يلجأ بعض أحبابنا كبار السن أو «الشيبان»، كما يسميهم السعوديون، إلى اجترار ذكرياتهم العاطفية ومغامراتهم الغزلية في المجالس الخاصة والمناسبات الاجتماعية المختلفة، لتشنيف أسماع الحضور من أبناء الجيل الجديد بما يهز مشاعرهم من حكايات «حمراء» مكذوبة في الغالب، لكنها تندرج تحت المثل الشعبي المعروف «الكذب ملح الرجال»، فالهدف في نهاية المطاف منها هو الإضحاك وممارسة «الدنجوانية» في الخيال، التي تنهار تماماً قبل عودة كل منهم إلى منزله سائلاً «أم العيال» عن سبب ترك المصابيح مشتعلة، وشاكياً من آلام الظهر والرجلين، وعن أدوية الضغط والسكري... كل هذا ليس غريباً أو جديداً، لكن الجديد فعلاً هو أن يصدر أحد هؤلاء مجموعة وريقات يسميها «دراسة» يضمّنها مغامراته في مقاهي الدول المجاورة، ليصل إلى نظرية خطرة وغير مسبوقة عن ارتباط بقاء «عذرية» المرأة وشرفها في تلك الدول بقيادتها السيارة. ما أتحدث عنه ليس نكتة أو حكاية من «ملح الرجال»، ويمكن للمشكك في ذلك سؤال السادة أعضاء مجلس الشورى السعودي، الذين تلقوا دراسة أعدها أكاديمي متقاعد عن خطورة السماح للنساء بقيادة السيارة في السعودية، مستدلاً على ذلك بمشاهداته للنساء في أحد المقاهي خارج المملكة، بقوله: «جميع النساء كن ينظرن إليّ، وإحداهن قدمت إشارة لي بأنها «متاحة»، هذا ما يحدث إذا تم السماح للنساء بقيادة السيارات». ولا أعلم حقيقة إن كانت الإشارة التي قدمتها السيدة «المتاحة» لأخينا في الله الأكاديمي المتقاعد حدثت في أيام عنفوان شبابه، أم في شيخوخته؟ وهل كانت الإشارة بمفتاح السيارة مثلاً؟ وهذا ما جعله يضع نظرية الربط الخطرة بين الدعارة وقيادة السيارة؟ أم أن الإشارة كانت تعني «سيارتي في المواقف يا جميل»! مثل هذه الأسئلة لا بد أن تطرح حتى يمكننا أن نتفهم النظرية الجديدة في سياقها العام من دون إشكاليات وعلامات تعجب، فلو كانت تلك «المتاحة»، والعياذ بالله، فعلت فعلتها المنكرة أيام شباب صاحبنا، يمكننا تصور أنها فُتنت بجماله الخارق حتى فقدت السيطرة على نفسها، ودخلت في مرحلة مشابهة لافتتان امرأة العزيز والنسوة اللائي قطعن أيديهن بمشاهدة النبي يوسف «عليه السلام»، وهنا يجب أن نسأل أيضاً عن توقيت الحادثة، ومدى تزامنها مع استقبال أي من مستشفيات تلك الدولة لامرأة بلا أصابع أو يدين، فكل شيء محتمل، وربما تكون انفعلت بشكل أكبر ونحرت نفسها بمفتاح السيارة، والله المستعان! أما إن كانت الإشارة «الإتاحية» وصلت لأخينا الأكاديمي من المرأة إياها في شيخوخته بعد التقاعد، وكانت بالمفتاح أيضاً، فالمسألة مختلفة ويمكن وضع تفسيرات عدة لها، كأن تكون السيدة مطلعة بشكل كبير على عادة «حك الأذن» بمفتاح السيارة، المنتشرة بين «شيباننا»، وأرادت أن تخبر أخينا في الله بأن لديها مفتاحاً يمكنه استخدامه لهذا الغرض، كخدمة تقدمها له وللسياحة في بلادها أيضاً. وهناك تفسير آخر محتمل يتمثل في كون المرأة صاحبة الإشارة التاريخية وجدت المفتاح ملقى على الأرض، فقررت سؤال السيد الأكاديمي المتقاعد إن كان يخصه، ولم يدر في خلدها أن فعلتها ستتمخض عن نظرية تقتحم مجلس الشورى السعودي، وتحول قائدات السيارات في بلادها إلى بغايا «متاحات» لرواد المقاهي من أبناء الدول المجاورة، وربما لو علمت بذلك لسارعت ل «غرز» المفتاح في جمجمة صاحبنا وتحولت إلى «قاتلة» بدلاً من «متاحة». إنني، وبصفتي مواطناً صالحاً محباً ل «سواليف الشيبان»، إضافة إلى أنني أُكثر من مجالسة جاري السبعيني «أبو سليمان»، الذي يعتبر نفسه أهم وأخطر محلل سياسي وعاطفي في هذا الكوكب، أتفهم مدى حاجة هؤلاء لممارسة «الدنجوانيات» المتأخرة عبر الأحاديث، لكن أن تصل المسألة إلى تسمية تلك الأحاديث ب «الدراسات»، ثم تقتحم مجلس الشورى لربط عذرية المرأة ب «دواسة البنزين»، فهذا يعني أن «الطاسة» ضاعت تماماً، وعلى الجهات المختصة أن تبادر مشكورة لفحص عقلية ونفسية صاحبنا قبل أن يصدر دراسة جديدة تربط بين فحولة الرجال بمراجعة الإدارات الحكومية مثلاً، فكل شيء محتمل، كما أسلفت، ولا حول ولا قوة إلا بالله! [email protected] Twitter | @Hani_AlDhahiry