"لا لحق العودة، لا للانسحاب الشامل. نعم للكتل الاستيطانية الكبرى. نعم لحوار الفصل". بهذه العناوين التي لم تخل من لهجة احتفالية، صدرت الصحف العبرية أمس، مكررة لازمة واحدة: "انجاز تاريخي"، ليتفق أبرز المعلقين مع رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون في قوله إن ما حصل عليه من الرئيس جورج بوش من وعود لم تتلقَ إسرائيل مثله منذ اقامتها. وفيما أعرب شارون عن عظيم ارتياحه لنتائج زيارته، انشدت الأنظار إلى وزير المال بنيامين نتانياهو الذي يملك المفتاح، وفقاً لكل التوقعات، لحصول شارون على دعم أعضاء حزبه "ليكود" لخطته للانفصال الاحادي في الاستفتاء الذي سيجري في الثاني من أيار مايو المقبل. في غضون ذلك، عبر قادة المستوطنين عن عدم رضاهم من تصريحات الرئيس الأميركي لأنها لم تتضمن بكل وضوح تعهداً بعدم ازالة المستوطنات في الضفة الغربية. نقلت الإذاعة العبرية عن رئيس الحكومة الإسرائيلية ارييل شارون رضاه التام عن مضمون الرسالة الخطية التي تلقاها من الرئيس جورج بوش، ورأى أنها تجاوبت مع كل المطالب الإسرائيلية، ما يجعلها "رسالة تاريخية" وانعطافاً مهماً في الموقف الأميركي التقليدي من قضيتي اللاجئين والحدود، فضلاً عن اعتباره الجدار الفاصل "حاجة أمنية" والتزامه احباط أي خطة سياسية مستقبلية لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، ما يعني بنظره دفن المبادرة السعودية للسلام وتفاهمات جنيف التي أبرمتها شخصيات فلسطينية وإسرائيلية. وقال مصدر كبير في حاشية شارون في واشنطن إن الأخير ينظر بايجاب إلى الضجة التي أثارتها رسالة بوش في العالم العربي ولدى الفلسطينيين "الذين فهموا الرسالة بشكل أفضل من عدد من وزراء ليكود المعارضين"، مضيفاً ان شارون كان حذر من أن إسرائيل ستوجه ضربة مؤلمة للفلسطينيين "إذا واصلوا طريق الإرهاب"، وها هم يتلقونها! وكشف المصدر أن شارون أرفق رسالته إلى الرئيس الأميركي بملحق تناول تفاصيل خطة الانفصال، مرجحاً أن يتم الانسحاب حتى نهاية العام المقبل. وأضاف المصدر ان الملحق شمل توضيحات حول اقامة الجدار في محيط مستوطنة "ارئيل"، ملمحاً إلى أن هذا الجزء من الجدار سيقام وفقاً لقرار الحكومة الإسرائيلية، أي أنه سيضم المستوطنة داخله. وكانت تسريبات من حاشية شارون أفادت أنه اشترط سفره إلى واشنطن بتلقي مسودة عن الرسالة الأميركية الرئاسية، وأنه أوشك على إلغاء زيارته بعد أن أظهرت المسودة أن ثمة فجوات في المواقف، خصوصاً في مسألتي حق عودة اللاجئين الفلسطينيين ومصير الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية، لكنه عدل عن فكرته بعد أن اضيفت عبارة "ليس إلى إسرائيل" إلى الموقف الأميركي الداعي إلى عودة اللاجئين إلى الدولة الفلسطينية العتيدة وشمل "المراكز السكانية الإسرائيلية الرئيسية" في حديث الرئيس عن الوقائع الجديدة الناشئة على الأرض، ما عنى، بنظر الإسرائيليين، تأييداً أميركياً للاحتفاظ بهذه المستوطنات. نتانياهو بقي متحفظاً وسارع اثنان من أقطاب ليكود هما وزيرا الدفاع والصناعة شاؤول موفاز وايهود أولمرت إلى الترحيب بخطاب الرئيس بوش، داعين اعضاء ليكود المعارضين إلى التمعن في الرسالة الأميركية "التاريخية" ليتيقنوا أهميتها ويعدّلوا مواقفهم. وقال أولمرت إن الانجاز الذي حققه شارون في واشنطن غير مسبوق في تاريخ كل حكومات إسرائيل، وان "إعلان بوش" بما تضمنه من رفض لحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، ورفض العودة إلى حدود حزيران يونيو 1967 "إعلان تاريخي بكل المقاييس". ورأى موفاز في "الإعلان" علامة فارقة نحو خلق واقع أمني وسياسي جديدين أفضل بالنسبة إلى إسرائيل. وبينما أصر أربعة وزراء من ليكود تساهي هنغبي وإسرائيل كاتس وعوزي لانداو وناتان شيرانسكي على رفض خطة الانسحاب، لم يتضح بعد موقف كل من الوزراء سلفان شالوم وليمور لفنات وتسيبي ليفنه وبنيامين نتانياهو لكن ما سيقرره نتانياهو يبقى الأكثر فضولاً، اذ بمقدوره ان اراد ان يقود جناح المعارضة في الحزب ويحبط المصادقة على الخطة في الاستفتاء نظراً لنفوذه الواسع في الحزب الذي لا يضاهيه فيه أي فرد من سائر أقطاب "ليكود". وفي أول تعقيب له، أعلن نتانياهو انه ما زال متحفظاً بعض الشيء على خطة الانفصال وان خطاب الرئيس بوش تجاوب مع اثنين من ثلاثة "شروط - لاءات" سبق ان اعتبرها شرطاً لتأييده الخطة وعنى: لا لحق العودة، ولا للانسحاب الشامل من الضفة الغربية، لكن الخطاب لم يقدم رداً ل"الشرط الثالث" ببناء "الجدار الفاصل" طبعاً للمسار الذي اقرته الحكومة الاسرائيلية، اي ان يتلوى داخل أراضي الضفة الغربية ويشمل جميع المستوطنات. وزاد انه سيطالب باستكمال بناء الجدار وفق هذا المسار قبل تنفيذ الانسحاب الاحادي من قطاع غزة، مضيفاً ان هذه المسألة ليست موضع نقاش بين تل ابيب وواشنطن "إنما شأن اسرائيلي داخلي". ولم تستبعد أوساط سياسية ان يقبل شارون باشتراط نتانياهو بتأييد خطته بإتمام بناء الجدار، خصوصاً حيال الأرقام الواردة في استطلاعات جديدة للرأي تفيد بأن الغالبية التي تؤيد الخطة ما زالت هشة، اذ اعلن 51 في المئة تأييدهم في مقابل معارضة 39 في المئة بينما لم يبلور 10 في المئة موقفاً بعد. ولم يخف قادة المستوطنين خيبتهم من نتانياهو وقد عولوا على قيادته حملة معارضة الانسحاب، كما تحدثوا عن "الأخطار الكامنة" في تصريحات الرئيس الاميركي لأنه لم يعلن صراحة ان المستوطنات في الضفة الغربية ستكون جزءاً من الدولة العبرية. وقال الوزير المستوطن زعيم حزب "مفدال" ايفي ايتام ان "التعابير اللفظية" التي تضمنها خطاب الرئيس الاميركي لا توفر أجوبة شافية للمخاطر الأمنية المحدقة باسرائيل ولا تتلاءم و"الثمن الباهظ" الذي تتطلبه خطة الانفصال "لأن طرد آلاف اليهود من بيوتهم سيسبب فاجعة قومية". ترحيب اليسار الاسرائيلي وفي اليسار الاسرائيلي، جاءت الردود مرحبة بالرسالة الاميركية، وقال زعيم "العمل" شمعون بيريز ان خطاب الرئىس يتطابق بشكل شبه كامل مع طروحات "العمل" ورؤيته لحل النزاع الفلسطيني - الاسرائيلي. ولفت الى ان حزبه رأى دائماً ان حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين يجب ان يكون باستيعابهم في الدولة الفلسطينية وليس بالعودة الى اسرائيل، وانه من غير المعقول ان يقوم الحل النهائي على الانسحاب التام الى حدود العام 1967 وإزالة جميع المستوطنات "انما على اجراء تعديلات حدودية تأخذ في الاعتبار الاستيطان وأمن اسرائيل". الى ذلك، كشفت صحيفة "يديعوت احرونوت" ان مجلس الأمن القومي الاسرائيلي أعد خطة أولية في شأن مستقبل المستوطنين الذين سيتم اجلاؤهم من قطاع غزة تقوم على منحهم حق الخيار بين التعويض المالي وتسلم وحدات سكنية وأراض زراعية بديلة في النقب أو الجليل أو على طول الحدود مع أراضي السلطة الفلسطينية. واضافت ان الخطة تحض على توطين نحو 8000 مستوطن في بلدات جديدة ستقام في النقب والجليل، خصوصاً في "رمال حلوصة" في النقب، بمحاذاة القطاع بهدف دفن اقتراح رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق ايهود باراك، اثناء مفاوضات كامب ديفيد، بمقايضة هذه الأراضي بالمستوطنات شمال الضفة الغربية. في هذا السياق، ذكرت مصادر صحافية ان الاسرائيليين يعولون على الحصول على دعم مالي اميركي بقيمة 5 بلايين دولار لتمويل خطة الانسحاب وتطوير النقب. في غضون ذلك، أفادت الاذاعة العبرية ان جيش الاحتلال أخلى بؤرتين استيطانيتين صغيرتين في منطقة الخليل من مجموع أكثر من مئة أقامها المستوطنون، وسط غض طرف سلطات الاحتلال في مناطق مختلفة في الضفة الغربية في السنوات الأربع الأخيرة. على صلة، أصدر المستشار القضائي للحكومة ميني مزوز تعليماته الى وزارة البناء والاسكان وسائر الوزارات بعدم رصد أموال وموازنات المستوطنات في الضفة وقطاع غزة الى حين انشاء جهاز رقابة على صرف هذه الأموال والحؤول دون استخدامها في نشاطات استيطانية غير قانونية، محذراً من اتخاذ اجراءات قضائية ضد مسؤولين حكوميين يخرقون هذه التعليمات. وقالت المحامية في النيابة العامة طاليا ساسون ان اموالاً عامة صرفت على بناء مواقع استيطانية غير قانونية من خلال سلب الفلسطينيين اراضيهم "ومن دون مصادقة اي جهة مسؤولة"، وان اخرى استثمرت في انشاء بنية تحتية لمستوطنات جديدة وربطها بشبكتي الكهرباء والماء، موجهة انتقادات ضمنية لوزارة البناء والاسكان التي تدعم المستوطنين وتمول "اعمالاً تنطوي على مخالفات جنائية". الاعلام يرحب بالاعلان التاريخي واتفقت عناوين الصحف العبرية وتحليلات كبار معلقيها مع رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون في تقويمه بأن ما انجزه في زيارته الى واشنطن لم يقدر على تحقيقه اي من اسلافه منذ انشاء الدولة العبرية وبأن اعلان بوش يعتبر "تاريخياً". ورأى كبير المعلقين في كبرى الصحف ناحوم بريناع يديعوت احرونوت ان كل ما قاله الرئيس الاميركي صبّ في مصلحة اسرائيل وانه تخلى عملياً عن "خريطة الطريق" وتبنى "خطة الانفصال" ومنح شارون اوراقاً رابحة في التنافس على اصوات "ليكود": "اعطاه كلمات... فقط كلمات... لكن ليس مجرد كلمات... فقد حرر اسرائيل من اي التزام باستيعاب اللاجئين في حدودها وارسلهم الى الدولة الفلسطينية التي ستقوم، ان قامت اصلاً... ثم شرع للمرة الاولى الاحياء اليهودية في القدسالمحتلة والكتل الاستيطانية" وتابع ان الرئيس الاميركي منح اسرائيل نظرياً على الاقل، حق الفيتو ضد تركيبة وسياسة اي حكومة فلسطينية عتيدة: حتى يومنا كانت للفلسطينيين حكومة من دون دولة، الآن يقترحون عليهم دولة من دون حكومة، ولا اظن ان براءة اختراع كهذه موجودة في العالم". وكتب المعلق السياسي في "هآرتس" الوف بن ان رسالة شارون وضعت شارون في نقطة انطلاق ممتازة استعداداً للاستفتاء في "ليكود" والتصويت على خطته في الكنيست والحكومة، مضيفاً ان "الاعلان الاميركي" يبدو افضل حتى مما تم تسريبه عنه. وتابع ان "حق العودة" تلقى ضربة قاضية من بوش وان رسالة الاخير انطوت عل مزيد من "قطع الحلوى" لاسرائيل، اذ للمرة الاولى يتم الاعلان عن ان التزام الولاياتالمتحدة بأمن اسرائيل "كدولة يهودية" يشمل ايضاً تأييدها الضمني للحفاظ على القدرة النووية الاسرائيلية. واعتبر المعلق في الشؤن الاستراتيجية في الصحيفة زئيف سيف "حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين خارج حدود اسرائيل" الانجاز الوحيد الملموس في "رسالة بوش". واتفق معه في هذا التقويم المعلق السياسي في صحيفة "معاريف" بن كسبيت الذي اضاف انه على رغم ذكر الرئيس الاميركي الحاجة الى الاعتراف ب"تجمعات سكانية اسرائيلية" اذ شدد على ان يضيف لذلك "ان كل شيء خاضع للمفاوضات ومحاذ لقرارات مجلس الامن". وكتب ان ما كان ناقصاً فقط من طرف الرئيس بوش "في هذه التظاهرة الداعمة لشارون" هو ان يدعو مباشرة منتسبي "ليكود" الى التصويت له، ملمحاً الى ان قول "نعم" للخطة هو قول "نعم" ايضاً للولايات المتحدة، وهي في وضع غير مستعدة للا اخرى وبالتحديد من اسرائيل. ولفت المعلقون الى حقيقة ان شارون عمل ايضاً على "رد الجميل" للرئيس الاميركي فأغدقه المديح على جرأته في "محاربة الارهاب" وعلى دعمه اللامحدود للدولة العبرية، ما يعتبر دعوة غير مباشرة لليهود في الولاياتالمتحدة لدعمه في الانتخابات الرئاسية المقبلة. واشاروا ايضاً الى ان شارون حرص على تسريب نبأ رفضه لقاء المرشح الديموقراطي جون كيري بداعي "ازدحام جدول اعماله" معتبرين ذلك تدخلاً اسرائيلياً في الانتخابات الاميركية طالما تجنبه رؤساء الحكومة السابقون.