يحتار وكيل الأمين العام للأمم المتحدة ساشي تارور بين تقديم المنظمة الدولية على انها طرف فاعل في قضايا العالم وغير خاضع لإرادة الولاياتالمتحدة الأميركية، وبين تقديمها ضحية للتغيرات الحاصلة في موازين القوى مما فرض قوة واحدة عظمى لا يمكن تجاهلها. والمسؤول الدولي الذي أمضى في لبنان اياماً للبحث مع اعلاميين عرب ومندوبي هيئات الاممالمتحدة في كيفية تحسين صورة الاممالمتحدة في العالم العربي والتي قال انها تراجعت على نحو سيئ، أقر في حديث ل"الحياة" ان المشكلة ليست في كيفية التواصل مع هذا الجزء من العالم بقدر ما هي في سياسة الأممالمتحدة في شكل عام، لكنه يحيل الأمر الى انقسام العالم على نفسه مما يوقع الأممالمتحدة في العجز في احيان كثيرة. وهنا نص المقابلة: هل يمكن بداية معرفة الاموال المتوجبة للأمم المتحدة على الولاياتالمتحدة الاميركية؟ - ان الولاياتالمتحدة تدفع ما نسبته 22 في المئة من اجمالي حجم الموازنة العادية للأمم المتحدة البالغ ثلاثة بلايين دولار على مدى سنتين مما يعني 5،1 بليون في السنة، وهذا يعني ايضاً ان على الولاياتالمتحدة ان تدفع نحو 300 مليون دولار سنوياً. هل سددت ما هو متوجب عليها؟ - هناك متوجبات كان يجب دفعها في الماضي ولم تكن تسدد دائماً، وهناك ايضاً متوجبات لقوات حفط السلام، ولسنوات عدة تراكمت المستحقات، لكنهم الآن أفضل في الدفعات الحالية، لكن ما هو قديم ولم يسدد يبلغ نحو 500 مليون دولار اي قريب من البليون. حصل نقاش كبير، لكن هناك نظام اميركي معتمد حيث الخارجية الاميركية عليها ان تعرض موازنتها على الكونغرس ليجري التصويت عليها والجدل الحاصل ان الكونغرس لا يلبي الطلبات. هل ثمة اجراءات تتخذ لدفع الولاياتالمتحدة لتسديد مساهمتها المالية للأمم المتحدة؟ - هناك قاعدة في الأممالمتحدة، فعندما تتراكم المتوجبات ما فوق السنتين للموازنة العادية فإن الدولة تخسر تصويتها في الجمعية العامة، لكن الولاياتالمتحدة ليست في موقع يشكل خطراً عليها، هناك حالياً دول لا يمكنها التصويت بسبب تراكم المتوجبات عليها وهي دول فقيرة جداً. هناك من يأخذ على الاممالمتحدة عدم قيامها بمبادرات وعلى الأمين العام للأمم المتحدة خضوعه لارادة الولاياتالمتحدة، وعدم أخذه بموازين القوى ومواقف الدول الاخرى؟ - لا يوجد توازن قوى في هذا المعنى، هناك قوة عظمى، لكن القول ان الأمين العام يوافق دائماً مع الولاياتالمتحدة فهذا أمر غير صحيح لا على مستوى الأمين العام ولا مجلس الأمن. الشيء الوحيد الذي علينا ان نوافق عليه انه عندما تكون هناك 15 دولة تلتقي حول طاولة مجلس الأمن فإن 14 منها تعي تماماً علاقاتها الثنائية مع الدولة الرقم 15 وهي الولاياتالمتحدة لأنها دولة كبرى أساسية اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، هذه العلاقات مهمة لهذه الدول وهذه هي حقيقة الجيوسياسة في العالم. وأريد ان أسأل هل تفضلون الا تتعامل الاممالمتحدة مع الولاياتالمتحدة، وبالتالي يتم تجاهل هذه المنظمة الدولية من قبل الولاياتالمتحدة، أم تفضلون تعلم كيفية التعامل مع الولاياتالمتحدة بحيث يُعتمد عليها في جيوسياسة العالم ويمكن استخدام الدعم الاميركي في قضايا عديدة، اذ يجب ألا ننسى ان العالم ليس فقط فلسطينوالعراق، فعلى رغم أهمية هاتين القضيتين، فاننا نحتاج الولاياتالمتحدة في مئات القضايا في العالم، نريد مساعدتها في قبرص والكونغو وليبيريا وأفغانستان وتيمور، نريد مساعدتها في قضايا المخدرات واللاجئين وعمليات حفظ السلام ومكافحة الفقر والعمل من اجل التنمية ومكافحة الايدز، وبالتالي فإنه لا يوجد أمين عام يمكنه عزل الولاياتالمتحدة في وقت ان دعمها مهم جداً، الأمر ينطبق ليس فقط على هذا البلد بل على اي دولة اخرى، نحن نحتاج الى جلب كل الدول مع بعضها البعض. وبين الحين والآخر فإن ثمة تسويات يجب القيام بها، غير ان الأمين العام لم يتردد في الكلام في السر والعلن عندما يكون رأيه مخالفاً لرأي الولاياتالمتحدة، حتى العام الماضي خلال الحرب قال بوضوح ان الحرب ضد العراق لا تترافق مع الشرعية الدولية، وتعرض لانتقادات أميركية بسبب ذلك. ماذا عن الأخذ بمواقف الدول الأخرى؟ - دائماً نفعل، لكن هناك اختلافات، فأنا أسأل اذا تلقيت دعوة من سفير دولة جزر القمر ودعوة من سفير الولاياتالمتحدة اي واحد تلبين اذا كان لديك وقت محدد؟ وأشير الى ان الأمين العام منفتح على جميع الدول وهو يمضي الوقت مع دول صغيرة ونامية اكثر من الوقت الذي يمضيه مع الولاياتالمتحدة لأن هذه الدول بحاجة الى نقل وجهات نظرها الى الأممالمتحدة. لكن مع ذلك، فإن الأمين العام وافق على خطة رئيس الحكومة الاسرائىلية آرييل شارون للفصل على رغم انها تنسف خريطة الطريق والقرارات الدولية؟ - هو قال في شكل واضح انه يصر على تطبيق خريطة الطريق وانه يوافق على الانسحاب فقط اذا كان جزءاً من مفاوضات التسوية. وفي رسالته التي وجهها الى رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات في 26 نيسان ابريل الماضي قال حرفياً: ان الانسحاب من غزة اذا تم بحسب خريطة الطريق فإنه قد يمنح فرصة لإحياء عملية السلام، وحتى يتم ذلك يجب ان يكون الانسحاب تاماً وكاملاً ويؤدي الى سيادة السلطة الفلسطينية على اراضيها ومواردها وحدودها الدولية عندها فقط ستكون نهاية حقيقية للاحتلال. هذا ما قاله الأمين العام وأعتقد ان هناك بعض سوء عدالة لدرجة ما في تغطية هذه المسألة وفهم موقف الأمين العام. لماذا أيد الخطة اذاً؟ - هو لم يفعل. ما قاله انه لا يدعمها بطريقة عمياء، هناك اختلاف بين الدعم الاميركي للخطة ودعم الأمين العام للأمم المتحدة، دعمه مشروط باذا كانت تتوافق مع خريطة الطريق. من الواضح انه يريد ان يرى الاسرائىليين يغادرون غزة، ألا تريدين ذلك؟ وهو لا يريد الانسحاب وفق شروط يضعها المحتل. ما مصير خطة موفد الأمين العام الى العراق الأخضر الابراهيمي في شأن انتقال السلطة الى العراقيين؟ - لا نعرف النتيجة بعد، لكنه يعمل بجهد كبير، ان هدف الابراهيمي ايجاد ميكانيكية موقتة لانتقال السلطة بحيث يمكنها تولي قيادة البلاد بعد الانسحاب الأميركي الذي يفترض ان ينتهي في نهاية حزيران يونيو المقبل وحتى حصول انتخابات حرة متوقعة في كانون الثاني يناير المقبل والابراهيمي يخاطب الجميع، ليس فقط السياسيين وإنما الاتحادات النقابية والمجموعات النسائية وغيرها، مصلحتنا الوحيدة مساعدة الشعب العراقي في تقرير مصيره بنفسه. هل لديكم خطة بديلة اذا فشلت خطة الابراهيمي؟ - هذا سؤال جيد، ماذا يمكن ان يحصل اذا لم تأخذ خطة الابراهيمي طريقها الى النور. حتى هذه المرحلة لا يوجد لدينا جواب جيد، أملنا ان تسير الخطة، فهو رجل صاحب خبرة كبيرة ولن يقترح شيئاً لا يرضاه العراقيون. ألا تعتقد ان فشل الأممالمتحدة في المنطقة يسهم في تراجع صورتها لدى الرأي العام العربي؟ - لكن لماذا لا يتم النظر الى ما فعلناه في جنوبلبنان مثلاً، ألسنا نقوم بعمل جيد هناك، هل يجب الحكم على الأممالمتحدة فقط من خلال الوضع الذي نحن غير راضين عنه؟ لماذا لا يتم النظر الى ما نفعله في فلسطين وما نقدمه من خدمات تعليم وصحة لثمانين في المئة من هذا الشعب خصوصاً اللاجئين الا يستحق هذا الامر التقدير. الواقع ان عملية السلام اصبحت الى هذا الحد قريبة وفي نفس الوقت بعيدة. نحن لا ندعي اي تقدير، لكن لماذا تلقى اللائمة علينا فقط وليس على اللاعبين الآخرين والحكومات والأطراف نفسها، الأممالمتحدة لا يمكنها اجتراح حلول سحرية، لكننا نحاول ان نجمع الاطراف مع بعضها بعضاً. نحن نتمسك بالمبادئ وبتطبيق القرارات الدولية، ومنذ سنوات قليلة فقط أقر مجلس الامن ولأول مرة بالحاجة الى دولة فلسطينية. أعتقد ان تغيرات ايجابية حصلت ويجب رؤية الصورة بأكملها وليس جانباً واحداً منها. ألا تعتقد ان المسألة هي في سياسة الأممالمتحدة وليس في اعلامها وتواصلها مع المنطقة؟ - انها نقطة اخرى مهمة. نحن نستطيع فقط التواصل الى درجة معينة في ما يتعلق بما نفعله. في أحيان هناك اناس لا يتوافقون مع ما نقوم عليه. وعليّ قبول ذلك. وفي المقابل هناك اشخاص في أميركا لا يحبون حقيقة ان الأممالمتحدة لم تدعم الحرب. ان مكانتنا في الولاياتالمتحدة تراجعت هناك كما تراجعت هنا لأننا لم نمنع الحرب وخسارتنا كانت على الجانبين. وللاسف فإن العالم منقسم حول بعض القضايا وفي بعض الاحيان تصبح الأممالمتحدة ضحية هذا الانقسام، لكن من خلال التواصل يمكننا ان نقدم انفسنا في شكل افضل، ان نقول للعالم العربي ما يمكننا فعله وما لا يمكننا القيام به، يعني ان نشرح عجزنا في احيان. هل لديكم معطيات عن حجم تراجع صورتكم في العالم العربي؟ - ليست لدينا احصاءات عن نظرة الرأي العام لنا انما نعتمد على ما نقرأه في الصحافة، هناك منظمة احصاءات في واشنطن بي دبليو او قامت باحصاء شمل دولتين مسلمتين او ثلاثاً وكان هناك تراجع لصورتنا، ولم تكن النتيجة جيدة في الصيف الماضي من خلال احصاء شمل 20 دولة إذ كانت سيئة. ما الذي ستفعلونه لتحسين الصورة؟ - اشياء عدة منها ان تكون هناك اصوات للأمم المتحدة حاضرة اكثر عبر الاعلام العربي وتحديداً المحطات الفضائية، لا نتوقع ان نقنع الرأي العام في كل مرة لكن المطلوب ان تكون وجهة نظرنا مسموعة، ونحن في حاجة للعمل اكثر مع المجتمع المدني. وماذا عن سياسة الأممالمتحدة؟ - نحن في حاجة اولاً لشرح ان سياستنا ليست سيئة بالقدر الذي يظنه الناس، نريد ان ينظر الناس الى صورتنا في شكل عادل وأن كنا لا نستطيع ان نرضيهم.