يراقب المثقفون العمانيون بقلق، ترى المؤسسة الرسمية أنه مبالغ فيه، الاستعدادات للاحتفال ب"مسقط عاصمة الثقافة العربية" للعام 2006. وتسعى وزارة التراث والثقافة نحو برنامج لائق تشارك فيه لجان متخصصة. وهذا الخط الفاصل بين رؤى المثقفين والمؤسسة الرسمية ليس جديداً في الساحة العمانية التي عرفت جدالاً مستمراً زاد من الفجوة القائمة، مع اعتراف الطرفين بوجودها. المؤسسة لا ترى سبباً في ذلك وتحاول التقرب من المثقفين، بينما يؤكد هؤلاء أن السبب في دور المؤسسة التي تتعامل مع الثقافة كجانب اداري يستدعي تشكيل لجان لدراسة الأمر وأخرى لمتابعة اللجان السابقة، وهلم جرا من دون ان تبدو في الأفق ملامح تدل الى تغيير في تفكير المؤسسة الرسمية. والفجوة في نظر المثقفين تبدو راسخة رسوخ جبال عمان، فالجانب الرسمي يتهم المثقفين بالتعالي حتى عن حضور الفعاليات الثقافية من ندوات ومحاضرات، وعدم المشاركة الايجابية مع ركون دائم الى ثرثرات المقاهي ومنتديات الانترنت. اما المثقف فله مآخذه على أداء المؤسسات الثقافية التي يراها حصوناً ادارية لا تعرف حتى مكانة الأسماء التي تستضيفها في ندوات هزيلة ومحاضرات بحسب المواسم ومزاج القائمين على رأس هذه المؤسسات. ولرمي الكرة في ملعب المثقفين بحسب التعبير الرياضي باعتبار ذلك الأكثر حضوراً على الساحة المحلية دعت الوزارة الكتاب الى تقديم مقترحاتهم حول الحدث مسقط عاصمة الثقافة العربية مكتوبة اليها. لكن "الفجوة" منعت الجميع من التقدم خطوة باتجاه المؤسسة الرسمية وبقي ملف المقترحات خالياً الا من رسالة أو أكثر قليلاً مع التفاؤل، في تكرار لعدد من الرسائل التي توجه الى المثقفين والكتّاب كلما عنّ للمؤسسة أن تستشيرهم في أمر ما، وهذا ما يستفز المبدعين أكثر. مسؤول في الوزارة يرد كلما اتهم بتهميش دور المثقفين بالتساؤل المضاد: أين هم؟ مشيراً الى أنهم مسجلون غياباً حتى في المجتمع. وغيره يطلق لقب "مثقفي البارات والمقاهي" على المثقفين الذين يردون بألفاظ تزيد القلق في داخلهم على مستقبل الثقافة العمانية. وفيما تحاول المؤسسة الرسمية الاقتراب من المثقف ودعم الحركة الثقافية، فإن الطرف الآخر لا يرى في ما تحقق عملاً كافياً، فالمجمع الثقافي المعلن عنه منذ سنوات لا يبدو قريب التحقق مع تغيير مكان اقامته، وتصريحات الوزير بأن المجمع قد لا يكون جاهزاً عام 2006 باعتباره أكبر من حدث مسقط عاصمة ثقافية. أي أن المثقف عليه انتظار سنوات أخرى ليرى هذا المشروع المتأخر أصلاً النور. وقد لا تنتهي المخاوف في أن المجمع المنتظر سيقع في قبضة الاداريين الذين يتهمهم المثقف بأنهم موهومون بكونهم مثقفين أكثر من "قطعان" الكتّاب و"المدّعين". يقول أحد الكتّاب أن المجمع لا يحتاج الى ادارة تهتم بأناقة الدشداشة وربطة الخنجر والجلوس في الصف الأول للاحتفاليات والكلمات التي تلقى عبر ميكرفون الحفلة، بل الى طاقات خبرت معنى الفعل الثقافي من خلال التجارب، والمقصود التعامل مع فئة المبدعين، في موازاة الفعل ورد الفعل. وعلمت "الحياة" بتوجه آخر يدعم الحركة الثقافية من خلال دعم انشاء جمعية عمانية للكتّاب على غرار الجمعية العمانية للفنون التشكيلية التابعة لديوان البلاط السلطاني والتي تعد النموذج المتميز لتفعيل الحراك الابداعي من خلال المشاركة في معارض الفن التشكيلي واستضافة عشرات الأحداث الفنية سنوياً. وأمام ما يبدو أنه مخاض عسير في الساحة الثقافية المحلية، فإن عدد "المتشائلين" يبرز أكثر بين دعاة التفاؤل والتشاؤم بمستقبل أفضل. ولعل المخاض المميز وشوك الاعلان عن تشكيل "جمعية الكتاب العمانيين" وهي المرة الأولى يسمح فيها للمثقفين بتشكيل كيان خاص بهم لا يقع تحت ظل أي مؤسسة رسمية. أما دعاة التشاؤم فيرون أن حال الاختلاف ستعم المثقفين هذه المرة كونهم سيختلفون فوق جثة "الجمعية" التي ناضلوا من أجل تأسيسها منذ أكثر من عقدين.