يوافق اليوم، أول أيار مايو الذكرى السنوية الأولى لإعلان الرئيس جورج بوش "نهاية الحرب". أي حرب، وأي نهاية؟ لم ينقض نيسان ابريل حتى كان عدد القتلى من الجنود الاميركيين في العراق تجاوز 130 رجلاً وامرأة، وهو رقم يكاد يساوي ضعفي القتلى الأميركيين في الحرب نفسها التي استمرت ثلاثة أسابيع وانتهت بدخول بغداد. وقد بلغ عدد القتلى الأميركيين منذ آذار مارس من السنة الماضية نحو 750 رجلاً وامرأة، ما يعني انه سيتجاوز الألف قبل الثلثاء الأول من تشرين الثاني نوفمبر موعد انتخابات الرئاسة الأميركية. وبما ان عدد الجرحى الأميركيين تجاوز أربعة آلاف منذ بدء الحرب، فإن عددهم سيزيد على خمسة آلاف مع الانتخابات. نتحدث عن القتلى الأميركيين والجرحى من دون أن ننسى سقوط نحو عشرة آلاف قتيل عسكري عراقي وعشرة آلاف قتيل مدني منذ بدء الحرب. وفي حين يزعم الأميركيون ان 1200 عراقي غالبيتهم من المدنيين، خصوصاً النساء والأطفال قتلوا الشهر الماضي، فإن مصادر عراقية تقول ان الضحايا من العراقيين تجاوزوا ألفين في نيسان. هل تعلم الأميركيون درس حصار الفلوجة ليتجنبوا مواجهة أسوأ ألف مرة في النجف؟ نرجو ذلك فالاتفاق في الفلوجة تراجع أميركي واضح، أما النجف فالهجوم عليها لن يترك حليفاً للولايات المتحدة بين العرب المسلمين السنّة والشيعة، بمن في ذلك خصوم مقتدى الصدر نفسه، فهم قد لا يريدون مواجهة مع قوات الاحتلال، الا انه اذا وقعت المواجهة فسيقفون مع المقاومة ضدها، فلا يبقى للاحتلال من الشيعة غير اللصوص الذين جاؤوا معه من الخارج. ما كانت الولاياتالمتحدة بحاجة الى خسارة جندي واحد في العراق فالحرب التي بنيت على كذب وخطأ، ما كانت لتنتهي على خير. مع ذلك يظل سقوط صدام حسين انجازاً هائلاً حققته القوات الأميركية، إلا انه على ما يبدو سيظل انجازاً يتيماً وسط الأخطاء المتتالية والمتراكمة. والأميركيون بدل أن يعلموا العراقيين الديموقراطية تعلموا من صدام حسين تعذيب الأسرى في سجن أبو غريب. اليوم عندي ملاحظات عن الاحتلال: - الاميركيون هم الذين قالوا: "انت لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت"، وفي حين يسهل خداع الشعب الاميركي مع السيطرة على وسائل الإعلام، فقد صدم هذا الشعب بصور نعوش الجنود الأميركيين ملفوفة بالعلم الأميركي وطائرات الشحن تعيدها الى الوطن. وكانت تامي سيليكيو وزوجها ديفيد لاندري سربا صورة الى جريدة "سياتل تايمز" وطردا من عملهما مع شركة شحن بعد أن احتجت وزارة الدفاع، إلا أن الوزارة نفسها رضخت لحكم القانون، فأفرجت عن 350 صورة بعد أن طلبها رس ديك، لصفحته على الانترنت، بموجب التعديل الأول للدستور الذي يضمن حرية الكلام. ولعل الأميركيين يصدمون مرة أخرى بصور تعذيب السجناء. تأييد الحرب الذي بلغ 63 في المئة مع اعتقال صدام حسين في كانون الأول ديسمبر الماضي، وكان 58 في المئة طوال آذار هبط الى 47 في المئة الشهر الماضي. وإذا سقط مزيد من القتلى الأميركيين هذا الشهر فتأييد الحرب سيسقط معهم. والموضوع ليس مجرد صورة، لقتلى اميركيين، أو لتعذيب أسرى عراقيين، فهناك أخبار يومية في الصحف الأميركية عن فظائع الحرب. ونشرت "واشنطن بوست" و"لوس انجليس تايمز" تحقيقات مؤثرة الاسبوع الماضي عن جرحى الحرب، والضغوط النفسية عليهم، في حين نشرت "كريستيان ساينس مونيتور" تحقيقاً مع صور عن استعمال الجنود الاميركيين أغطية تقي من الرصاص لأكتافهم، بعد أن وجدت قوات الاحتلال ان نسبة كبيرة من الاصابات هي في تلك المنطقة من الجسم. - الاحتلال يكلف الولاياتالمتحدة 7،4 بليون دولار في الشهر، ومع الحاجة الى مزيد من الجنود والمعدات فالجنرال ريتشارد مايرز، رئيس الأركان المشتركة، يتوقع ان يقع عجز بحوالى اربعة بلايين دولار في نفقات الاحتلال قرب نهاية الصيف. ويبدو ان ادارة بوش تريد تأخير طلب مخصصات اضافية الى السنة المقبلة، اي الى ما بعد الانتخابات، غير ان اعضاء جمهوريين في الكونغرس قالوا ان هذا الموقف غير عملي، والنائب دنكان هنتر، رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب، قال ان لجنته ستفوض تخصيص مبلغ 20 بليون دولار حتى اذا لم تطلبه الادارة. ولا ريب في ان الضغط المالي، بعد ضغط القتلى والجرحى والاخبار المرافقة، سيزيد المعارضة للحرب في الأشهر المقبلة. - بول بريمر، رئيس ادارة الاحتلال، اعترف بارتكاب أخطاء، والسؤال هنا هل هذا يعني ان سلطات الاحتلال تعلمت الدرس وستتجنب مزيداً من الأخطاء في المستقبل. سنعرف الجواب في المستقبل القريب، ولكن لا أحتاج الى انتظار المستقبل لأقول ان دخول النجف، لمواجهة أنصار مقتدى الصدر، سيكون أكبر خطأ يرتكبه الأميركيون منذ الاحتلال نفسه، أو الخطأ الذي لا قيامة للاحتلال بعده. وفي حين أرجو أن يستقر الوضع في العراق ليعود الى أهله، فلا سبب للتفاؤل. وكان المبعوث الدولي الأخضر الابراهيمي تحدث عن "سم" الاحتلال الاسرائيلي الذي يعقد مهمته في العراق فقامت عليه قيامة اسرائيل وأنصارها في الولاياتالمتحدة الذين سعوا الى الحرب. غير ان مقتدى الصدر قال كلاماً مماثلاً، وقارن بين محنة العراقيين في بلادهم، ومحنة الفلسطينيين تحت الاحتلال. الادارة الأميركية لم تستطع أن تخدع كل الأميركيين كل الوقت، وهي أيضاً لن تستطيع أن تخدع الفلسطينيين والعراقيين والعرب والمسلمين كل الوقت، فالوضع لن ينفرج إلا إذا اعترفت الإدارة بالأخطاء المؤدية الى الحرب، والاخطاء بعدها، وعمدت الى تجنب خطأ مميت من نوع انتهاك حرمة النجف، واستعداء الشيعة كلهم عليها.