فيما تحتفل عشر دول أوروبية بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي فإن عضوية تركيا لا تزال سمكاً في بحر، على رغم تحقيقها تقدماً كبيراً على طريق تطبيق الإصلاحات السياسية المطلوبة والمعروفة ب"معايير كوبنهاغن". وبناء على هذه المعطيات تنتظر أنقره أن تحدد القمة الاوروبية المقبلة في كانون الثاني ديسمبر هذا العام تاريخاً لبدء التفاوض على العضوية، وهو الأمر الذي تؤيده كل من ألمانيا وإيطاليا وبريطانيا فيما لا تزال فرنسا تتزعم جبهة الرفض إلى جانب الدول الاسكندينافية التي تبدو غير مقتنعة بانتماء تركيا إلى الأسرة الأوروبية ثقافياً واجتماعياً وتذكر دائماً بأن جغرافية تركيا تؤكد أنها آسيوية شرقية، وتستدل على ضعف قدرة أنقره في التأقلم مع الثقافة الغربية، بالإشارة إلى الخلل في تطبيق ما يتم إقراره من إصلاحات: فقوات الشرطة لا تزال تقمع التظاهرات بأساليب لا تحترم حقوق الإنسان، والقانون التركي لا يزال عاجزاً عن معاقبة المسؤولين عن عمليات التعذيب. ويعترف الأتراك بأن تطبيق ما يتم إقراره من إصلاحات يحتاج إلى وقت كاف وقدر من التعليم، لكن الاتحاد الأوروبي لا يبدي استعداداً لضم أنقره قبل انقضاء هذه الفترة غير المحددة. ولعل من المثير أن تشير استطلاعات الرأي إلى أن نسبة الأتراك الذين يريدون انضمام بلادهم إلى الاتحاد الأوروبي تساوي نسبة أولئك الذين يشككون في حصول ذلك. وينبع ذلك مما تفرزه التطورات السياسية من انعدام للثقة في نيات الاتحاد. إلا أن ذلك بدأ يتراجع أخيراً على خلفية ما وقع من تطورات في القضية القبرصية، إذ إن دفع الحكومة التركية وبجدية الطرف القبرصي - التركي إلى قبول الحل الذي قدمه الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان غيّر صورة تركيا لدى العديد من الدول الأوروبية، كما أن التدابير التي اتخذها الاتحاد الأوروبي لتخفيف الحصار على الشطر الشمالي من جزيرة قبرص أعادت الثقة لدى الأتراك في وعود الاتحاد. كما أن موقف أنقره من الأزمة القبرصية أخيراً أدى إلى تقارب تركي - يوناني، حتى أن رئيس الوزراء اليوناني الجديد كوستاس كارامنليس اشترط لتقديم الدعم لليونانيين القبارصة في الاتحاد الأوروبي ألا يؤثر هذا الدعم في علاقة اليونان بتركيا أو علاقة تركيا بالاتحاد الأوروبي عموماً، وهو موقف يثير الدهشة بالقدر الذي يوضح فيه مدى تطور العلاقات التركية - اليونانية وانعكاس ذلك إيجابًا على علاقات تركيا بالاتحاد. ويبقى الملف الكردي أحد الملفات التي يوليها الاتحاد الأوروبي اهتماماً بالغاً، يقيس من خلاله مدى تغيّر المفهوم السياسي لدى الاتراك عن الدولة والديموقراطية وحقوق الإنسان. وأقدمت أنقره على إقرار إصلاحات عدة في هذا الشأن بعدما التفت على موضوع الاعتراف بوجود الأكراد دستورياً، وذهبت إلى إعطاء جميع الإثنيات والأعراق في تركيا حقوق النشر والتعليم باللغة الأم من دون تحديد لغة بعينها. ولا تخفي الحكومة التركية عزمها على الالتفات إلى القضية الكردية لحلها من جذورها بعد التوصل إلى حل جزئي للمسألة القبرصية. لكن أنقره لا تزال تنتظر زوال تأثير حزب العمال الكردستاني المسلح على الفصائل السياسية الكردية من أجل بروز نخبة سياسية كردية مستقلة تبدي مرونة أكبر في التعامل مع الحكومة وتتصرف بواقعية مع الظروف السياسية. وهنا تنبغي الإشارة إلى أن تركيا بدأت تتخلص تدريجاً من الدور الممتد للمؤسسة العسكرية في الساحة السياسية بفضل ما يُقَرّ خطوة خطوة من إصلاحات سياسية يطلبها الاتحاد الأوروبي، وذلك بعد تغيير تركيبة مجلس الأمن القومي بتقليص عدد العسكر فيه، وسحب ممثلي المؤسسة العسكرية في عدد من المؤسسات الحكومية. ولعل توسيع الاتحاد ليضم عشر دول جديدة من بينها بولندا ذات التعداد السكاني الذي يقارب 45 مليون نسمة، قد يساعد الأوروبيين على تجاوز الحاجز النفسي تجاه انضمام 65 مليون تركي إلى اوروبا، خصوصاً أن معدل البطالة في تركيا أقل مما هو عليه في بولندا، كما أن أنقره تدرك أن تعدادها السكاني الذي يضم في غالبيته شباباً تراوح أعمارهم بين 15 - 30 عاماً، ستشكل المحرك للقوى العاملة في أوروبا وربما القاعدة الأساسية لإنشاء جيش أوروبي كبير.