مع اقتراب موعد تسليم نظام الدفاع الجوي الروسي الجديد الى الجمهورية القبرصية في نهاية تموز يوليو المقبل، بعد تأخير متعمد دام ما يقرب من 16 شهراً، تزداد الحركة في مختلف الاتجاهات لمواجهة المضاعفات المرتقبة لهذه الخطوة، سواء في ما يتعلق بإعادة تحريك المشكلة القبرصية، أو بفتح صفحة جديدة في النزاع التركي - اليوناني الطويل. ويترافق هذا التطور مع جهود يبذلها بعض أطراف الاتحاد الأوروبي، لا سيما بريطانيا التي ترأس الاتحاد الأوروبي في دورته الحالية المستمرة حتى نهاية حزيران/ يونيو، وذلك لمعالجة الأزمة الناشئة عن رفض الاتحاد الأوروبي الطلب الذي قدمته تركيا للانضمام إليه واكتساب عضويته الكاملة، في حين وافق على انضمام جزيرة قبرص وباشر مفاوضات معها في هذا الشأن. ومع أن كلاً من المشكلتين تعود الى أسباب مختلفة، إلا أنهما تتقاطعان عند نقاط عدة، أبرزها المشكلة القبرصية، والصراع التركي - اليوناني حول بعض المناطق الحدودية في بحر إيجه، وتقابل نفوذ الدولتين في المنطقة على نحو تنافسي مكشوف، الى أسباب عديدة أخرى أسهمت بهذا القدر أو ذاك في تأجيج الخلافات القائمة وبروز مزيد من العقبات في وجه الحلم الأتاتوركي بالاندماج الكامل في الاقتصاد الأوروبي، واكتساب الهوية الغربية. عندما أُعلن، مطلع العام الماضي، عن عقد صفقة بين موسكو ونيقوسيا تبيع روسيا بموجبها الى الجمهورية القبرصية كمية محدودة من صواريخ "اس 300" المضادة للطائرات، قامت قيامة أنقرة ولم تقعد. وعلى رغم أن حجم الصفقة يقل عن 600 مليون دولار فقد رأت فيها تركيا تهديداً لأمنها، وهي الدولة التي تملك جيشاً قوامه 800 ألف جندي ويعتبر الثاني في حلف شمال الأطلسي بعد الجيش الأميركي، كما يتمتع بتفوق ساحق لا على جزيرة قبرص وحدها - التي يبلغ قوام جيشها عشرة آلاف من الحرس الوطني - وانما على اليونان ايضاً، الجارة "اللدودة"، والشريكة الأطلسية في آن. كان من المفهوم، لدى المراقبين، ان ردة الفعل التركية على صفقة الصواريخ المذكورة ليس مردها الخوف من تنامي القوة العسكرية لجمهورية قبرص، حتى لو تعززت بأربعين دبابة روسية جديدة "تي 80" تشكل صفقة أخرى محتملة بين البلدين في المستقبل. فالمقارنة بين القوتين غير واردة أصلاً وتبقى كذلك. كما ان هناك ثلاثين ألف جندي تركي ما زالوا يرابطون في الشطر الشمالي من الجزيرة منذ اجتياحها في عام 1974 وفرض التقسيم عليها بين شمال قبرصي تركي وجنوبقبرصي يوناني. صحيح أن هذا العامل الجديد يؤثر على حركة الطيران الحربي التركي الذي يعتبر ان أجواء الجزيرة يجب أن تبقى مفتوحة بالكامل أمامه، لكنه في الواقع لن يغيِّر شيئاً في معطيات الأزمة وفي عناصرها الرئيسية. ان مبعث القلق التركي هو تطور الأزمة القبرصية على نحو يناقض مصالح انقرة وتوجهاتها ومخططاتها. فتقسيم الجزيرة الى شطرين، وان كان حقق هدفاً رئيسياً من أهداف العملية التركية، لكنه أدى الى نتائج معاكسة مما أرادته أنقرة، على المدى البعيد. ذلك ان النتيجة العملية والرسمية لهذا التقسيم كانت تكريس وجود دولة قبرصية في جنوب الجزيرة، جميع رعاياها من القبارصة اليونانيين وتحظى باعتراف دولي وبشرعية أممية كاملة. كذلك فهي تتمتع باقتصاد جيد حيث تقيم علاقات طبيعية مع مختلف دول العالم وتنفذ مشاريع مشتركة معها، وتجتذب رساميل مهمة يجري استثمارها في مختلف القطاعات، لا سيما القطاع السياحي، ما أدى الى رفع مستوى الدخل الفردي الى 14 ألف دولار، وهو رقم يوازي الدخل الفردي في الدول الغربية المتقدمة. في المقابل، عجزت انقرة عن انتزاع اعتراف دولي بالكيان الذي أقامته في الشطر الشمالي المحتل من الجزيرة عام 1983 تحت اسم "الجمهورية التركية لشمال قبرص"، في الوقت الذي تواجه هذه المناطق وضعاً اقتصادياً سيئاً، مما يضطر الحكومة التركية الى تقديم دعم مالي سنوي لها يزيد عن 250 مليون دولار، وهو ما يؤدي الى انخفاض الدخل الفردي في الشطر الشمالي الى ما دون الأربعة آلاف دولار. وعلى رغم ان الدعم التركي ل "جمهورية شمال قبرص" يشكل تعبيراً طبيعياً عن التزام الحكومة التركية تجاه اقليتها القبرصية، إلا أنه يعتبر، في الوقت نفسه، ثمناً زهيداً للموقع العسكري الاستراتيجي الذي استطاعت انقرة تثبيته في المنطقة والاستفادة من مميزاته، في مقابل الانتشار اليوناني عبر عدد كبير من الجزر التي تمتلكها أثينا في بحر إيجه وتكسبها ميزات عسكرية مهمة، فضلاً عن الوجود العسكري الذي تقيمه في الجزء الجنوبي من جزيرة قبرص نفسها بالاتفاق مع حكومة الجمهورية القبرصية. فالوجود العسكري التركي في قبرص، كما تراه أنقرة، يشكل ضرورة ملحة لحماية سواحل الأناضول ولتحقيق توازن استراتيجي مع اليونان، لكنه في الوقت نفسه عامل رئيسي من العوامل المسببة للأزمة التي تحول دون تسويتها. في ما يتعلق بجوهر المشكلة، أي القضية القبرصية، يقوم الموقف القبرصي اليوناني على أساس إعادة توحيد الجزيرة وفقاً للصيغة التي طرحتها الأممالمتحدة وشكلت قاعدة الوساطة التي تقوم بها بين الطرفين المتنازعين. وتقترح الأممالمتحدة اقامة دولة فيديرالية ذات سيادة وعلم واحد يتمتع فيها الكيانان المنبثقان عنها بسلطات ووظائف مماثلة وإدارات منفصلة، لا سيما في الشؤون الأمنية. وتنص الوثيقة التي أعدتها الأممالمتحدة في هذا الشأن على أن تكون الحكومة الفيديرالية القبرصية علمانية ويحظر عليها الدستور تجاوز صلاحيات الدولتين العضوين في الفيديرالية. والمقصود بذلك فك ارتباط الطرفين بكل من تركيا واليونان وعدم مطالبة أي منهما بالانضمام الى الدولتين المذكورتين في المستقبل. وكانت الأممالمتحدة قدمت اقتراحات مماثلة في عام 1992 عرضت فيها على الطرفين إعادة توحيد الجزيرة في اطار دولة فيديرالية واحدة بمنطقتين ومجموعتين وحقوق متساوية، مع تقليص المنطقة التركية من 37 في المئة الى 28 في المئة من مساحة الجزيرة، وذلك بغية إعادة نصف القبارصة اليونانيين ال 200 ألف الذين نزحوا من الشمال الى الجنوب هرباً من الاجتياح التركي. غير أن الجانبين رفضا المشروع آنذاك: القبرصي التركي الذي يريد اولاً اعترافاً دولياً ب "الجمهورية التركية لشمال قبرص"، في مواجهة الوضع الشرعي الذي تتمتع به الجمهورية القبرصية اليونانية على الصعيد الدولي، والثاني اليوناني الذي يرفض كل حل يكرس تقسيم الجزيرة ضمن صيغة "اتحاد بكيانين"، ويرى ان الحل المقبول سيكون فقط "بتطبيق قرارات الأممالمتحدة القاضية بإعادة السيادة القبرصية بعد رحيل القوات التركية من الشمال واحترام حقوق الانسان وعودة جميع النازحين، من الطرفين، الى مناطقهم". وعلى رغم مرور السنين وتكثف الوساطات الدولية، لا سيما خلال العامين الماضيين، فإن المشكلة ظلت تراوح مكانها. لذلك فإن صفقة الصواريخ الروسية، وقبلها المعاهدة الأمنية التي جرى ابرامها بين اليونان والجمهورية القبرصية واقيمت بموجبها قاعدة جوية في الشطر الجنوبي من الجزيرة لاستخدامها من قبل سلاح الجو اليوناني، انما يندرجان ضمن وسائل الضغط على الجانب التركي لتليين موقفه وحمله، بالتالي، على التخلي عن شرطه بانشاء دولة مستقلة في الشطر الشمالي من الجزيرة أو ضم هذا الجزء الى تركيا بصورة كاملة ونهائية، كما يهدد دائماً. بيد أن التطور الأبرز على صعيد المشكلة هو قبول عضوية الجمهورية القبرصية في الاتحاد الأوروبي ودعوتها للتفاوض حول شروط انضمامها الى الاتحاد حتى العام 2002. ومع ان هذه الدعوة تشمل كل ابناء الجزيرة، بشطريها: الجنوب والشمال، إلا أنها من الناحية الواقعية ستقتصر على الجانب القبرصي اليوناني الممثل بالمؤسسات الرسمية للجمهورية القبرصية، نظراً لامتناع الجانب القبرصي التركي عن المشاركة في هذه العملية. وفوق ذلك فإن الاتحاد الأوروبي رفض طلباً تركياً مماثلاً بالانضمام إليه، واشترط اخضاع انقرة لعملية تأهيل طويلة المدى من أجل ان تستوفي شروط الانضمام الى الاتحاد في المستقبل. ولم تنفع، لا التهديدات التركية بضم الشطر الشمالي من جزيرة قبرص الى تركيا، وباجراءات أخرى عديدة، ولا المحاولات الأميركية لتأخير ضم الجمهورية القبرصية وقبول عضوية تركيا، في حمل الاتحاد الأوروبي على العودة عن قراره الأخير، أو تأجيل تنفيذه على الأقل الى حين استكمال الاتصالات الجارية للتغلب على العقبات القائمة في شأن جانبي المشكلة. تبدو الادارة الأميركية الآن وكأنها في سباق مع الوقت، وذلك لمواجهة التصعيد المحتمل في الأزمة. فهي من ناحية تسعى الى ايجاد حل لمشكلة الصواريخ الروسية قبل ان يحين موعد تسليمها الى الحكومة القبرصية بعد حوالى شهرين، ومن الناحية الأخرى تواصل محاولاتها لايجاد حل للمشكلة القبرصية بما يؤدي الى تسوية أو التخفيف من حدة المشاكل الجانبية الناشئة عنها. وفي الجانب الأول تقترح واشنطن حلاً وسطاً اذا تعذر تأخير عملية التسليم يقضي بأن تشتري الحكومة اليونانية الصواريخ الروسية لحسابها بدلاً من نشرها في جزيرة قبرص. ويجد هذا "الاخراج" قبولاً لدى انقرة لأنه لا يؤدي الى خلل في ميزان القوى بين الدولتين، في اعتبار ان اليونان تملك أنظمة دفاع جوي أخرى، وبالتالي فإن الصواريخ الروسية الجديدة لن تضيف عنصراً مهماً، أو مرجحاً، الى القوة العسكرية اليونانية. بيد أن، لا قبرص ولا اليونان تقبل بهذه التسوية، لأن الهدف من صفقة الصواريخ، في الأساس، ان تشكل ضغطاً معنوياً على تركيا، فضلاً عن تأثيراتها الأخرى. وفي هذا المجال يقترح وزير الدفاع اليوناني بعد اجتماع عقده مع وزير الدفاع القبرصي في مدينة سالونيك بشمال اليونان خلال الاسبوع الماضي نزع "أسلحة الجزيرة القبرصية من الجانبين التركي واليوناني من أجل تحقيق الاستقرار في كل أنحاء الجزيرة". لكن الوزير اليوناني هدد، في الوقت نفسه، بأن "أي عدوان جديد على قبرص سيؤدي الى اعلان الحرب من جانب اليونان". ويأتي هذا "الانذار" رداً على تهديدات تركية متكررة بتدمير الصواريخ الروسية اذا ما تم نشرها في الشطر الجنوبي من الجزيرة. وفي الجانب الثاني، تواصل الادارة الأميركية مساعيها الحثيثة لمعالجة جوهر المشكلة، وذلك عبر منسقها الدائم لشؤون قبرص توماس ميلر، ومبعوث الرئيس الأميركي ريتشارد هولبروك الذي يقوم بزيارات متلاحقة للجزيرة للبحث مع طرفي الأزمة في الحلول المناسبة للخروج من الطريق المسدود. وفي آخر محاولة بذلها المبعوث الأميركي، مطلع أيار مايو الحالي، وانتهت الى الفشل، أوضح هولبروك ان سبب فشله يعود الى تمسك الجانب القبرصي التركي "بشرطين غير واقعيين" - على حد تعبيره - هما: اعتراف الرئيس القبرصي غلافكوس كليريدس ب "جمهورية شمال قبرص"، وسحب ترشيح الجزيرة للانضمام الى الاتحاد الأوروبي، برغم ان مفاوضات الانضمام بدأت فعلاً بين الطرفين في نهاية آذار مارس الماضي. وقال هولبروك: "ان الاتحاد الأوروبي قام بعمل جيد حين دعا قبرص للانضمام إليه، لكن عدم دعوته تركيا كان خطأ". واعتبر ان هذا التمييز في المعاملة بين الجانبين زاد من حدة الأزمة القبرصية. وأوضح، في الوقت نفسه، انه "إذا كان سحب ترشيح قبرص قبل أي مفاوضات مع تركيا هو أمر غير واقعي، فإن وفداً قبرصياً مشتركاً في اطار تسوية فيديرالية للمشكلة ممكن جداً". وهذا الاقتراح يعيد البحث في جوهر المشكلة وخطة الأممالمتحدة الرامية الى وضع حل شامل ونهائي لها. ومن المقرر ان تقوم وزيرة الخارجية الأميركية مادلين اولبرايت بزيارة الى المنطقة خلال الأيام القليلة المقبلة في محاولة أخرى لنزع فتيل الأزمة. وفي ضوء النتائج التي ستسفر عنها هذه المحاولة تتقرر الخطوة اللاحقة لريتشارد هولبروك، الذي يبدو جاهزاً للعودة الى المنطقة فور الحصول على اشارات مشجعة. وبين الاقتراحات التي تحملها اولبرايت معها عقد اجتماع رباعي يحضره الطرفان القبرصيان واليونان وتركيا لمناقشة أسس تسوية دائمة، وان يكن الجانبان، أثيناوالقبرصي اليوناني، يرفضان المشاركة في أي اجتماع "لا يدخل في اطار قرارات مجلس الأمن الدولي التي تشكل أساساً للبحث عن تسوية لمشكلة قبرص"، وحسب ما اعلن الناطق باسم الحكومة اليونانية. في هذا الاطار أيضاً كانت المحاولة التي بذلها وزير خارجية بريطانيا روبن كوك عندما زار، الاسبوع الماضي، انقرة وناقش مع المسؤولين الأتراك سبل انهاء الأزمة التي تسود العلاقات الأوروبية - التركية على خلفية القرار الأوروبي برفض قبول عضوية تركيا. و"الوثيقة الاستراتيجية" التي قيل ان الوزير البريطاني حملها معه للاسترشاد بها في عملية إرساء العلاقات الأوروبية - التركية على أسس واضحة وثابتة، هي مصطلح مهذب لوصف شروط الاتحاد الأوروبي المتعلقة بتأهيل تركيا لدخول الاتحاد الأوروبي في مرحلة لاحقة، وخصوصاً في مجال حقوق الانسان، وتسوية القضية القبرصية وفقاً لمبادئ الشرعية الدولية، وتنفيذ بعض الخطوات الخاصة بتحسين مستوى الاقتصاد التركي والحد من التضخم الموجود حالياً. ومن الواضح أن الحكومة البريطانية أرادت انتهاز فرصة رئاسة الدورة الحالية للاتحاد لتقوم بهذه المهمة، لحسابه ولحسابها في آن معاً. فبريطانيا ما تزال تحتفظ بوجود قوي في قبرص على رغم انتهاء استعمارها للجزيرة من عقود. حيال هذه التعقيدات التي يشهدها الوضع في منطقة شرق المتوسط من جهة، والعلاقات الأوروبية - التركية من جهة أخرى، كيف تتصرف انقرة، وما هي حساباتها؟ على رغم انتهاء وظيفة تركيا العسكرية في اطار الحرب الباردة ما تزال الولاياتالمتحدة تبدي حرصاً على المحافظة على موقعها في حلف شمال الأطلسي، كما حدث خلال حرب الخليج الثانية. لكن واشنطن لم تعد راغبة في تقديم أي دعم مادي له شأن لتركيا. لذلك فهي تشجعها على الانضمام الى الاتحاد الأوروبي، كما تحض الدول الأوروبية على إفساح مجال لها، على أمل ان تؤدي هذه العلاقة الى تحسن الوضع الاقتصادي التركي وتضاؤل مشاكل تركيا عموماً، ما يؤدي الى تخفيف الاعباء عن كاهل الولاياتالمتحدة. وللأسباب نفسها فهي تشجع على تعزيز العلاقات التركية - الاسرائيلية، لأن القوتين تلعبان دوراً متشابهاً ومكملاً لصالح النفوذ الأميركي، وفي الضغط على بعض القوى الرئيسية في المنطقة: ايران من جهة، وسورية ومصر والعراق من جهة أخرى. لكن معضلة تركيا الأساسية هي انها تريد كل شيء في وقت واحد، حتى وان كانت الأشياء التي تريدها تبدو متناقضة ومتعارضة مع بعضها. فهي تسعى الى ان تصبح الدولة الأقوى عسكرياً في المنطقة. لذلك تعمل الآن على إعادة تحديث جيشها وترصد أموالاً طائلة في موازنتها المقبلة تصل أرقامها الى ما يقرب من 150 بليون دولار، في حين تقطع هذه الأموال من مخصصات التنمية التي يحتاجها الاقتصاد التركي بدرجة أكثر إلحاحاً. كذلك فإن تركيا تشهد مزيداً من تشديد قبضة العسكر على السلطة، وعلى الحياة السياسية التركية، ما أدى ويؤدي الى تقليص مساحة الحريات العامة والممارسة الديموقراطية. ويرافق هذا النزوع السلبي المتمادي توسع في انتهاكات حقوق الانسان، وهي المسألة التي تشكل مأخذاً رئيسياً على النظام التركي، من قبل الجهات المعنية، في الداخل والخارج. وبدلاً من أن تندمج تركيا اندماجاً ايجابياً في المنطقة اختار النظام التحالف مع اسرائيل، المتمردة على الشرعية الدولية، في مواجهة دول المنطقة كلها. الى ذلك، اختارت تركيا ان تحتفظ برهينتها الدائمة، جزيرة قبرص، بدل السعي الى حل هذا المشكلة حلاً عادلاً يرضي مختلف الأطراف المعنية. ومثل هذا الكلام يمكن أن يقال أيضاً عن القضية الكردية والأسلوب الذي تعامل به انقرة الأقلية الكردية الكبيرة. مع ذلك، فإن تركيا تريد أن تدخل الاتحاد الأوروبي مع كل هذه الاثقال من دون أن تبدي أي استعداد لإحداث تغيير، ولو بسيط، في سلوكها وفي تعاملها مع الآخرين. فهل تفيد المحاولات الأميركية "التجميلية" في هذا المجال؟