القاعدة تقول إن المنتصر هو من يكتب التاريخ، لكن ما تصمت عنه عادة هو أن القائد الشجاع الحكيم وحده من يصنع التاريخ، وهذا ما يحدث في السعودية اليوم، ممثلاً في صناعة تاريخ جديد للمرأة السعودية التي ظلت طوال سنوات تطمح إلى وضع قدمها في دورة التنمية والنهضة الوطنية، وتصطدم مراراً وتكراراً بالحواجز الاجتماعية التي يتم إلباسها تارة ثوب «الديني»، وتارة أخرى ثوب «الإرادة الجمعية للمجتمع»، وهي إرادة لا يعرف أحد كيف يتم قياسها وبناء على ماذا تتحدد معالمها. عندما استمعت لكلمة خادم الحرمين الشريفين في مجلس الشورى أمس الأول أدركت تماماً أن قائداً شجاعاً حكيماً محبوباً كهذا قادر على توجيه «الإرادة الجمعية للمجتمع» بكل بساطة، سواء كانت مرئية أو وهمية... فبكلمات معدودة وصادقة انهار سد هلامي بُني على باطل في أذهان الكثيرين الذين ما فتئوا يعلنون هنا وهناك عن يأسهم من تمكين المرأة السعودية من حقوقها، ويستعدون العالم بأجمعه على النظام السعودي بدعاوى وتصريحات في غاية السذاجة، معتقدين أن ذلك هو الدرب الوحيد لهدم السدود الواقفة في وجه مسيرة المرأة... يفعلون هذا على رغم كل الخيبات التي يمنون بها على أرض الواقع نتيجة سياسة «إني أصرخ فاسمعوني». لم تطلق مجموعة من النساء حملة على «فيسبوك» بشعار «سأدخل مجلس الشورى بنفسي في 17 حزيران (يونيو)»، ولم تتناول الصحف بكثافة مطالب نسائية هدفها الضغط على السياسي لإشراك المرأة في المجلس، ولم تحدث ضجة اجتماعية بين المؤيدين والمعارضين والواعين والنائمين حول ذلك... كل ما حدث أن بضع كلمات فقط من صاحب أعلى سلطة في البلاد حوّلت مقاعد مجلس الشورى من رجالية إلى مقاعد بشرية تتسع للجنسين، وهذا يعني أن الدولة ممثلة في قيادتها الحكيمة على استعداد تام لاستباق حتى طموح أولئك الذين يعتقدون أنهم يحملون على عواتقهم قضايا الإصلاح وتمكين المرأة والدفاع عن حقوقها، لكن هذه الحكمة تقتضي توفير الأرضية الخصبة والمناسبة للتغيير، وهو ما مهد له السياسي السعودي قبل سنوات بفتح بوابة مجلس الشورى للنساء «في إطار استشاري فقط»، لتتوج العملية اليوم بالمساواة التامة بين المرأة والرجل تحت قبة المجلس. تاريخ المرأة السعودية يصنع اليوم بإرادة سياسية واعية، تقودها الحكمة لا الضغوط وحملات الصراخ والاستعانة بالقريب والبعيد، وهذا ما يجب أن يدركه من يضيعون جهودهم في ما لا نفع فيه، فقد أثبت واقع الحال أن إثارة الضجيج للمطالبة بأمر ما، لا يسهم إلا في تفجير الجدل حوله وخلق جبهات تأييد ومعارضة له بشكل يدعو حكمة السياسي للتريث في اتخاذ أي قرار تجاهه حتى تتضح الصورة كاملة من دون تزييف أو احتكار لحقيقة التوجه الاجتماعي العام، وأنا أشير هنا إلى حق قيادة المرأة السيارة الذي أؤمن تماماً أنها ستناله قريباً إن كفت الجهات التي تعمل على تأجيجه بشكل مبالغ فيه، ولا أعلم حقيقة ما هو شعور الجهات الحقوقية العالمية التي روجت صورة غاية في السوداوية عن المملكة بسبب هذه القضية وهي تشاهد المرأة تدلف بقدميها إلى «البرلمان»... أتمنى ألاّ تبدأ في التباكي على مظلومية ذهابها إليه داخل «تاكسي»...! [email protected] twitter | @Hani_AlDhahiry