الاتحاد الاوروبي بات من اليوم، الاول من ايار مايو، يضم 25 دولة بانضمام 10 دول جديدة اليه، ليكون بذلك أنجز أكبر عملية توحد اقتصادي - سياسي على صعيد القارة ككل منذ الإمبراطوية الرومانية في التاريخ القديم، وليتحول الاتحاد إلى ثاني أكبر قوة اقتصادية بعد الولاياتالمتحدة، مما يؤهله للاضطلاع بدور سياسي وأمني متزايد على صعيد القارة، خصوصاً وفي المناطق البعيدة. لكن توسع الاتحاد وتعميم حريات تنقل البضائع والخدمات في شكل تدرجي وحرية تنقل السكان لا تعني توحد السياسات الخارجية بين البلدان الأعضاء ال25. وكانت حرب احتلال العراق أكبر مظاهر الانقسام في صفوف البلدان الأوروبية حيث فضلت البلدان الشرقية التي ستدخل أبواب الاتحاد في مطلع آيار المشاركة إلى جانب واشنطن في الحرب على العراق ضد رغبة المحور الألماني - الفرنسي. تتسع طاولة الاتحاد بدءاً من اليوم السبت ليجلس اليها قادة البلدان ال15، الأعضاء تقليداً، وزعماء البلدان العشرة الجدد: ليتوانيا ولاتفيا واستونيا وبولندا وهنغاريا وتشيخيا وسلوفاكيا وسلوفينيا، زائد جزيرتي مالطا وقبرص المقسمة. وتعد عملية التوسع الأخيرة أكبر عملية يشهدها الاتحاد الأوروبي منذ إنشاء مجموعة الفولاذ والفحم الحجري عام 1951. وتمتد حدود الاتحاد من سواحل البرتغال وايرلندا غرباً حتى الحدود المشتركة، شرقاً، بين روسيا واوكرانيا من جهة ودول البلطيق وبولندا من جهة أخرى. وتمتد حدوده الجنوبية من سواحل جزيرتي قبرص ومالطا حتى الدائرة القطبية التي تشق شمال اسكندينافيا. ويعد سكان البلدان الأعضاء ال25، 455 مليون نسمة منهم 75 مليوناً هم سكان البلدان الأعضاء العشرة الجدد. وبفعل تفاوت مستويات النمو الاقتصادي بين شطري القارة لا تتجاوز معدلات دخل الفرد في البلدان العشرة التي تشكل الآن الاتحاد 43 في المئة من معدل دخل الفرد في البلدان الأعضاء تقليداً. فيصل دخل الفرد في البلدان الأعضاء الجدد الى 10700 يورو لقاء 23210 يورو في البلدان الأعضاء ال15. وتبعاً لارتفاع عدد أعضاء الاتحاد واتساع مساحاته الثقافية والاجتماعية فإن عدد اللغات الرسمية سيرتفع من 11 لغة إلى 20 لغة رسمية سيعمل المئات من المترجمين والخبراء القانونيين على اعتمادها واستخدامها في ترجمة الخطابات في الاجتماعات الرسمية والقوانين التي تقتضي الترجمة إلى لغات الاتحاد كافة. وتقدر كلفة الترجمة في الاتحاد بنحو بليون يورو في السنة. وسيزداد عدد اللغات عام 2007 موعد انضمام كل من رومانيا وبلغاريا الى عضوية الاتحاد، وذلك من دون حساب اللغة التركية لسان القبارصة الأتراك الذين سيظلون خارج نطاق الاتحاد حتى يغير القبارصة اليونانيون رأيهم. ويؤدي التوسع الترابي إلى زيادة عدد المقاعد في المؤسسات المشتركة: المفوضية وتتولى صلاحيات الجهاز التنفيذي ورعاية تطبيق المعاهدات والتشريعات الأوروبية وتقديم مشاريع القرارات والقوانين، والمجلس الوزاري وهو أعلى هيئة سياسية تمثل مصالح البلدان الأعضاء ويتولى صلاحيات إصدار القوانين، والبرلمان ويتمتع بصلاحيات إعطاء الرأي في القوانين والسياسات الداخلية والخارجية كما يتمتع خصوصاً بدور كبير في مجال انفاق الموازنة ويمكنه حجب الثقة عن المفوضية. وتضم المفوضية حتى اليوم 20 عضواً زائد الرئيس رومانو برودي عينوا من جانب البلدان الأعضاء في بداية ولاية الفريق الحالي ويتوزعون بمعدل عضو عن كل بلد للبلدان الصغيرة مثل بلجيكا وايرلندا واليونان وعضوين للأعضاء الكبار بريطانياوالمانياوفرنساواسبانيا وايطاليا. ويرتفع عدد اعضاء المفوضية، منذ اليوم، إلى 30 عضواً زائد الرئيس بمعدل عضو لكل دولة. ومعلوم أن عضو المفوضية لا يمثل حكومة بلاده وإنما يتولى المسؤولية وفق السياسة التي يضعها الفريق الجماعي تحت سلطة برودي وبموافقة البرلمان الأوروبي. ولا يعد عضو المفوضية الجديد مسؤولاً عن حقوق بلاده بقدر ما هو مكلف حماية مصالح المواطنين الأوروبيين أينما كانوا. ولا يزال ارتفاع عدد اعضاء المفوضية يثير تساؤلات كثيرة ونقاشات حادة في إطار مفاوضات مشروع الدستور الجديد. ويجمع الخبراء على أن ارتفاع عدد أعضاء فريق المفوضية سيؤدي إلى شلل نشاطها لأن عمليات التصويت داخلها ستزداد تعقيداً. بل إن بعض أعضائها قد لا يجدون مجالاً للعمل ومسؤوليات يتولاها لأن عدد أعضاء المفوضية يتجاوز عدد الملفات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي وضعتها تشريعات الاتحاد في عهدة المفوضية. وكان الخبراء والمسؤولون السياسيون تيقنوا من خطر شلل المفوضية بعد عملية التوسيع، واقترحوا في مشروع الدستور الذي أشرف على إعداده الرئيس الفرنسي السابق فاليري جيسكار ديستان، صيغة خفض عدد أعضاء المفوضية من 30 عضواً إلى 15 على أن يتم تمثيل الدول الصغرى في الجهاز التنفيذي بطريقة التوالي بين كل منها. إلا أن الدول المعنية تعارض الاقتراح بسبب خشيتها من سيطرة الدول الكبرى ومن عواقب تغييب مصالحها. ومن المقرر أن تنتهي ولاية فريق المفوضية برئاسة برودي الخريف المقبل. وستعين البلدان الأعضاء فريقاً جديداً يتولى مهمات المفوضية مطلع تشرين الثاني نوفمبر المقبل. وفي الأثناء ستتواصل نقاشات تحديد حجم المفوضية في نطاق مفاوضات مشروع الدستور الذي سيغطي مختلف المؤسسات المشتركة للبلدان الأعضاء ال25 والسياسات التي ستقودها في مختلف المجالات. وبالنسبة الى مجلس الوزراء وبخاصة صيغ التصويت داخله فان أسلوب العمل سيتواصل، بين 1 أيار و31 تشرين الأول اكتوبر 2004 موعد نهاية الولاية، وفق القواعد المعمول بها في نطاق الأعضاء ال15 مع ترتيبات تتصل بحجم صوت كل من البلدان العشرة الجدد. وستعد غالبية الأصوات 88 نقطة من إجمالي 124 نقطة. لكن حجم الأصوات سيتغير مطلع تشرين الثاني نوفمبر بفعل مقتضيات معاهدة نيس وستعد الغالبية الجديدة 232 نقطة من إجمالي 321 نقطة. وتتوزع النقاط بحسب الحجم الديموغرافي لكل من البلدان الأعضاء. فيعد صوت كل من المانياوبريطانياوفرنسا وايطاليا 29 نقطة وكل من بولندا واسبانيا 27. وتكاد المعدلات تتساوى على رغم ان المانيا تعد أكثر من ضعف سكان بولندا ودونه بقليل بالنسبة الى اسبانيا. وكانت كل من مدريد ووارسو تمسكتا، خلال مفاوضات مشروع الدستور، بقواعد التصويت المقررة في المعاهد السابقة نيس 2000 لأن مشروع الدستور الجديد سيؤدي، في حال حظي بمصادقة القمة والبرلمانات الوطنية، الى تقييد حجم صوت كل من البلدين وبالتالي يحول دون تشكيلهما أقلية قادرة على تعطيل اصدار القرارات المشتركة داخل المجلس الوزاري. فيما تعتقد الدول الكبرى الأربعة وبخاصة المانياوفرنسا بضرورة وضع صيغة تحول دون وقوعها رهينة الدول الصغيرة في الاتحاد. وستستأنف نقاشات نظام التصويت في نطاق مفاوضات الدستور بعد تنظيم انتخابات البرلمان الأوروبي في 13 حزيران 2004. ومع دخول الأعضاء الجدد أبواب الاتحاد يكون البرلمان الأوروبي أنهى ولايته الاشتراعية. وسيشارك الناخبون من البلدان ال25 الأعضاء، في اختيار ممثليهم في برلمان ستراسبورغ للفترة 2004 - 2009. و سيرتفع عدد أعضاء البرلمان من 600 الى 732 عضواً. وتتوزع مقاعد تمثيل المواطنين الأوروبيين في البرلمان بين 99 مقعداً لألمانيا وخمسة مقاعد لمالطا. كلفة التوسيع وازدياد الهجرة الشرقية وتعول البلدان الشرقية منذ أعوام على معونات صناديق الانماء لتحديث اقتصاداتها وتطوير البنى التحتية وتهيئة مؤسساتها للتنافسية الشديدة التي أدت الى إفلاس الكثير من المؤسسات الصغرة والمتوسطة في قطاعات الزراعة التقليدية والصناعات القديمة. ورصد الاتحاد في الأعوام الثلاثة الماضية 40 بليون يورو لتنمية اقتصادات الأعضاء الجدد. ويعد المبلغ هائلاً من منظور دول الجنوب التي لا تحصل على خُمس حصة البلدان الشرقية من معونات الاتحاد. فهو يقدم 40 بليوناً للأعضاء الجدد وهم يعدون 75 مليون نسمة لقاء نحو خمسة بلايين يقدمها لبلدان الجنوب أعضاء مسيرة الشراكة الأوروبية - المتوسطية. وتعد دول جنوب شرقي الحوض المتوسطي أكثر من 250 مليون نسمة. وتثير فواتير كلفة التوسيع خوف المزارعين في فرنساوالمانيا وايطاليا وبخاصة الأوروبيين الذين يسكنون مناطق فقيرة مثل شرق بلجيكا أو منطقة الآلزاس في فرنسا أو الأحواض الصناعية القديمة في بريطانيا والمناطق الأقل نمواً في اسبانيا وايرلندا والبرتغال واليونان. ويتزايد الخوف من منافسة منتجات البلدان الشرقية لأنها ذات كلفة أقل من نفقات الانتاج والحماية الاجتماعية في بلدان اوروبا الغربية. ويرد أنصار التوسيع بأن المنتجين في البلدان الشرقية ملزمون احترام معايير الانتاج وضوابط سلامة المنتجات والبيئة. وبالتالي فإن المؤسسات في البلدان الشرقية تستورد تكنولوجيا بلدان غرب الاتحاد وتتحمل كلفة استثمارات كبيرة من أجل الاستجابة لمواصفات الانتاج الأوروبي. ويقدر دخل الفرد في بلدان الاتحاد ب 23 الف يورو مقابل 10 آلاف يورو في البلدان الجديدة. وتصل معدلات الدخل الى أقصاها في لوكسمبورغ 44 الف يورو وتنخفض الى 24 الفاً في المانيا و 19 الفاً في اسبانيا و9 آلاف في بولندا وبين 7 و8 آلاف في دول البلطيق. وتتردد عبارات القلق من التوسيع عندما يقترن انفتاح الاتحاد مع مخاطر ازدياد الهجرة الشرعية وغير الشرعية وما يواكبها من نشاطات سرية تحركها مختلف شبكات تهريب السجائر والكحول والمخدرات والتزوير وتجارة النساء. وتمثل هجرة العمال الوافدين من وسط اوروبا وشرقها عنصر منافسة شديدة للسكان الأوروبيين والمهاجرين المقيمين في بلدان غرب الاتحاد. ويخشى هؤلاء من ان يؤدي التوسيع إلى زيادة أعداد العمال الوافدين بعد أن يكونوا تخلصوا من شروط تأشيرات الدخول. وتعد كلفة العمالة الشرقية ضعيفة مقارنة مع كلفة العمال المقيمين. ويعمل العمال من بلدان وسط اوروبا وشرقها في ورشات البناء والصيانة والخدمات في المنازل. وتذكر دراسات أن المواطنين الأوروبيين يفضلون الاستعانة بخدمات عامل أو عاملة من وسط اوروبا وشرقها بدلاً من طلب الاستعانة بخدمات عامل يتحدر من أصول عربية أو افريقية على رغم طول إقامته القانونية في الاتحاد. وتشير الدراسات أيضاً الى ارتفاع مستوى الكفاءة المهنية لدى عمال وسط القارة وشرقها. لكن المنافسة الشرقية لا تستهدف العمال المتحدرين من أصل عربي وافريقي فحسب بل أيضاً العمال الأوروبيين من ذوي الكفاءات البسيطة. بل إن حكومات بلدان غرب الاتحاد تخشى من أن تؤدي زيادة الوافدين من الأعضاء الجدد وإقامتهم بصفة قانونية إلى زيادة الضغط على صناديق الائتمانات الاجتماعية والانفاق في قطاع الصحة. لذلك بادر الكثير منها بتحديد هوامش استفادة العمال الوافدين من البلدان الشرقية من أنظمة المعونات الاجتماعية. ويقول خبير في وزارة الشؤون الاجتماعية في بلجيكا إن انفتاح الاتحاد وانخراط البلدان الشرقية في عضويته لا يمنح العمال الوافدين حقوقاً فورية. وسيظل العامل يخضع لشرط حصوله على رخصة العمل خلال مرحلة انتقالية حتى عام 2006. وإذا ارتأى بلد معين حاجته الى تمديد العمل بشرط الحصول على التراخيص المسبقة فإن معاهدات التوسيع تضمن حصوله على مراحل انتقالية إضافية تمتد حتى 2011. ويثير سيناريو إزالة حواجز التأشيرات وضمان حريات التنقل نقاشات حادة مثلاً في المانيا المجاورة للكثير من الأعضاء الجدد والخوف من ان يدفع ارتفاع البطالة في بولندا الى أكثر من 20 في المئة إلى زيادة عدد المهاجرين نحو بلدان وسط الاتحاد وغربه. وتعتقد مصادر ديبلوماسية فرنسية بأن ارتفاع عدد العاطلين عن العمل في فرنسا لا يسمح بفتح سوق العمل أمام العمالة الأجنبية. وينتقد رئيس البرلمان الأوروبي بات كوكس ما سماه "الخوف من سياحة الائتمانات الاجتماعية ومنح البطالة"، أي أن يقصد المهاجرون اوروبا الشرقية بحثاً عن فرص الفائدة من أنظمة الحماية الاجتماعية في غرب القارة. ويرى كوكس ان توسيع الاتحاد لن يؤدي الى قلب الموازين الديموغرافية. ولاحظ خبراء شؤون الهجرة أن المهاجرين الذين أتوا من البلدان الشرقية في الأعوام الماضية لا يستقرون في شكل نهائي في بلدان الاتحاد بل يعملون ثم يعودون وهكذا يقضون سنوات بين الذهاب والإياب، وهو وضع يناسب بخاصة مصالح أرباب العمل والعمال الوافدين. فهؤلاء لا يرغبون في الانقطاع عن أوطانهم وأقاربهم خصوصاً في الأرياف، وهم يهاجرون للعمل فترة محدودة ثم يعودون لانفاق مدخراتهم في بلداتهم قبل أن يعيدوا الكرّة. ويرى خبراء في المفوضية الأوروبية وجود خطر يتهدد البلدان الشرقية نفسها ويتمثل في احتمال ارتفاع حجم هجرة الأدمغة نحو بلدان غرب الاتحاد ووسطه. وتفيد عمليات الاستطلاع ان بين ثلاثة وخمسة في المئة من حاملي الشهادات العلمية و10 في المئة من طلبة الجامعات في البلدان الشرقية ينوون الهجرة نحو اوروبا الغربية. وتفيد تقارير المفوضية بأن توسع الاتحاد وانضمام كل من اسبانياوالبرتغال لعضوية الاتحاد عام 1986 لم يؤد إلى زيادة الهجرة بل إن عدد المهاجرين البرتغاليين انخفض 110 آلاف والاسبان 100 الف. وقد تتكرر الظاهرة نفسها مع انضمام البلدان الشرقية وربما تكون حركة الوافدين الجدد موقتة ومحدودة. لكن الضغط الحقيقي لتيارات الهجرة سيتمثل في توافد المهاجرين من بلدان الجوار، من مولدافيا واوكرانيا وروسيا البيضاء. السياسة الخارجية والجوار الجديد تعد أزمة الحرب الأميركية - البريطانية على العراق وتضامن الكثير من الأعضاء الجدد مع الولاياتالمتحدة على حساب بلدان المحور الأوروبي فرنساوالمانيا، أبرز مثل عن السياسة الخارجية التي ستميز اتحاد البلدان الأوروبية ال 25، أقله في الأعوام القليلة المقبلة. وكانت المانياوفرنسا والبلدان الأوروبية الأخرى التي عارضت الحرب، مثل بلجيكا والسويد والنمسا واليونان وايرلندا، فوجئت، في ربيع الحرب على العراق، بانضمام غالبية البلدان الشرقية للسياسات العدائية التي وضعتها وزارة الدفاع الأميركية البنتاغون، منها طروحات الحرب الاستباقية. ووقفت البلدان الشرقية في مقدمها بولندا إلى جانب البلدان الأطلسية الأخرى بريطانياواسبانيا وايطاليا تدعم الحرب التي شنها الرئيس جورج بوش ضد العراق من دون موافقة أو أي تشريع من الأممالمتحدة. وبدا موقف البلدان الشرقية بمثابة نكران للجميل في نظر فرنساوالمانيا وغيرهما من البلدان الأوروبية التي تدفع مساهمات مالية باهظة داخل الاتحاد، من أجل توفير معونات الانماء الكافية لاقتصادات البلدان الشرقية. وكان الرئيس جاك شيراك صب غضبه ضد انعدام ولاء الأعضاء الجدد لسياسات الاتحاد بالقول إن البلدان الشرقية "أضاعت فرصة الصمت". فكان أولى بالبلدان التي تمد يدها للمعونات الأوروبية ان تكون وفية للبلدان التي توفر الموارد المالية بدلاً من سيرها في ركاب الولاياتالمتحدة. ورد وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد من ناحيته على ما وصف في حينه "عزلة المحور الألماني - الفرنسي" بأن "اوروبا الجديدة" وقفت مع الولاياتالمتحده "ضد اوروبا العجوز". المواقف من حرب احتلال العراق شكلت مؤشراً على طبيعة السياسات الخارجية التي قد تميز الاتحاد في الأعوام المقبلة. اذ ستظل المواقف المشتركة لبلدان الاتحاد تخضع لقاعدة الإجماع في مجال السياسة الخارجية. واذا ما كان الأمر صعباً بين البلدان الأعضاء ال15، على غرار ما حدث في العراق، فان الاجماع قد يكون مستحيلاً بين 25 بلداً بخاصة إذا تعلق الأمر بإصدار قرارات تمس مناطق ساخنة ولا تنسجم فيها مصالح الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي مثل الصراع العربي - الاسرائيلي والاحتلال الأميركي - البريطاني للعراق، خصوصاً ان البلدان الشرقية تعتبر نفسها مدينة للولايات المتحدة في سقوط الأنظمة الشيوعية، وهي تتحرك وفق مبدأ العرفان حتى وإن كلفها الأمر الوقوف ضد المانيا، أكبر مساهم في موازنة الاتحاد التي يغدق عليها معونات الانماء. وقد يستمر موقف الولاء الأطلسي جيلاً كاملاً قبل ان يستوعب الأوروبيون الجدد مفهوم المواطنة المشتركة على صعيد الاتحاد ككل. وتواجه السياسة الخارجية الأوروبية امتحاناً صعباً فور دخول الأعضاء الجدد، يتمثل في دخول جزيرة قبرص مقسمة. فاليونانيون القبارصة لم يقبلوا خطة الأمين العام للأمم المتحدة في الاستفتاء الذي أجري السبت الماضي وحرموا القبارصة الاتراك من المواطنة الأوروبية. وسيضطر الاتحاد التعايش مع واقع احتلال 35 الف جندي تركي الجزء الشمالي من الجزيرة، بل إنه قد يواجه دعوات القبارصة الأتراك الى الاعتراف بدولتهم كبديل عن رفض جيرانهم اليونانيين خطة توحيد الجزيرة. ويضاعف انعدام حل مشكلة انقسام جزيرة قبرص الصعوبات أمام تركيا المرشحة في شكل رسمي لعضوية الاتحاد لكنها لم تبدأ بعد مفاوضات الانضمام لأنها لا تستجيب للمعايير السياسة والاقتصادية التي وضعها الاتحاد أمام البلدان المرشحة. ومن المقرر أن تصدر المفوضية الأوروبية رأيها في موعد بدء المفاوضات مع تركيا في نهاية العام الجاري. لكن التوقعات السياسية وبخاصة الجدل الذي تشهده حملة انتخابات البرلمان الأوروبي توحي باحتمال تأجيل بدء مفاوضات العضوية مع تركيا إلى موعد غير قريب. وعلى صعيد أوسع فإن امتداد الاتحاد الأوروبي الى حدود اكرانيا وروسيا والى سواحل ليبيا ومصر ولبنان، دفع المسؤولين السياسيين إلى معاودة صوغ علاقات التعاون للحؤول دون تأكيد انطباعات القلعة الأوروبية المحصنة في وجه المهاجرين من دول الجوار. ويقترح الاتحاد على دول الجنوب وروسيا واوكرانيا تقوية علاقات التعاون الى مستوى يفوق الشراكة الأوروبية - المتوسطية، ولكن من دون ان تصل الى مستوى العضوية الكاملة. وستجد دول الجنوب نفسها على طاولة تقابل فيها ممثلين عن 25 بلداً. ويقتضي الوضع الجديد قدرات تفاوضية هائلة لنيل موافقة العدد الهائل من الشركاء. وسيعني توسع الاتحاد اتساع السوق الأوروبية أمام صادرات دول الجنوب حيث سيتم تعميم مقتضيات اتفاقات الشراكة القائمة. إلا أن ارتفاع عدد أعضاء الاتحاد قد يوفر عنصر ضغط كبير على كاهل كل من دول الجنوب.