اعتبرت تركيا أمس انها حققت نصرا دبلوماسيا في المفاوضات حول قبرص، على رغم انتهاء محادثات السلام في شأن الجزيرة المقسمة من دون التوصل الى اتفاق، واعلان الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان انه سيطرح خطة السلام في استفتاءين على القبارصة اليونانيين والاتراك في 24 الشهر الجاري. وفيما اعلن الزعيم القبرصي التركي رؤوف دنكطاش رفض الخطة الاممالمتحدة معتبرا انها غير مناسبة، أيدها رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان وحض القبارصة الاتراك على التصويت الى جانبها، وأشادت المفوضية الاوروبي بتركيا وحضت اليونان والرئيس القبرصي تاسوس بابادوبولوس على ممارسة قيادتهما ونفت ان تكون المحادثات انتهت الى فشل. انشغل انان لساعات في وضع اللمسات الاخيرة على مسودة الحل الخامسة والاخيرة التي قدمها للطرفين القبرصيين التركي واليوناني على رغم علمه المسبق بأن ما سيقدمه مرفوض سلفا من قبل الجانبين. لكن انان كان يستند الى اتفاق انتزعه من كلا الطرفين في نيويورك بداية الشهر الماضي، يقضي بعرض خطته على استفتاء شعبي في 24 الشهر الجاري. ولعل سر تفاؤل الكثيرين بنجاح الخطة انها تتجاوز المسؤولين القبارصة ومواقفهم المتصلبة، لتترك الحكم للشعب القبرصيولتركيا واليونان اللتين تجمعهما مصالح أكبر من تفاصيل الخلاف بين القبارصة الاتراك واليونانيين. وعلى رغم ان هذه ليست المرة الاولى ينفض اجتماع الأمين العام للامم المتحدة مع ضيوفه القبارصة من دون التوصل الى اتفاق، الا انها المرة الاولى يغادر الطرف التركي المفاوضات راضياً، فيما يخرج الجانب اليوناني الذي كان يتمسك دائماً بدور للامم المتحدة في الحل متهماً انان بالانحياز. ويكمن السر في بصمات الولاياتالمتحدة على صفحات مسودة الحل الذي جاء مختلفا عما سبقه لجهة توفير مطلب المساواة في الحقوق السياسية والسيادة للجانب التركي يشكل ربع سكان الجزيرة بغض النظر عن الكثافة السكانية لكل طرف. ولا يزال حاضرا في الاذهان ان موعد تقديم خطة الحل القبرصية تزامن مع استعداد واشنطن لشن الحرب على العراق صيف 2002 وحاجتها لدعم انقرة اللوجستي، الى جانب التقاء المصالح التركية - الاميركية في مشروع الشرق الاوسط الكبير. على انه لا تزال هناك اطراف تركية ترى في ما قدمه انان اجحافاً، وفي مقدم هؤلاء دنكطاش، الذي يعتبر أن كثيرا مما جاء في الخطة غير واضح وغير مفهوم، وهو ما ادى الى تفسير كل طرف للخطة وفق ما يهواه. فالجانب التركي الذي قبل بتقليص مساحة اراضيه من 36 في المئة من مساحة الجزيرة الى 29 في المئة، حصل في مقابل ذلك على برلمانه وحكومته وادارته وقوانينه الخاصة في منطقته، وسيشغل عددا مساويا من مقاعد البرلمان المشترك في الفيديرالية التي سيتم انشاؤها، كما سيسمح لتركيا بابقاء عدد متواضع من جنودها في الجزيرة لمدة 19 عاما او حتى انضمامها الى الاتحاد الاوروبي. كما سيسمح، بشروط، للمهاجرين الاتراك الذين استوطنوا قبرص بالبقاء في الجزيرة، في مقابل تحديد عدد من سيعودون من القبارصة اليونانيين الى اراضيهم وبيوتهم التي هجروا منها في الشمال التركي من دون ان يمنح العائدون حق التصويت او الانتخاب في القسم التركي. ولا يرى الجانب اليوناني الذي كان يصر على اعطاء الاتراك صفة أقلية في الجزيرة أنهم يستحقون كل ذلك في مقابل تنازلهم عن اراض احتلها الجيش التركي عام 1974، ويراهنون على ان في امكانهم التحايل على ما جاء في الخطة من خلال رفع دعاوى أمام محكمة حقوق الانسان الاوروبية للعودة الى اراضيهم في الشمال او الحصول على تعويضات. وهنا بالذات تبرز مخاوف دنكطاش. اذ ان الخطة لا تقدم ضمانات لعدم حصول ذلك الى الطرف التركي الذي يدرك ان الاتحاد الاوروبي لا يمكنه استثناء قبرص من تطبيق قوانين حقوق الانسان حتى لو استثنتها الاممالمتحدة. ويراهن الكثيرون من الاتراك على رفض الجانب اليوناني الخطة مما يعني بقاء الجزيرة مقسمة ويسمح لتركيا بالمطالبة بالاعتراف ب"جمهورية شمال قبرص التركية" ونفي صفة الاحتلال عن الجيش التركي الموجود فيها، وهو وضع اسوأ بالنسبة للقبارصة اليونانيين من قبولهم الخطة، مما قد يدفع اليونانيين الى القبول مكرهين بالخطة طالما انها ستكون أهون الشرور.