أخذ الحزب الوطني الحاكم في مصر زمام المبادرة في توجيه السياسة المالية وتحديد خطوات عمل محافظ المركزي الجديد السيد فاروق العقدة. وفي الوقت الذي صمت المسؤولون الحكوميون، وفي مقدمهم رئيس الوزراء عاطف عبيد، عن ايضاح اسباب اقالة المحافظ السابق محمود ابو العيون ولم يتطرقوا الى خريطة طريق العمل الجديد بدأ "الاصلاحيون الجدد" في الحزب يتحدثون عن الخريطة وكذلك عن السياسيات المفروض اتباعها في سابقة. وكان حديث الاصلاحيين في السابق تركز على السياسات العامة للحكومة والمفروض عمله والمرفوض التطرق اليه من دون تحديد سياسة اقتصادية معينة، وجاء ختام المؤتمر السنوي الاول للحزب نهاية ايلول سبتمبر الماضي ليضع حداً للتصريحات المتضاربة بين الحكوميين والحزبيين، وأعلنت اللجنة الاقتصادية في الحزب السياسة العامة للبلاد، ما جعل البعض يطلق العنان لنفسه بأن رئيس اللجنة السيد محمود محيي الدين هو رئيس الوزراء التنفيذي في البلاد وواضع السياسة النقدية المستقبلية وليس الحكومة والدليل ان محيي الدين هو الوحيد الذي تطرق الى منهج محافظ المركزي الجديد وسياسة البلاد ما يعني أنه هو الذي أقال ابو العيون وليس رئيس الوزراء، وان القوة التي اكتسبها عبيد الاسبوع قبل الماضي نتيجة التغيير الاخير اكتسب الحزب أضعافها الاسبوع الماضي لإمساكه زمام المبادرة بالكامل وسط صمت حكومي لا مبرر له في قضية مهمة تشغل الوسط الاقتصادي حالياً. في اول تعليق لمسؤول رسمي في الحزب الوطني الحاكم عن التغييرات الطارئة التى تناولت "رأس" البنك المركزي ومستقبل السياسات المالية، اعرب رئيس اللجنة الاقتصادية في الحزب السيد محمود محيي الدين عن ثقته في ان الفترة القليلة المقبلة ستشهد اختفاء السوق الخفية للنقد الاجنبي وسيكون هناك سعر صرف واحد وحقيقي للجنيه امام الدولار والقطع الأجنبية الاخرى. وتوقع محيي الدين ان ينتهج المحافظ الجديد للمركزي سياسة مالية ونقدية تساند قرار الحكومة بتحرير سعر الصرف. وقال: "على رغم اصدار قرار التحرير منذ نحو عشرة شهور الا ان الفترة الماضية لم تشهد اي تطبيق حقيقي لتحرير سعر الصرف بشكل كامل بل تم اللجوء الى التحرير الُمدار للسعر". وأشار الى أن التطبيق السليم لتحرير سعر الصرف يتطلب تطبيقه من دون اي تدخل اداري وبشكل يرضي الاطراف الفاعلة في السوق وان يتم تنفيذ سياسة مالية ونقدية سليمة تنسجم مع هذا القرار. وأكد محيي الدين في الوقت ذاته ان الحكومة ستُعطي الاولوية في المرحلة المقبلة لرفع معدل النمو الى 5 في المئة سنوياً وهو يتطلب اجراءات عدة قد يكون لبعضها تأثير ضار في المدى القصير فقط. وقال: "ان استعادة الثقة في الجنيه المصري يتطلب اتباع سياسة مالية ونقدية صارمة تتضمن رفعاً موقتاً لسعر الفائدة لفترة قصيرة" مشيراً إلى أن البعض يتخوف من ان يؤدي ذلك الى اثار سلبية على الاستثمار في مصر ما يتطلب الحذر في اتخاذ قرار واتخاذ المزيد من الاجراءات التي تساعد في زيادة الاستثمار. وأوضح ان الفترة المقبلة ستشهد اصدار عدد من القوانين لدفع عجلة الاستثمار، من بينها قوانين الضرائب والمنافسة ومنع الاحتكار وتعديلات قانون سوق المال لتنشيط سوق السندات وتعديلات قانون الاستثمار لتصبح هيئة الاستثمار هي الجهة الوحيدة المنوط بها كل إجراءات الاستثمار، فضلاً عن اصدار قانون جديد للمشاريع الصغيرة والمتوسطة لمساعدة هذه المشاريع على التغلب على مشاكل الضرائب والتمويل المصرفي. لا سيطرة على اموال الزكاة ونفى رئيس اللجنة الاقتصادية في الحزب ما يتردد عن وجود اتجاه حكومي للسيطرة على اموال الزكاة، وقال: "لا يوجد أي مشروع قانون معروض على الحكومة في هذا الشأن". وأوضح ان اقتراحاً اثير منذ اعوام عدة الا انه لا توجد أي نية للسير في هذا الاتجاه. انتقادات الحكومة واتفق مصدر حزبي بارز مع ما قاله محيي الدين بل زاد في انتقاده الحكومة، مؤكداً أنها لم تكن ملتزمة بصورة كاملة في الشهور العشرة الاخيرة في تطبيق الآليات المتعلقة بتحرير سعر الصرف، وشدد على ان المطلوب حالياً اتخاذ تدابير عاجلة لاستعادة ثقة المستثمرين الاجانب في الاقتصاد القومي. وطالب بضرورة تنفيذ استراتيجية عملية لرفع كفاءة العاملين في الجهاز المصرفي. وأكد المصدر مدى ادراك الحزب للتحديات التي يواجهها تحديث الجهاز المصرفي مثل ارتفاع عدد الموظفين وقلة الحوافز المادية للعاملين. وقال: "ان التغيير الذي طال البنك المركزي من شأنه العمل بالاسراع في خطوات التحديث"، لافتاً الى أن لدى الحزب رؤية شاملة وواضحة للوضع الاقتصادي في البلاد سيُعلن عنها تدريجاً. تحفظ المصرفيين وسألت "الحياة" عدداً من المصرفيين عما يجري في البلاد منذ تغيير محافظ المركزي، وصمتت الغالبية بينما تحفظت مصادر ورفضت الخوض في الدوافع الحقيقية وراء التغيير المفاجئ لمحافظ المركزي وإن لم تستبعد وجود خلافات بين الحكومة والمحافظ السابق، فرضت هذه النهاية. غير ان السؤال الذي يشغل الاوساط المصرفية حالياً هو إذا كانت هناك تغييرات جوهرية ستلحق السياسة النقدية مع هذا التغيير ام لا؟ أسباب الاقالة وعن الاسباب التي استدعت خروج محافظ المركزي من موقعه، اشار مصدر مصرفي رفيع المستوى الى ان مغادرة "ابو العيون" الموقع سبقت تعيينه في الواقع حيث كان الخيار الاخير للسلطات وكان مطلوباً منه اداء بعض المهمات الاصلاحية داخل المركزي، وامتداداً الى حدود السياسة النقدية بالتنسيق مع الحكومة في مرحلة انتقالية، غير ان أبو العيون حاول خلال هذه الفترة، التي قاربت العامين، ان يثبِّت نفسه في موقعه بفعل الاجتهاد في اداء المهمة الموكلة اليه الا ان خضوعه لاملاءات الحكومة صادر فرصة في مواجهة ازمات سعر الصرف خلال الفترة الماضية، وسهِّل من مهمة الحكومة في الاطاحة به، خصوصاً انه لم ينجح في الحصول على ثقة اللجنة الاقتصادية في الحزب الوطني الحاكم صاحبة النفوذ الاقوى على مدار الفترة التي قضاها في "المركزي". واضاف المصدر ان "رغبة الحكومة في تعليق الصعوبات التي واجهها قرار تحرير اسعار الصرف في كانون الثاني يناير الماضي وتراجع قيمة الجنيه نحو 30 في المئة منذ ذلك التاريخ على عجز المحافظ عن ايجاد طرق العلاج الناجحة دفعها الى اختلاق الخلافات معه، ما أدى الى تبادله معها الاتهامات حتى كان قرار الاطاحة به. المهمة الصعبة وتأسيساً على هذه النتيجة لاحظ الخبير المصرفي الدكتور نبيل حشاد ان المهمة باتت اكثر صعوبة على محافظ المركزي الجديد على رغم التوافق الواسع على شخصه، وبات يتعين عليه مواصلة سياسة تحرير اسعار الصرف وصولاً الى الوضع الذي اكد رئيس اللجنة الاقتصادية في الحزب محمود محيي الدين ان على هذه السياسة ان تصل اليه في اقصر وقت ممكن، وهي توحيد سعر الصرف الحر للقطع الاجنبية مقابل الجنيه اعتماداً على آليات العرض والطلب بعيداً عما هو سائد الآن من سريان ثلاثة اسعار للدولار، على سبيل المثال حيث يوجد سعر المصارف، وسعر الدولار الجمركي الذي اقرته الحكومة عند 35،5 جنيه وسعر السوق غير الرسمية الذي يقترب من 7 جنيهات للدولار الواحد. وأضاف حشاد: "يتعين على المحافظ الجديد ان ينسق مع المجلس الذي تعتزم الحكومة تشكيله قريباً تحت اسم "المجلس التنسيقي" للاتفاق على أهداف السياسة النقدية التي سيكون في مقدمها العمل على استهداف معدل التضخم، وهو هدف يحتاج الى خبرات جديدة خلال العمل في تنفيذ الهدف السابق لهذه السياسة وهو استهداف الاستقرار النقدي". واتفق نائب المدير العام للمصرف "العربي الافريقي الدولي" احمد سليم على أولويات المحافظ الجديد، متوقعاً ان يتمكن العقدة من النجاح في مهمته على رغم ان الوقت لا يزال مبكراً للحكم على سياسته وطرق علاجه لأزمات سعر الصرف التي واجهت الجنيه في ظل المحافظ السابق للمصرف المركزي. وتشير الدلائل الى أن مهمة توحيد سعر صرف القطع الاجنبية امام الجنيه لن تكون سهلة وسيكون على العقدة في الاساس تهيئة السوق المصرفية للأخذ بزمام المبادرة في سوق الصرف قبل اتخاذ اية قرارات مع تجنب استخدام التدخل الاداري في السوق والعمل على التنسيق مع الحكومة لزيادة موارد النقد الاجنبي للقضاء على السوق الموارية وتحكمها في عرض الدولار وسعر صرفه، وهي نتيجة خلصت اليها اللجنة الاقتصادية في الحزب وأُعلن عنها الاسبوع الماضي في انتظار اجتماع اللجنة نفسها مع المحافظ الجديد لبدء التنفيذ الفعلي، وهو ما يؤكد الحديث عن قوة رئيس اللجنة خلال المرحلة المقبلة.