شهدت مدينتا النجف وكربلاء العراقيتين اشتباكات متقطعة، لكن عنيفة، بين انصار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر وقوات التحالف بقيادة الولاياتالمتحدة، اسفرت عن دمار مادي كبير، في حين كرر الصدر تمسكه ب"مقاومة الاحتلال" واتهم الاميركيين بعرقلة التوصل الى حل سلمي، في حين ألغى "المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق" تظاهرة كانت مقررة اليوم لمطالبة "جيش المهدي" بالخروج من المدينتين. ساد هدوء يشوبه الحذر امس كربلاء حيث لا يزال انصار الصدر يسيطرون على ضريحي الامامين العباس والحسين والمباني المحيطة بهما في وسط المدينة بعدما شنت قوات التحالف عملية عسكرية كبيرة ليل الثلثاء - الاربعاء. وسمع دوي اطلاق نار من اسلحة خفيفة صباح أمس وطوال ليل الاربعاء الخميس. وقال أحد الشهود ويدعى علي حسين 30 عاماً ان "انصار الصدر ما زالوا يسيطرون على مركز المدينة حيث ضريحي الامامين العباس والحسين والمباني والفنادق الكبيرة المحيطة بها حيث شوهدت عناصرهم فوق هذه المباني". وبدت واجهات خمسة فنادق كبيرة محترقة بسبب المواجهات التي حصلت الاربعاء، بينما كانت الشوارع شبه مقفرة وخالية حتى من دوريات الشرطة او عناصر الدفاع المدني. واقفلت المحال التجارية التي كانت تكتظ بالزوار والمتسوقين ابوابها، كما اغلقت المدارس وحرص الاهالي على عدم الخروج من منازلهم خوفا من اطلاق النار العشوائي. وبين الحين والآخر تسمع صفارات سيارات الاسعاف التي تنقل جرحى ومصابين الى مستشفيات المدينة. وقال شاهد آخر ان "انصار الصدر اطلقوا عدداً من القذائف المضادة للدبابات آر بي جي مساء الاربعاء على مبنى المحافظة لكنها اخطأت هدفها واصابت مباني متاخمة". وتتمركز قوات التحالف في ضواحي المدينة وتتجنب الاقتراب من وسط المدينة. ويتحدث السكان عن وصول تعزيزات من انصار "جيش المهدي" مساء الاربعاء من الكوفة عن طريق الاراضي الزراعية. وكان الجيش الاميركي اعلن ليل الاربعاء - الخميس ان 22 من عناصر ميليشيا الصدر قتلوا وجرح ستة من افراد قوات التحالف في المواجهات بين الجانبين في كربلاء. وقال الناطق العسكري باسم التحالف الجنرال مارك كيميت ان "عدد قتلى الاعداء بلغ 22 وجرح ستة من جنود التحالف". معركة في النجف وفي النجف، قتل ثلاثة عراقيين وجرح سبعة آخرون في معارك عنيفة ليل الاربعاء - الخميس. وقال الطبيب علي الطفيلي من مستشفى الحكيم ان "ثلاثة من الجرحى في حال حرجة". وشهدت المدينة ليل الاربعاء - الخميس تبادلاً عنيفاً لاطلاق النار بين عناصر ميليشيا الصدر وقوات التحالف. وجرت الاشتباكات قرب ضريح الامام علي في وسط المدينة حيث أطلقت قوات التحالف الذي تقوده الولاياتالمتحدة في العراق قنابل مضيئة. واستمرت المواجهات ثلاث ساعات سمعت خلالها رشقات الاسلحة الثقيلة. وقامت دبابات وآليات مدرعة بالتوغل في ساحة الثورة التي تبعد كيلومتراً واحداً عن ضريح الإمام علي. وكانت آثار المعركة واضحة صباح أمس في الساحة وبينها حطام سيارة محروقة واسلاك كهربائية انتزعت من مكانها. وقال مسلم جابر 42 عاماً أحد سكان المنطقة: "رأيت عناصر ميليشيا يتمركزون في المقبرة القريبة من ساحة ثورة 1920 ويطلقون النار على دبابات اميركية ردت بالمثل". واضاف ان النيران اندلعت في مبنى قريب من المقبرة الكبيرة. قالت الشرطة ان مقاتلي الصدر دهموا مركزها الرئيسي في المدينة الليلة قبل الماضية واحتجزوا مساعد قائد الشرطة وأفرغوا مخزنا للاسلحة من محتوياته. واضافت ان المقاتلين انسحبوا بعد وصول عشر دبابات أميركية لكنهم أخذوا معهم عشرات من بنادق الكلاشنيكوف والمسدسات من مخزن الأسلحة وكل الذخيرة المخزنة. وذكر ضباط أميركيون أن محاولة صد الهجوم عن مركز الشرطة كانت واحدة من بين عمليات عدة نفذوها بعدما ترددت أصداء نيران كثيفة في كل أنحاء البلدة. وقال الكابتن براندون اندرسون ان مقاتلي جيش المهدي نصبوا كمائن عدة للقوات الاميركية على طرف البلدة وانها ردت عليهم. وصرح قائد شرطة النجف الجديد العميد غالب الجزائري ان عناصر الصدر يرعبون السكان ودعاهم الى مغادرة المدينة. وقال ان "غياب الامن يعني غياب المؤسسات الحكومية وسيادة قانون الغاب. نحن نعمل على تدعيم القانون ونصرته والقضاء على ظاهرة التسلح والمسلحين الذين يرعبون الاطفال والناس". الصدر على موقفه وقال الصدر ان المقاومة التي يبديها العراقيون للاحتلال حق من الحقوق الشرعية ورد على الانتهاكات. وأضاف في مقابلة مع وكالة الانباء الالمانية مساء الاربعاء "إن مقاومة الشعب العراقي للقوات المحتلة حق من الحقوق الشرعية ورد حتمي على سحق المتظاهرين بالدبابات ومحاصرة المدن المقدسة والتنكيل بالعراقيين وانتهاك كل القيم والمبادئ الانسانية بحق هذا الشعب العريق ذي التاريخ الطويل والحضارة المتوغلة في القدم". وقال الصدر في اللقاء الذي جرى في النجف "إن قوات جيش المهدي ليست ميليشيا مسلحة بل تيار شعبي يطالب بالحقوق الشرعية ومقارعة الظلم والطغيان الذي بدأ يسري في بلاد الرافدين التي استباحها المحتلون بحجة نشر الديموقراطية وحقوق الانسان بل خلقوا الطائفية والفتنة". وشدد على ان وقائع التعذيب على يد جنود أميركيين في سجن أبو غريب "تجسيدلاخلاقياتهم وسلوكهم تجاه الاسلام والمسلمين". واضاف "ان هدفنا الرئيسي تحرير أرضنا المقدسة من الاحتلال البغيض"، موضحا "نحن نقاتل من أجل الدفاع عن النفس لأنه واجب شرعي وليس من المستحبات لان واجب المسلم أن يقاتل من أجل مجموعة من المقومات أهمها الدين والارض والعرض". لكنه أضاف "نحن نطالب دائما بالسلام والسلم ولكن القوات الاميركية تعكر هذا المسعى السليم لحل الازمة. وأنا على استعداد لكل ما تريده المرجعية الدينية العليا لإيجاد حلول مناسبة وعدم إراقة الدماء العراقية الطاهرة". وتراجع الشيخ صدر الدين القبانجي عضو "المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق" الذي يتزعمه عبدالعزيز الحكيم امس عن دعوته اهالي النجف الى المشاركة في مسيرة الربع مليون التي كان من المفترض ان تنطلق يوم غد الجمعة للمطالبة بانسحاب مسلحي الزعيم الشيعي المتشدد مقتدى الصدر من المدينة. وقال القبانجي في مؤتمر صحافي: "قررنا تأجيل مسيرة الربع مليون التي كان مفترضاً ان تقوم يوم غد الجمعة الى إشعار آخر". وأوضح ان "الهدف من التأجيل افساح المجال أمام استكمال الجهود المبذولة للوصول الى اتفاقات في شأن إخلاء المدينة من مظاهر التسلح"، نافياً أن يكون تعرض لضغوط من المرجعية الدينية. وكان القبانجي ذكر في وقت سابق في بيان ان "على كل العشائر والطلاب والطالبات والفلاحين والعمال والموظفين والموظفات والرجال والنساء وعناصر الشرطة والدفاع المدني والعمال والمعلمين والتجار والمثقفين والخطباء والنقابات والهيئات المشاركة في مسيرة الربع مليون دفاعاً عن دينكم ومرجعيتكم ومن اجل اعادة الامن الى مدينتكم". ونظمت في النجف خلال الايام القليلة الماضية وتلبية لدعوة المجلس الاعلى للثورة الاسلامية تظاهرات تأييد لأكبر المراجع الدينية الشيعية آية الله علي السيستاني تطالب بانسحاب المسلحين من المدينة.