حديث الرئيس الأميركي جورج بوش لقناتي "العربية" و"الحرة" عن استنكاره تعذيب الأسرى والمعتقلين العراقيين في سجن أبو غريب وإعلانه عن معاقبة الذين قاموا بعمليات التعذيب، مبيناً أنَّه ليس على علم، ليحسن صورته وصورة دولته أمام العراقيين والشعوب العربية، ما هو إلاَّ كذبة، وأقول هذا لأسباب عدة، منها: 1- انَّ نائب وزير الدفاع الأميركي زار سجن أبو غريب في إحدى زياراته للعراق، وبثَّت إحدى وكالات الأنباء صوراً له وهو خارج من سجن أبو غريب، كما بثَّ أحد مواقع الإنترنت صورة لوزير الدفاع الأميركي "دونالد رامسفيلد عند سجن أبو غريب مع المشرفة الأميركية على السجون في العراق الجنرال جانيس كاربنسكي التي لَّمحت إلى أنَّ التجاوزات التي ارتكبها عناصر من الشرطة العسكرية، تمَّت بتعليمات من الاستخبارات العسكرية أثناء محاولة انتزاع معلومات من السجناء. وهذه الصورة خير شاهد على أنَّ الإدارة الأميركية برئيسها ووزير دفاعها ونائبه على علم بما يحدث في هذا السجن وغيره، وذكرت صحف أميركية أنَّ وزير الدفاع يعلم بأمر الصور منذ شهر كانون الثاني يناير، فلمَ لم يعاقب المسؤولين في حينه ويوقف عمليات التعذيب لو لم تكن بأوامر منه ومن قيادته؟ يؤكد هذا أيضاً أنَّ توني بلير كان على علم بما يقوم به الجنود البريطانيون من عمليات تعذيب في سجون جنوبالعراق، وكان كاذباً عندما تظاهر بالصدمة عندما نشرت "الديلي ميرور" البريطانية في عددها الصادر في 1/5/2004 صورة مذلة لأسير عراقي، وقد اعتمر كيساً على رأسه وهو مقيد اليدين، ولجندي بريطاني يبول عليه، وهي نماذج لممارسات ممنهجة بهدف انتزاع المعلومات أداتياً ولإخضاع المقاومة. وأكدت هذه المنهجية صحيفة "الغارديان" البريطانية نقلاً عن السرجنت إيفان فريدريك أحد الذين مارسوا عملية التعذيب، إذ أشار الى أنه توجه مرات لمرؤوسيه يبلغهم عن اعتراضه عن الممارسات المهينة، فتلقى رداً زاجراً مفاده أن يفعل ما يطلب منه. 2 - ما صرَّح به السيد مورتن سكلار المدير التنفيذي للمنظمة العالمية لحقوق الإنسان لقناة "الجزيرة" الأربعاء 6 أيار مايو 2004 في أعقاب حديث الرئيس الأميركي جورج بوش أنّ الحكومة الأميركية ووزير دفاعها، ورئيسها مسؤولون عما حدث في سجن أبو غريب باعتبار الأسرى العراقيين كأسرى غوانتنامو لا يخضعون لاتفاقية جنيف، ولا يمثلهم محامون، ولا يزورهم ذووهم، فما ذكره الرئيس بوش غير مقبول. 3 - ما نشرته "الحياة" في عددها الرقم 15014 الصادر في 17 ربيع الأول عام 1425ه الموافق 6 أيار 2004 عما جاء في تقرير الجنرال انتونيو تاغوبا، والذي يؤكد الانتهاكات في سجن أبو غريب و"انها كانت منهجية"، بعكس ما أعلن وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد في 4 أيار ان ما تشهده السجون حوادث فردية. ووجد التقرير الذي يقع في 53 صفحة انه بين تشرين الاول اكتوبر وكانون الاول ديسمبر 2003 حصلت انتهاكات اجرامية وسادية قبيحة في حق معتقلين، وكانت هذه الانتهاكات "المنهجية وغير القانونية ارتكبت عمداً من عناصر في قوة الحراسة التابعة للشرطة العسكرية". 4 - ما ذكرت اللجنة الدولية للصليب الاحمر من انها حذّرت الادارة الأميركية مما يحدث من تعذيب في السجون في العراق. 5 - إنَّ أدبيات الفكر السياسي الأميركي قائمة على مبدأ البراغماتيزم، وهو مبدأ نفعي بحت. فعندما قيل لأولبرايت وزيرة خارجية أميركا في إدارة كلينتون: "إنه في كل خمس دقائق يُقتل طفل عراقي من جراء الحصار"، قالت: "هم يستحقون ذلك". كما نجد السياسة الأميركية الحالية تستهدف تقسيمنا إلى قبائل متناحرة، وطلبت كوندوليزا رايس من جورج بوش، أن ينظر إلى العرب على أنَّهم قبائل. 6 - ما كشفت عنه سلطات الاحتلال الأميركي في 16-9-2003 عن وجود 10 آلاف معتقل في العراق حالياً، وأقرت بأن 300 منهم فقط يتمتعون بحقوق الأسرى، في حين تم تقسيم الباقي لفئتين: الأولى وعددها 4400 اعتقلوا ل"أسباب أمنية" تتعلق بمهاجمة قوات الاحتلال ويوجد بعضهم في سجن أبو غريب، أما الثانية فتضم 5300 معتقل متهمين بارتكاب جرائم جنائية. 7 - ما أكدته أنباء واردة من بغداد قيام عدد من جنود الاحتلال باغتصاب عدد من العراقيات المعتقلات في سجن أبو غريب. 8 - انتقاد وزير حقوق الإنسان العراقي عبدالباسط تركي انتهاك قوات الاحتلال الأميركي - البريطاني لحقوق الإنسان في العراق منذ غزوها هذا البلد. والأسئلة التي أطرحها على الرئيس الأميركي ووزير دفاعه ورجال إدارته، وعلى رئيس الوزراء البريطاني توني بلير: من أين للسجانين الأكياس التي طورها الإسرائيليون، وأغلقوا الفتحتين اللتين أوجدهما الإيرلنديون مخترعو هذه الأكياس؟ ولمَ كل هؤلاء المعتقلين في السجون العراقية، وأنتم أتيتم لتحريرهم؟ ولمجرد وشايات يقتحم جنودكم البيوت ويروعون النساء والأطفال والشيوخ ويقتلعون الأبواب والنوافذ، ويقتادون الرجال إلى المعتقلات، ويعذبونهم، ومنهم من يعذب حتى الموت ككفاح طاهر وبهاء موسى؟ ومن يبقى من هؤلاء المعتقلين على الحياة تُمزّق ثيابه، وتسكب المياه الباردة على جسده، ويوضع على رأسه كيس وتقيد يداه، ويُعلق أو يُبال عليه، أويكمم فمه إن نطق بكلمة واحدة، كما يقول أحد الأساتذة الجامعيين الذين خرجوا من المعتقلات الأميركية: "كانوا يعاملوننا كالكلاب الضالة. يرمون إلينا الطعام بكل احتقار. كانوا يكرمون كلابهم ويدللونها ويطعمونها بأيديهم، أما نحن فلا نستحق فنحن إرهابيون، بحسب اتهامهم"؟ وأخيراً أوجه السؤال خصوصاً إلى الرئيس جورج بوش: عندما حدثت أحداث الحادي عشر من ايلول سبتمبر 2001 أعلنت جهلك أنت ووزير دفاعك وجهاز استخباراتك بهذه العمليات، ولم تتخذ أي إجراء لمواجهة ما يحدث، ولم تقِل وزير دفاعك، ورئيس استخباراتك، والآن تقول ان لا علم لك بما حدث في سجن أبو غريب، وأنَّك فوجئت برؤية صور التعذيب في أجهزة إعلامك، ومع هذا اكتفيت بتوبيخ وزير دفاعك، وأعلنت عن تمسكك به، في حين تزعم أنَّك على علم بما يحدث في السعودية ومصر وسورية والسودان وليبيا مما تسميه اختراقات لحقوق الإنسان، وتعطي لدولتك الحق في التدخل في شؤون هذه الدول، أليس من باب أولى أن تعلم بما يحدث في بلدك وسجون مستعمراتك؟ * كاتبة سعودية. عضو المجلس التنفيذي في الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان.