تبحث ةمة نيس لزعماء دول الاتحاد الاوروبي التي تبدأ الخميس وتستمر ثلاثة ايام، في الاتفاق على معاهدة جديدة كانت المفوضية بدأت العمل عليها منذ شباط فبراير الماضي. ويشكك عدد من المسؤولين في احتمالات الاتفاق على الاصلاحات الضرورية لاسلوب عمل الاتحاد. يعقد زعماء الاتحاد الأوروبي قمتهم نصف السنوية الأسبوع الجاري في مدينة نيس الفرنسية. وتختلف هذه القمة عن الاجتماعات السابقة، لأن قادة الدول ال15 سيبحثون فيها الاصلاحات والتعديلات الضرورية التي يفترض ادخالها على مشروع "معاهدة جديدة" بحيث يسمح للمؤسسات الأوروبية المفوضية، المجلس الوزاري، البرلمان، محكمة العدل الأوروبية باستيعاب دول أوروبا الشرقية المرشحة لعضوية الاتحاد في السنوات العشر المقبل. لكن المراقبين يشيرون إلى أن القمة التي تهدف إلى ايجاد الآليات الضرورية لضم البلدان المرشحة وتوحيد القارة الأوروبية، قد تكون قمة تكريس الاختلافات والانقسامات بين دول الاتحاد وإضعاف وتيرة مفاوضات التوسع الجارية مع الدول الشرقية. وتواجه دول الاتحاد صعوبات كبيرة في ايجاد الصيغ الوسطى للتوفيق بين مصالح الأعضاء الصغار مثل بلجيكا وطموحات الدول الكبرى مثل المانيا أو فرنسا، ويشتد الخلاف أيضاً بين الدول الكبرى حول آليات اتخاذ القرارات المشتركة والقضايا السيادية. تضم المفوضية منذ حركة التوسع الأخيرة عام 1995، 20 عضواً زائد الرئيس، توزع عليهم المسؤوليات والملفات المختلفة ولا يمثل العضو حكومة بلاده التي تعينه، بل يصبح مسؤولاً أوروبياً. وتعين كل من البلدان الصغيرة عضواً، فيما تعين كل من الدول الخمس الكبرى اسبانيا، فرنسا، ايطاليا، المانياوبريطانيا مفوضين. وإذا استمر العمل بهذا المبدأ، فإن عدد أعضاء المفوضية سيتجاوز الثلاثين بعد انضمام الدول الشرقية. وقد رفضت الدول الصغيرة اقتراح التناوب بين الدول الأعضاء على المناصب في المفوضية لأنها تخشى من مخاطر تغيبها عن مؤسسة مكلفة تقديم المقترحات ورعاية تنفيذ المعاهدات والاتفاقات الأوروبية. وتتجه المفاوضات الجارية بين الدول ال15 نحو تبني اقتراح تعيين عضو عن كل بلد حتى سنة 2010، موعد اجراء مراجعة للوضع المؤسساتي في المفوضية، وتتركز المحادثات على تعزيز صلاحيات رئيس المفوضية في اختيار الأعضاء وحقه في إقالة العضو الذي يخل بالسياسة العامة للمفوضية. وتوافق الدول الكبرى على مبدأ "مفوض عن كل بلد" في مقابل أن تحصل على تنازلات من الدول الأخرى تعزز ثقلها داخل آليات التصويت في المجلس الوزاري. وكان الزعماء الأوروبيون قرروا في الأعوام القليلة الماضية مراجعة معاهدة امستردام لاستكمال الاصلاحات، وبالتحديد مراجعة قواعد التصويت وتقييد المجالات التي يحق فيها لبلد ما استخدام حق النقض للدفاع عن مصالحه الحيوية. ويهدف التعديل إلى تفادي الشلل في آليات القرارات المشتركة، خصوصاً مع ارتفاع عدد أعضاء الاتحاد في السنوات المقبلة. ووصف المفوض الأوروبي للشؤون المؤسساتية استمرار العمل بحق النقض بأنه "وسيلة للشلل الجماعي". وتتفاوض الدول الأعضاء في شأن اقتراح توسيع قاعدة التصويت بالغالبية النوعية في ما لا يقل عن 47 مجالاً تشمل شؤون الضريبة والخدمات المالية واتفاقات التجارة وقوانين الحماية الاجتماعية. إلا أن المفاوضات تصطدم منذ انطلاقها مطلع السنة الجارية، بتعقيدات وتناقض المواقف والمصالح، وقد يتم تعميم قاعدة التصويت بالغالبية في 20 مجالاً أو أكثر. وتعارض بريطانيا التخلي عن حق النقض خلال عمليات التصويت في المجلس الوزاري، على تشريعات الضريبة والقوانين الاجتماعية. وتعتبر مسائل الجباية ضمن مجالات السيادة ولا تقبل التخلي عنها لفائدة المشرعين في بروكسيل. كما تعترض فرنسا، الرئيسة الحالية للاتحاد، على اقتراح إلغاء حق النقض في عمليات التصويت على قوانين السياسة التجارية وقطاع الخدمات. وتخشى باريس من احتمالات تأثير الولاياتالمتحدة على بعض شركائها في مفاوضات الاتفاقات التجارية، ولا ترغب في التفريط في وسيلة النقض لتعديل كل اتفاق لا يناسب مصالحها. من جهتها، تعد اسبانيا أكبر مستفيد من المعونات الانمائية التي يقدمها الاتحاد للمناطق الفقيرة فيه، وتخشى أن يؤدي التوسع إلى توجيه المعونات نحو مناطق متخلفة في أوروبا الشرقية، لذلك فإنها ترفض التخلي عن حق النقض في مجال سياسات الإنماء الاقليمي. أما المانيا فإنها تؤكد رغبتها الاحتفاظ بحق النقض في مجالات الهجرة واللجوء، وترفض اقتراحات التصويت على هذين المجالين وفق قاعدة الغالبية. وتحاول برلين التحصن بوسائل حق النقض ضد التشريعات الأوروبية التي قد تتساهل في دخول اللاجئين الذين قد يأتونها من مناطق النزاعات في البلقان والقوقاز عبر أوروبا الشرقية. ويزداد الوضع تعقيداً نتيجة الصعوبات القائمة أصلاً في مفاوضات مراجعة ثقل صوت كل من الدول الأعضاء. ويقدر ثقل صوت كل من المانياوفرنساوبريطانياوايطاليا، تقليداً ب10 نقاط، فيما يزن صوت اسبانيا 8 نقاط ودونها بالنسبة لكل من الأعضاء الآخرين وأدناها صوت لوكسمبورغ الذي يزن نقطتين. ويشتد النقاش بين الدول الصغيرة والكبيرة، حيث تريد الأخيرة تعزيز ثقل أصواتها تحسباً لدخول أعضاء جدد من ذوي الحجم الصغير مثل سلوفينيا ودول البلطيق، حيث أنها تخشى أن تجد نفسها في وضع تتوحد فيه الدول الصغيرة وتشكل غالبية تعطل سياسات الاتحاد. وتتركز المفاوضات الآن حول ما يسمى "قاعدة الغالبية المزدوجة" التي تعني أن يتم التصويت على قرار معين، وفق قاعدة غالبية الدول الأعضاء ومبدأ صوت لكل بلد، ويعاد التصويت ثانية وفق قاعدة الثقل النسبي لكل بلد وفق حجمه الديموغرافي، ثم يتم جمع نتيجة العمليتين. وقد برز الخلاف على أشده حول هذه المسألة بين المانياوفرنسا، حيث طالبت الأولى بأن يكون صوتها متناسباً مع حجمها الديموغرافي، إذ أن المانيا تعد أول قوة ديموغرافية، حيث يبلغ عدد سكانها 80 مليون شخص في مقابل 56 مليون لفرنسا. ورد الفرنسيون بأن تفاوت الأصوات بين البلدين يحدث خللاً في المحور الألماني - الفرنسي الذي كان دائماً محرك المسيرة الأوروبية منذ انطلاقها مطلع الخمسينات. ومن أجل تفادي مخاطر ذوبان الروح الاندماجية في الاتحاد ازاء دول الشرق، تعد دوله لتكريس مبدأ "تقوية التعاون" في مجموعة من ثماني دول في الاتحاد تتفق مثلاً حول القيام بمهمة ما، داخل الاتحاد أو خارجه، من دون إلزام الأعضاء الآخرين بالمشاركة فيها. ويشهد الاتحاد حالياً تطور نواة مالية مثلاً داخل الحيز المشترك، حيث يشارك 11 بلداً من أصل 15 في العملة الموحدة اليورو. كما تم استثناء بريطانيا وايرلندا من اتفاقية "شينغين" المتعلقة بحرية تنقل الأشخاص داخل الاتحاد الأوروبي. وقد تتعزز هذه الصيغة في المستقبل وتتعدد المجموعات داخل الاتحاد، خصوصاً في حال أدى توسيعه إلى تراجع الفكرة السياسية للوحدة. وقد يكون هذا الاتجاه الجديد، إضافة إلى الموافقة على تشكيل آليات تشكيل قوة تدخل سريع، من أهم النتائج التي ستتمخض عنها القمة، وهي نتيجة مناقضة لأهداف توسيع الاتحاد وأحلام توحيد القارة.