لم يكن خطاب الملك عبدالله بن عبدالعزيز في مجلس الشورى مفاجئاً لي. لم يأت الملك عبدالله إلى مركز القيادة ليقوم بدوره كقائد تقليدي وعادي ومهادن. قدر الملك عبدالله أن ينقل المملكة العربية السعودية إلى الحقبة الجديدة التي تستحقها على بناء كبير وضع أسسه الملك عبدالعزيز رحمه الله. فكما جاء في أول خطابه يوم أمس لا نقف عند ميراث المجد الكبير الذي ورثناه وإنما واجبنا أن نبني عليه. فالبنية التي وضعها الملك عبدالعزيز لم تكن صماء لا تقبل التطوير والتجديد وإعادة النظر وليست معاندة لمسار التاريخ. المملكة بنية فكرية وثقافية واجتماعية مفتوحة دائما على المستقبل. تحتاج إلى قائد تاريخي لا يهاب النظر إلى الأمام ولا يلبد في دفء المألوف ولا يخيفه زعيق الخائفين. منذ اليوم الأول من حكمه المجيد قرر المواجهة الشجاعة مع التخلف المتخفي في ثياب الدين أو ثياب التراث فتتالت القرارات الشجاعة في كل مجالات الحياة السعودية. الاقتصاد الثقافة الإعلام القضاء العلاقات الدولية ومع عظم التحدي الذي واجهه لم ينس أهم قضية وأخطر قضية تواجهها الشعوب في حركتها نحو الحداثة. لم يوقفه تحذير البسطاء والمنكفئين وأصحاب المصالح والكارهين للأنثى. كان يعرف حفظه الله أن قضية المرأة هي أس القضايا كلها. لا يمكن لأي شعب في العالم أن يحرز أي تقدم حقيقي وهو يعمل عامدا على تهميش المرأة واسقاطها من حسابات التنمية. لا يمكن أن ترى مجتمعا متقدما دون أن يكون للمرأة فيه دور جوهري ومشاركة حقيقة في ميادين العمل. انتهت الحياة التقليدية التي تضع المرأة في المطبخ والرجل في الحقل. أصبح العالم يدار بالعقل لا بالعضلات والقوة والجسدية والفروسية. فالتغير العظيم في مفهوم العيش الإنساني نقل البشرية من مفهوم إلى مفهوم جديد لم تعهده الإنسانية من قبل. هذا التغير أصاب كثيرا من الظلاميين بالفزع ولكنه لم يخف الرجال الشجعان الذين يؤمنون بمسار التاريخ الصاعد نحو مجد الإنسان وكرامته وحقوقه الطبيعية. بعد القرارين الكبيرين الذي أعلن عنهما في مجلس الشوري يوم امس لم نعد في حاجة إلى تذكير الظلاميين أن المرأة إنسان. اليوم أصبحت شريكة رسمية في بناء بلدها وشريكة في التفكير وصنع القرارات وسن القوانين. وسيكون جزء من مصير هؤلاء الظلاميين في يد المرأة. يبرهن الملك عبدالله أن فطرة المرأة هي فطرة الرجل وقدرة المرأة هي قدرة الرجل وحقوق المرأة هي حقوق الرجل. لا يوجد اختلاف بين الرجل وبين المرأة إلا في أذهان المهووسين بالجنس ومن تقودهم الرغبات البدائية. انتقل المجتمع السعودي يوم أمس إلى حقبة جديدة من تطوره. أصبحت المرأة فيه أقرب إلى حقوقها الطبيعية من أي يوم مضى في تاريخها. لكن يجب ألا نفهم أن دخول المرأة مجلس الشوري الهدف منه سماع صوتها بما يهمها ويهم الأسرة والبيت أي إعادة زخرفة الماضي بأدوات المستقبل. دخول المرأة مجلس الشوري والمجالس البلدية يعني المشاركة الكاملة في صنع القرارات على الأصعدة الكافة. صوتها سيكون في كل مكان واضحا لا عورة. بارك الله في الملك عبدالله وجعلنا جميعا عوناً له.