قرر المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة الى افغانستان السفير الاخضر الابراهيمي الجزائر "الانسحاب" من المهام الموكلة اليه "نظراًَ الى تواضع النتائج التي توصلت اليها جهودنا"، وبسبب "خيبة الامل نظراً الى مواقف الاطراف الافغانية السلبية، خصوصاً طالبان، ورفضها الاستماع لنداءاتنا". وقال الابراهيمي ل"الحياة": "لم تكن الحرب الأفغانية لتطول لولا التدخل الخارجي، من او عبر الدول المجاورة"، لا سيما باكستانوايران. وأبلغ الديبلوماسي المخضرم مجلس الامن اول من امس تقويمه لما اسفرت عنه جهوده مبعوثاً خاصاً للأمين العام، في اطار ما يعرف ب"ستة زائد اثنين" اشارة الى المجموعة التي تضم جيران أفغانستان، اي باكستانوايران والصين وطاجيكستان وتركمنستان واوزبكستان، بالاضافة الى الولاياتالمتحدة وروسيا. وفي حديث اجرته معه "الحياة" في اعقاب الجلسة المغلقة لمجلس الامن، قال الابراهيمي: "سأنسحب من مهمتي في أفغانستان، بعد سنتين من الجهد الذي لم يثمر، وهذا واضح في تقرير الامين العام الاخير في 21 ايلول سبتمبر. فالكل شعر بخيبة امل بعد الهجوم الذي شنّته "طالبان" آخر تموز يوليو وما زال مستمراً، وقد استؤنفت هذه المعارك مباشرة بعد اجتماع طشقند لنواب وزراء خارجية مجموعة ستة زائد اثنين". وتابع: "خيبة الأمل كانت بسبب موقف الاطراف الافغانية، خصوصاً طالبان، لأنها رفضت ما توصلنا اليه عبر مجموعة ستة زائد اثنين. وفي هذه الظروف، هناك اتفاق بين الجميع في الاممالمتحدة على استمرار اهتمام المنظمة الدولية بأفغانستان واستمرار اتصالاتها بالاطراف ومحاولة زيادة الضغوط الدولية على الأطراف المتقاتلة لكي ترجع الى صوابها. وليس هناك ضرورة لرجل مثلي في الوقت الحاضر، وقد ابلغت مجلس الأمن بذلك". وأضاف الابراهيمي: "هناك وضع انساني صعب، ففي المعارك الاخيرة في الصيف والخريف في شمال افغانستان، حُرِقت بيوت بل قرى بكاملها وأُتلفت المحاصيل الزراعية. وهُدمت البنية التحتية سيما في مجال الري، وهُجّر ما يفوق عن 100 ألف انسان من بيوتهم، معظمهم انسحب الى منطقة بنغاشير، وهجرت "طالبان" بعض النساء والاطفال الى كابول. ولذلك هناك اهتمام كبير، في المجال الانساني، خصوصاً ان منطقة بنغاشير غير قادرة على استيعاب هذه الاعداد من المهجّرين، والأممالمتحدة والصليب الاحمر يبحثان عن طريقة تضمن وصول الطعام والمواد الضرورية الى هؤلاء الناس قبل ان تنقطع الطرق بسبب الثلوج في هذه المناطق الجبلية". وعن تأثير الانقلاب العسكري في باكستان في الوضع في افغانستان قال الابراهيمي: "ان باكستان لاعب اساسي في أفغانستان. وفي الفترة الاخيرة، كانت بدأت تظهر بوادر تبشر بتعاون باكستاني مع الأممالمتحدة فعّال اكثر من الماضي، من اجل اعادة السلم الى افغانستان. لكن السؤال المطروح هو: هل هذه البوادر التي ظهرت في اواخر عهد نواز شريف ستتأكد"؟ وحمَّل الابراهيمي الاطراف الأفغانية مسؤولية فشل جهوده، لكنه أضاف الى ذلك "تقصير من الآخرين". وتابع "في افغانستان، دائماً طرف اقوى من الآخرين يعتقد انه قادر على ان يصل الى حل عسكري وفرض رأيه من خلال الحرب. و"طالبان" هي الأقوى". وزاد: "الا ان هذه الحرب لم يكن لها ان تطول كما حصل من دون التدخل الخارجي. وهذا التدخل لا يمكن ان يأتي الا من او عبر الدول المجاورة. فأفغانستان مغلقة لا تدخلها ذبابة الا عبر الاراضي المجاورة او المجال الجوي للجيران". وزاد: "ما يقال عن ان الروس تركوا الأسلحة، خرافة. نعم ترك الروس أسلحة، لكن لم يتركوا وراءهم ذخيرة. والجميع يعرف ان الطائرات والدبابات الروسية في حاجة الى قطع غيار. ثم مَن يوفر النفط والوقود؟ ان افغانستان لا تنتج لا النفط ولا الطعام ولا الملابس. فمن يوفرها؟ انها اما من الجيران مباشرة او عبرهم". واضاف الابراهيمي معترفاً بأن باكستان توفر الدعم لطالبان: "باكستان مع طالبان لكن ماذا عن الطرف الآخر؟ من يدعمه"؟. وقال ان "ايران فاعلة جداً"، و"اهم" جارين لأفغانستان في اطار التأثير فيها "هما باكستانوايران". وتابع: "ان التعاون بين هاتين الدولتين والتعاون بينهما وبين الاطراف الأفغانية امر ضروري. ونحن وجهنا الى باكستانوايران نداءات كثيرة وعلنية ليتم التعاون بينهما بطريقة جدية، وليس عن طريق البيانات في المناسبات وتعبير عن الأسف لإهراق دماء الاشقاء في افغانستان وما الى ذلك من العبارات العاطفية التي لا تفيد". وزاد: "كان ولا يزال المطلوب من الدولتين الجلوس والعمل معاً من اجل اقناع الاطراف الافغانية. ولكل من الدولتين علاقات قوية مع الاطراف الافغانية تستطيع ان تستعمل النفوذ معها من اجل اقناعها بضرورة الحل السلمي". وشدد الابراهيمي على ان "موضوع افغانستان لا يمكن حله الا عبر الاطراف الداخلية والجهات الخارجية ذات الشأن ولها مصالح، من الخوف على الأمن الى الاهتمام بأنابيب الغاز والنفط من آسيا الوسطى الى الاسواق في باكستان والهند ثم أبعد". ويتساءل: "ما فائدة العمل الديبلوماسي غير ايجاد الحلول حيث تتضارب المصالح". واشار الى ما يقال عن ايران وانها تريد ان تمر الانابيب عبر اراضيها وان باكستان تريدها عبر افغانستان، وقال: "فليجلسوا معاً ويحلوا الموضوع. هناك مصالح متضاربة، اكثر من ذلك بكثير وُجِد لها حلول. وعما اذا كان قرار مجلس الأمن الاخير الذي توعد "طالبان" بفرض عقوبات عليها ما لم تسلم اسامة بن لادن المتهم بالتورط بتفجير السفارتين الاميركيتين في كينيا وتنزانيا صيف 1998، قال الابراهيمي: "ان القرار مُتعلق بالرؤية التي تكونت عند مجلس الأمن الذي رأى ان هناك خطراً ينبع من داخل افغانستان يهدد أمن وسلامة دول اخرى عن طريق العمل الارهابي. فالقرار يركز على هذا الجانب وليس على جانب انهاء الحرب أو المفاوضات السلمية". انسحاب الابراهيمي من مهام المبعوث الخاص للأمين العام لا يعني انهاء مجموعة "ستة زائد اثنين"، على رغم انه الرجل الذي اوجدها، وعبرها حدث تقارب اميركي - ايراني واجتماعات ضمت مسؤولين رسميين، وعبرها ايضاً حدث بعض التفاهم الموقت بين ايرانوباكستان. فالمجموعة قد تجتمع مجدداً لترى كيف تتعاطى مع الوضع في افغانستان. لكن الابراهيمي لن يكون جزءاً منها. صلته مع الاممالمتحدة تبقى قائمة على اساس "عندما تبرز حاجة الي، وأرضى بما يطرحونه، نعمل معاً"، لربما في غير مسألة افغانستان.