منذ أيلول سبتمبر الماضي وأثناء انعقاد المؤتمر العام للحزب الوطني الحاكم يدور جدل في مصر في شأن العلاقة بين الحزب والحكومة. وهناك من يرى أن الحزب بات الأقوى وهو الذي يُملي سياسته على الحكومة وأن رؤساء اللجان المختلفة داخل الحزب وأعضاء لجنة السياسات هم المحرك الأساسي لما يجري في البلاد، خصوصاً ما يتعلق بالأداء الاقتصادي، في إشارة إلى أن كفاءة قيادات الحزب تفوق كفاءة قيادات الحكومة وهم أقرب إلى أصحاب القرار والمواطن في آن. وترى قلة من المراقبين عكس ذلك. ويبدو رئيس اللجنة الاقتصادية في الحزب محمود محيي الدين في صدر قائمة الكفاءات داخل الحزب، وفي الأوساط الاقتصادية، والتقته "الحياة" لاستيضاح هذه الامور والعلاقة بين الحزب والحكومة ومدى التشاور القائم في القضايا الاقتصادية المُلحة ومن هو راسم تلك السياسة... الحكومة أم الحزب؟ وشدد محيي الدين على انه لا يعترف بتيار "الإصلاحيين الجدد" وقال ان "الحزب لا يُبرر الاخفاقات الحكومية اقتصادياً". وفي ما يأتي نص الحوار معه. أنت مُصنف داخل تيار يسمى "الاصلاحيون الجدد" داخل الحزب هل أنت مرتاح لهذا التصنيف؟ - أولاً أنا سعيد وغير سعيد في آن بهذا المصطلح، غير سعيد لأن ذلك يوحي ان هناك انقسامات داخل الحزب، وهناك جدد وقدامى وإذا كان هناك "اصلاحيون جدد" فمن الممكن أن يظن البعض بوجود "اصلاحيون قدامى" وفي هذه الحالة لا تبقى مشكلة، هناك تطوير مستمر على طرق انتهجت الاصلاح سابقاً تتبعها طرق اخرى للاصلاح حالياً. وهذا التصنيف الذي درج عليه البعض اخيراً اعتقد انه يضر الحزب اكثر مما ينفعه ويجعل الناس رغماً عنهم ينضمون الى فريق ضد آخر وكأننا في مباراة وليس في حزب له وضعه. وأؤكد أنه لا توجد ورقة واحدة خرجت من الحزب إلا وعليها اتفاق عام من قيادات الحزب بعد مناقشتها في الكوادر المختلفة، أما سعادتي بالمصطلح فهي تشير الى أن هناك اتجاهاً ايجابياً للتطوير داخل الحزب بدأ منذ المؤتمر العام الثامن لم يكتف بتعديل النظام الاساسي او اعادة النظر في مبادئ الحزب لكن بإعادة النظر في الديموقراطية وتفعيل القواعد الحزبية وانفتاحها على المراكز المختلفة واشراكها في القرار وتفعيل المبادرات، وهذا ما طالبنا به كحزب في ايلول سبتمبر 2002 من دعوة للمشاركة بين الحزب والمجتمع ككل كون الحزب الحاكم يؤثر في الناس وفي حياتهم اليومية، وفي النهاية كل الحزب يلتقي حول قائد الحزب وهو الرئيس حسني مبارك. لكن ألست معي ان هناك تصوراً قائماً بوجود تناحر داخل الحزب أو انقسامات في حاجة الى رأب صدع؟ - نعم هناك من تصور ذلك من داخل الحزب وخارجه لكن العبرة بخواتيم هذه الاجتهادات جميعاً ولا يوجد في الحزب فريق يستأثر بالقرار عن آخر، وأنا شخصياً غير مقتنع بالتكتل لان ذلك سيقلل من صيغة الالتزام الحزبي. تقويم الوضع الاقتصادي كلامك يعني رضاك عن سياسة الحزب الاقتصادية... ما مدى رضاك عن سياسة الحكومة في هذا المجال؟ - في المؤتمر السنوي للحزب في ايلول الماضي اتفقنا كحزب مع الحكومة على اجراءات معينة تلزم الحكومة نفسها بتحقيق المتفق عليه وبمساندة الحزب، ثم نلتقي في ايلول التالي لتقديم كشف حساب للجميع وتقويم الوضع الاقتصادي وهل الحكومة في حاجة الى مساندة حزبية أم لا، مثل ارتفاع الاسعار وتغيرات سعر الصرف ومساندة المشاريع الصغيرة. ومتى سيكون التقويم الفعلي؟ - في ايلول وإن كنا كحزب شعبي سنكون اقرب لوجهات نظر الشعب عن الحكومة، ففي حالات كثيرة تظن الحكومة أو احد وزرائها انهم انجزوا ما يكفي لكن في الوقت نفسه لدى الحزب توقعات للافضل ولا نعترف في حالات كثيرة بأسباب قصور التغيير إذا رأينا انها غير مبررة. مرّت 8 شهور على مؤتمر الحزب الماضي، ما مؤثرات التقويم في هذه الشهور؟ - الحزب قدم قائمة الاجراءات بعد نهاية المؤتمر العام الماضي بنحو 50 يوماً واعتقد أن الفترة الباقية حتى أيلول ستحسم قضايا اقتصادية عدة فهناك بعض القوانين لن يستغرق إعدادها وقتاً، وفي الوقت نفسه لا ينبغي اغفال جهد الحكومة في تشريعات اقتصادية عدة علماً ان الحزب قدم قضايا ذات صلة في الصحة والتعليم والمرأة والبطالة. تحسن السياسة النقدية ما دور الحزب في علاج قضايا عدة في مقدمها السياسة النقدية وزيادة الاسعار؟ - السياسة النقدية شهدت تحسناً جيداً ونتوقع حتى ايلول ان تتحسن أكثر. الى ماذا تعزو هذا التحسن؟ - تغير ادارة في الاساس... الادارة الجديدة في البنك المركزي من التنفيذيين تملك قدرات وشعوراً بما ينبغي ان يتم والتنسيق الجيد بين الادارة الجديدة والحكومة وقلة المسؤولين في البنك المركزي عن التعاطي مع الصحافة "عمال على بطال"، وهذا ما عاب مجلس الادارة السابق. لكن لا يزال الأمر غامضاً في موضوع سعر الصرف على رغم التحسن الطفيف ما تعليقك؟ - أولاً كان متوقعاً ان تسوء اوضاع سوق النقد الاجنبي عن ذلك بكثير لكنها تحسنت وذلك في حد ذاته نقلة نوعية ثم ان اتجاهات سعر الفائدة في السوق البينية في البلاد بدأ يصل الى 4 و5 في المئة وهذا غير طبيعي في وقت نتبنى تحريراً لسعر الصرف ولا يمكن في هذا الاطار السماح بميوعة في سعر الصرف وبالتالي لا بد أن تكون هناك سياسة نقدية حاكمة للتغيير فيه. وهذا ما يقوم به البنك المركزي الذي وفر السيولة النقدية اللازمة لاعتمادات القطاع الخاص وتعزيز الصدقية في القرار الاقتصادي. معنى ذلك ان اداء الحكومة كان ايجابياً الفترة الماضية؟ - ليس في كل الاجراءات وليس بالسياسة المطلوب تنفيذها لكن ينبغي معرفة ان الحزب دستورياً ليس هو الذي يسائل الحكومة لكن رئيس الدولة والبرلمان والصحافة كسلطة رابعة. لكن ألم يعرض الحزب تقريراً "كشف حساب" عما نفذته الحكومة كونها حكومة الحزب؟ - التقرير لا يُعرض على الحكومة فقط لكن على الجميع في المؤتمر السنوي للحزب وهناك ايجابيات مثل تحرير سعر الصرف لكن هناك سلبيات كبيرة ينبغي معالجتها وهناك فجوة بين التنفيذ والتطبيق اضافة الى ان الحزب يركز على صدقيته أمام الناس وبالتالي لا يلتفت كثيراً الى غضب الحكومة او احد اركانها طالما ان هناك اصلاحاً. فمصلحتي كحزب ليست مع الحكومة التي هي اداة تنفيذية لاجراءاتي ومسؤولة امام البرلمان ورئيس الجمهورية لكن انا حزب سياسي شعبي وبالتالي انحيازي هو لكل الشعب ثم أن وظيفتي مع الحكومة تفسير الاشياء وليس تبرير اخفاقها في تطبيق سياسة معينة لانها تملك الادوات والطرق التي تزيد تواصلها مع الشعب وهذا ما تؤكد عليه. حرية الحركة للحزب في العامين الماضيين لاحظت الغالبية ان الحزب الحاكم اقوى من الحكومة وبالتالي يُملي على الحكومة اجراءات معينة، ويتساءل البعض... لماذا لا تكون الحكومة في قوة الحزب؟ - أولاً أنا ارفض تماماً ما يتردد من ان الحزب يُملي على الحكومة، ما نصل اليه من نتائج هو اتفاق مشترك مع الحكومة، وهذا في حد ذاته قوة للحزب لأن ذلك يعني ان الحكومة الزمت به نفسها امام الحزب بتنفيذ سياسة معينة، واستطيع القول ان الحزب يملك حركة ومرونة أكثر من الحكومة التي تواجه اموراً يومية تهم المواطن، وتقابل ضغطاً أشد من جانب وسائل الاعلام عموماً، اضافة الى ان هناك جهازاً بيروقراطياً ثقيلاً غير كفؤ على الاطلاق ولا يستطيع في امور كثيرة جداً تنفيذ سياسة مميزة وقد نجد أن الوزير المعني لديه سياسة هادفة لا يمكنه تنفيذها بسبب جهازه الاداري المثقل ونلمس ذلك كمواطنين. لكن ألست معي ان توقعات الناس لاداء الحكومة سيى جداً؟ - المواطن اليوم لم يعد كما الخمسينات والستينات بدأ الانفتاح اكبر وهناك انفتاح على العالم الخارجي وبالتالي هو لم يَعُد يَرْضى بالقائم والحكومة إذا اصلحت وطورت فالمواطن يرغب اصلاحاً أكبر وتطويراً أعمق وتلك مشكلة كبيرة. قضية التصدير وعمل وزارة التجارة الخارجية وتضارب البيانات بين الوزارة وجهات اخرى ما دور الحزب في ذلك؟ - قضية البيانات نتعامل معها بجدية داخل الحزب، ولنا تصورات عدة لاعداد تشريع متكامل لتداول المعلومات وتنظيمها باعتبار أن صحة المعلومات حق للمواطن اضافة الى أن التضارب في الارقام من الناحية الفنية يمكن ان تقضي على جانب كبير منه إذا عرفت ان هناك مناهج مختلفة في اعداد البيانات والارقام يعني المنهج الذي يتبعه البنك المركزي خلاف الجهاز المركزي للمحاسبات. الاول، معنى فقط بكل التدفقات المالية المرتبطة بالتصدير، والثاني له علاقة بما يصل الى الموانئ تصديراً واستيراداً واتوقع ان ينتهي قدر من اللبس إذا ما ارجعنا الأمر الى مناهج اعداد الاحصاءات والأرقام وتلك نقطة مهمة لكن ذلك لا يعني ان هناك حالات كثيرة جداً في حاجة الى توضيح ولا يعني ان هناك بالفعل في الصادرات المصرية في السلع الغذائية والزراعية والمنتجات النسيجية لمصر بها طفرة جيدة تسأل عنها المصدرين انفسهم في اماكنهم المختلفة. اداء الاقتصاد ما مدى اداء الاقتصاد القومي في الفترة الماضية؟ - الاقتصاد المصري حقق اداء افضل في العام المالي الجاري، إذ انخفض عجز الميزان التجاري من 12 الى سبعة بلايين دولار نتيجة التحسن في الصادرات غير النفطية بواقع اربعة بلايين دولار كما شهد الحساب الجاري تحسناً كبيراً مع ازدياد عائدات السياحة وتحويلات المصريين العاملين في الخارج في ما انخفض عجز الموازنة الى نسبة تتراوح بين خمسة وستة في المئة مقارنة بنحو سبعة في المئة العام الماضي. ما العوامل التي تحكم السياسة الاقتصادية من وجهة نظر الحزب؟ - السياسة الاقتصادية التي تم تبنيها اخيراً تقوم على عاملين رئيسيين اولهما تحديد معدل للتضخم ويتم بناء عليه تحديد اطار العمل الاقتصادي في شتى القطاعات على غرار الدول المتقدمة ويتضمن العامل الثاني تحقيق اصلاح مالي وضريبي شامل مع تحقيق المزيد من الشفافية واستغلال الموقع الجغرافي المتميز لمصر من خلال اتباع انظمة جمركية وضريبية جاذبة في الموانئ المصرية، اضافة الى ان النهوض بالاداء المصرفي يتطلب الاعتماد على كيانات مصرفية كبيرة ودمج الوحدات الصغيرة في هذه الكيانات. بماذا ترهن الاصلاح في مجال السياسة النقدية؟ - هذا الاصلاح يقتضي تبني استهداف التضخم كإطار للسياسة النقدية ودرس امكان رفع اسعار الفائدة والتنسيق بين مؤسسات الرقابة المالية في قطاعات البنوك والتأمين وسوق المال. متى ستكون من اركان الحكومة؟ - أحمد الله على ما أنا فيه!.