خدمات جليلة لوطنه وقارته، وكان مثالاً جيداً للمدرسة القديمة... لا أرى لا أسمع لا أتكلم... ولكنني هنا... فكرم بعضوية الشرف لمجلس "الفيفا". ربما اختلف التوانسة في تقويمهم لسليم شيبوب، كل حسب ميوله الرياضية والسياسية، ولكن "سي سليم" غالبا ما أبهرهم بقدرته على التكيف، وفهمه للمتغيرات والتحولات العميقة التي تعيشها كرة القدم ومجتمعهم، وصراحته وقدرته على الاعتراف بالفشل وتحمل الصدمات. فهذا المشتاق للأكلة الشعبية الأولى في تونس "الكسكروت" مهما رحل بين المدن، العاشق لأغاني الشيخ إمام، والمواظب على صلاة الجمعة، صهر الرئيس ورجل الأعمال الطموح، عرف الطريق إلى الملعب عبر الكرة الطائرة. كانت وما زالت رئاسة الترجي تعادل في شعبيتها وقوتها، رئاسة أعظم حزب سياسي... كان يمكن لسي سليم أن يكون سفيراً متميزاً لبلاده أو وزيراً لامعاً، لكنه اختار المستقبل عوضاً عن التاريخ... لم يقدم للرئاسة على ظهر قرار فوقي، ولكنه يعتقد أنه قاد حركة تصحيحية أنقذت النادي من أزمته في نهاية الثمانينات... وصعد به في عقد التسعينات إلى عتبة الاحتراف ودرجة العالمية، بعد أن سيطر على كل الألقاب المحلية، وتذوق الترجي طعم التتويجات العربية والقارية. سئل "سي سليم" في إحدى الجلسات العمومية للترجي، عن نواياه في الترشيح لرئاسة الاتحاد الإفريقي... فضحك على استحياء، فالرئاسة الإفريقية تعني مغادرة الرئاسة "الترجية"... تجمعه بالكاميروني عيسى حياتو علاقات متينة لا تنفي الاختلاف عند تضارب المصالح. وقف "سي سليم" في موسمين انتخابيين ضد الرئيس بلاتر إلا أن لديه قدرة فائقة على ترميم الجسور وتفادي المزالق القاتلة. وصفه "أعداؤه" بالمتسلط في آرائه إلى حد التعجرف أحياناً، بالكاريزما التي لا تقبل أحداً سواها في الصورة، وبمآخذ أخرى حول الدوري التونسي ومسيرة منتخبها القومي. ولكنه اليوم، عندما يتسلم موقعه في المكتب التنفيذي ل"الفيفا"، يبدو أمام اختبار جديد واستحقاقات مختلفة، يتجاوز الترجي والشأن المحلي ومدرستها القديمة، ليبعث بالصورة الجديدة ... أرى... أسمع... أتكلم...أطمح وأرنو إلى الأعلى.