أثبتت المقولة الاميركية الشهيرة "المال يتكلم" صحتها باتجاهين في ما يتعلق باسرائيل، اولهما نجاح رئيس الوزراء الاسرائيلي أرييل شارون باستقطاب دعم خصمه اللدود في حزب ليكود وزير المال بنيامين نتانياهو ل"خطة الفصل" فك الارتباط"، وثانياً ب"تنازل اسرائيل" عن الحصول على "بوليصة تأمين سياسية" من ادارة الرئيس جورج بوش المقبلة على انتخابات رئاسية جديدة مقابل عشرة بلايين دولار تعهدت الاخيرة بدفعها على شكل هبات ومساعدات مالية ثمناً للانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة، اضافة الى مساعدات اميركية سابقة يقدر حجمها بعشرة بلايين دولار. هذا ما يستشف مما تكشف عن "الاتفاق" الذي توصل اليه دوف فايسغلاس مدير مكتب شارون مع المسؤولين الاميركيين خلال زياراته المتكررة والمكثفة لواشنطن في الاشهر الثلاثة الماضية، وقبل ستة أيام فقط من توجه شارون الى العاصمة الاميركية. وساعده في تحقيق الاتفاق زعيم حزب "العمل" شمعون بيريز الذي اعترف شارون نفسه بأنه يقوم بمهمة "وزير الخارجية" لحكومته اليمينية. مساعدات اميركية لتطوير النقب واكدت مصادر اسرائيلية متطابقة ان المساعدات الاميركية المذكورة ستقدم فقط بعد استكمال الانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة من اجل "تطوير النقب وتمويل مكافحة الارهاب". واوضحت انه تم الاتفاق على ان لا يطالب شارون بهذه المساعدات خلال اجتماعه ببوش الاسبوع المقبل "كي لا يظهر ان المساعدات هي مقابل مباشر لانسحاب اسرائيل من القطاع"، وانما بعد تنفيذ الانسحاب "تظهر الهبات وكأنها لتطوير النقب ومكافحة الارهاب". وتشمل المساعدات المالية هبات اميركية وضمانات للحصول على قروض طويلة الامد بكفالة اميركية. وفي هذا الاطار، ناقش بيريز بناء على طلب من شارون قبل نحو اسبوعين مع مسؤولين في البنك الدولي الحصول على قرض بمبلغ خمسة بلايين دولار "لتمويل تطوير النقب". واشار بيريز الى ان البنك الدولي لم يرفض الطلب كليا، وانه تلقى وعودا من الادارة الاميركية بمساعدة اسرائيل على الحصول عليها. ومن المقرر ان تقدم الولاياتالمتحدة لاسرائيل في اطار "المساعدات العسكرية" 2.16 بليون دولار للسنة الحالية، على ان يرتفع هذا المبلغ ليصل الى 2.2 بليون دولار في السنة المقبلة. وقدرت مصادر اسرائيلية تكاليف الانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة بأربعة الى خمسة بلايين شيكل اكثر من بليون دولار، واوضحت ان الحكومة الاسرائيلية ستوفرها من قيمة المساعدات العسكرية التي قدمتها الولاياتالمتحدة لاسرائيل في وقت سابق ويقدر حجمها بعشرة بلايين دولار اخرى. وذكرت ان اسرائيل حصلت حتى الان على ستة بلايين دولار "فقط" من المبلغ المذكور. شارون يقنع نتانياهو بجدوى الفصل واشارت المصادر الاسرائيلية الى ان شارون أقنع وزير ماليته بنيامين نتانياهو ب"الجدوى الاقتصادية" لخطة "فك الارتباط". ونقلت صحيفة "غلوبس" الاسرائيلية عن شارون قوله ان "المساعدات الاقتصادية التي ستمنحها الولاياتالمتحدة ستتيح تنفيذ حلم الحكومات الاسرائيلية بتطوير النقب واقامة بنية تحتية لاستيعاب الاف الاسرائيليين ومهاجرين جدد ايضا في المنطقة"، مشيرة الى ان نتانياهو يرى ان هذه المساعدات ستشكل "رافعة لتسريع النمو الاقتصادي". ورجحت المصادر الاسرائيلية ان يصوت نتانياهو الى جانب تنفيذ خطة "فك الارتباط"، خصوصا ان شارون استجاب لشرط نتانياهو الاول بابقاء السيطرة الاسرائيلية على المعابر الفلسطينية في قطاع غزة، والابقاء على مسار الجدار الذي تقيمه اسرائيل في ارض الضفة كما اقرته الحكومة الاسرائيلية، وهذا هو شرطه الثاني. اما الشرط الثالث فهو الحصول على تصريح اميركي واضح بمعارضة الولاياتالمتحدة لعودة اللاجئين الفلسطينيين الى اراضيهم داخل اسرائيل. يذكر ان الولاياتالمتحدة درجت على "تمويل" عمليات عسكرية اسرائيلية في السابق، كما حدث في الانسحاب الاسرائيلي من جنوبلبنان عندما منحت اسرائيل 350 مليون دولار لتنفيذ الانسحاب في العام 2000، ومولت "نقل قواعد عسكرية" اسرائيلية في اطار اتفاق "واي ريفر" بتحويل 250 مليون دولار لاسرائيل في العام 1998. ورأت مصادر اسرائيلية ان نجاح شارون في الحصول على مبالغ مالية ضخمة من الولاياتالمتحدة لاسكان اسرائيليين في النقب، يقضي على فكرة "تبادل الاراضي" التي وردت في ادارة الحزب الديموقراطي الاميركي برئاسة بيل كلينتون في اطار اتفاق للحل النهائي مع الفلسطينيين، في مقابل ضم كتل استيطانية كبيرة في الضفة الى اسرائيل. واشارت المصادر الى ان شارون يضمن بذلك اقرار ادارة بوش عدم "العودة الى حدود الرابع من حزيران" ويقطع الطريق في الوقت ذاته على امكان "مبادلة" المستوطنات بأراض في منطقة النقب. ومن المقرر ان يلتقي شارون بوش في البيت الابيض الاسبوع المقبل في مسعى الى الحصول على الدعم الاميركي الكامل لخطته التي ستكون ايضاً موضع بحث في لقاءات بوش العديدة في الاسبوع ذاته مع الرئيس حسني مبارك ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير، اضافة الى العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني الذي يصل الى واشنطن الاسبوع التالي. شعث: واشنطن متمسكة بخريطة الطريق وفي هذا الصدد، اكد وزير الخارجية الفلسطيني نبيل شعث الذي يزور واشنطن بدوره في الثلث الاخير من الشهر الجاري ان الجانب الاميركي اكد للفلسطينيين ان خطة شارون لن تؤدي الى "تمزيق خريطة الطريق". وشكك شعث في مؤتمر صحافي عقد في رام الله بحصول شارون على "اتفاق" مع الادارة الاميركية في شأن خطته، وقال: "شارون يأمل بالحصول على اتفاق، لكنني اشك في ذلك". وشدد شعث على ضرورة ان يكون الانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة "جزءا من تطبيق خريطة الطريق"، مشيراً الى ان الوفد الاميركي الذي زار المنطقة الاسبوع الماضي اوضح للجانب الفلسطيني ان الانسحاب الاسرائيلي من القطاع ستتبعه مساعدات اقتصادية "كبيرة" للسلطة الفلسطينية للمساهمة في اعادة بناء واغاثة الفلسطينيين وخلق فرص عمل لهم في القطاع وتطويره"، مشيرا الى ان "الاميركيين اشترطوا تقديم هذا الدعم بقيام السلطة بفرض الامن في القطاع ومواصلة عمليات الاصلاح... وهذا مطلوب من الفلسطينيين في اطار خريطة الطريق".