يكتنف الأوساط الاقتصادية في مصر غموض حاد يصاحبه ترقب بالغ للمؤسسات المعنية لنتائج المؤتمر السنوي للحزب الوطني الحاكم الشهر المقبل، بعد إعادة هيكلته في المؤتمر الثامن في أيلول سبتمبر الماضي، وبروز ما يُسمى "الإصلاحيون" الذين يتوقع أن يُدشنوا مرحلة جديدة في الاقتصاد القومي، في غضون سنتين على الأقل، بعد ركود ملحوظ في الافكار وتعليق غالبية القوانين الاقتصادية من جانب الحكومة لحين تدخل القيادة السياسية، ما جعل صدقية الحزب بعد هيكلته هي الأقوى من الحكومة حتى ان الأخيرة لم تعد تملك صوغ القرارات الحاسمة بل تنتظر إقرارها من الحزب الذي يراقب الحكومة في آليات التنفيذ فقط، ويحذر من التقاعس ويُشدد على الإسراع. وعُلم أن هناك نحو 12 دراسة وعشرات التقارير التي تم إعدادها من الجهات المعنية، خصوصاً اللجنة الاقتصادية، ولجنة قطاع الأعمال لعرضها على مؤتمر الحزب المقبل، غالبيتها تنصب على تحريك المياه الراكدة في الحقل الاقتصادي الذي بات يئن من وطأة المشاكل والصعاب. ووصف خبير بارز السوق حالياً بأنها "هدوء ما قبل العاصفة" في إشارة إلى أن الحزب سيقر آليات من شأنها خفض حدة البيروقراطية وتجديد الفكر الاقتصادي. تؤكد الدراسات والتقارير، المقرر عرضها على مؤتمر الحزب، ان تحديث الاقتصاد بات ضرورة لاپبد من الأخذ بها، وأن الاصلاح المؤسسي في المجال الاقتصادي يحتاج الى النمو في مجالات ثلاثة: توسيع القاعدة الانتاجية وتنويعها عن طريق زيادة الاستثمار، الاسراع في توفير فرص العمل في القطاعات ذات النمو السريع والقابلة للاستمرار، وتحقيق طفرة في قيمة الصادرات خصوصاً غير التقليدية ذات القيمة المضافة العالية. واوضحت الدراسات أن تحديث السياسة التجارية يستلزم مراجعة هيكل التعرفة الجمركية والاعفاءات الجمركية والضريبية بحيث تتفق مع ما تسعى الدولة الى تحقيقه من اهداف، خصوصاً زيادة الصادرات وترشيد الواردات، ويقتضي ذلك إلغاء كل الضرائب الجمركية على الصادرات ودعمها اسوة بما هو متبع في كثير من الدول المتقدمة. كما يقتضي الامر الارتقاء بدرجة جودة المنتجات من خلال التنسيق بين مواصفات المنتجات المصرية والمواصفات الدولية. واشارت الدراسات كذلك الى ضرورة التأكد من جدية الرقابة على السلع سواء المصدرة او المستوردة بعد أن تبين ان كثيرين يحاولون غمر الاسواق المصرية بسلع فاسدة أو غير مطابقة للمواصفات. وأوصت الدراسات باعتماد المستندات الصادرة عن مؤسسات دولية معتمدة في مجال الرقابة وتقويم المنتجات مع ازالة كل العوائق غير الجمركية في التجارة والاستثمار حتى يمكن تخفيف الاعباء المالية التي يتحملها المستوردون والمصدرون، فضلاً عن الاصلاح المؤسسي للادارات المعنية بالتجارة الخارجية، اذ ما زالت هذه الاجهزة تعاني من ضعف وقصور في الاداء ووجود الكثير من اوجه الانحراف الامر الذي يؤدي الى ارتفاع كلفة التعامل مع تلك الاجهزة وتضعف بالتالي قدرتها على المنافسة. وأشارت الى ان الهدف هو رفع مستوى كفاءة العاملين في الادارات المعنية بالتجارة الخارجية وزيادة مرتباتهم وتوعيتهم بالآثار السلبية للروتين وبطء الاجراءات، لافتة الى انه لا بد في الوقت نفسه من توفير رقابة صارمة على هؤلاء وتوقيع العقاب الرادع على المقصرين والمنحرفين، إضافة الى توفير المعلومات الخاصة بالاسواق الخارجية وبالاجراءات والمعايير والممارسات الخاصة بالتجارة. السياسة المالية وبالنسبة لتحديث السياسة المالية، اكدت الدراسات ضرورة تحديث النظام الضريبي في البلاد، اذ اصبح امراً ضرورياً وحتمياً وذلك عن طريق تخفيض معدلات ضريبة الدخل إذ أنها مرتفعة ولا تشجع على الاستثمار وتدعو الى التهرب الضريبي، إضافة الى تحقيق مزيد من العدالة الضريبية من خلال زيادة عدد شرائح اسعار ضريبة الدخل وزيادة حد اعفاء للشرائح العائلية، إذ انها ثابتة منذ عام 9911، اضافة الى تبسيط الاجراءات وتحديد توقيتات زمنية لكل اجراء بحيث يسهل على الممول التعامل مع الادارة الضريبية. وفي ما يخص السياسة النقدية، اشارت اللجنة الى ضرورة استقلال السياسة النقدية، الامر الذي يستلزم استقلال البنك المركزي عن الحكومة، ولا يعني هذا الاستقلال انقطاع الصلة بالحكومة انما يقصد به استقلال هذا البنك في استخدام ادوات السياسة النقدية مثل سعر الخصم ونسبة الاحتياط وادارة الاحتياطات الدولية، خصوصاً بعد تحرير سعر الصرف في 29 كانون الثاني يناير الماضي. وتؤكد التجارب الدولية بوضوح ان فاعلية ادوات السياسة النقدية، التي سبقت الاشارة اليها، تتضاءل الى حد كبير بل وقد تنعدم تماماً في حال عدم استقلال السياسة النقدية التي يتبعها البنك المركزي عن الحكومة باعتبارها السلطة المالية للدولة، وحتى يمكن للبنك المركزي أداء وظائفه بكفاءة وفاعلية. وتشير الدراسات المقدمة إلى أن الإصلاح التشريعي مستمر، وهو برنامج مستمر وله قواعد وأهداف ومقاصد ومناهج يسير عليها، ولا يمكن إجراء أي نوع من الإصلاح الاقتصادي من دون إصلاح تشريعي، وطالما ان الإصلاح الاقتصادي عملية مستمرة فإن الإصلاح التشريعي قائم ومستمر. وتتوقع الدراسات أن يتم الانتهاء من قانون المنافسة والاحتكار وهو من أهم القوانين الاقتصادية السنة المقبلة، علماً أن عدد التشريعات في مصر لا يتجاوز خمسة آلاف تشريع وهو مناسب لدولة في حجم مصر.