يحلو لكريم الذي بلغ عاماً ونصف العام أن يلعب بأجهزة الهاتف الخلوي "الحقيقية" كما تقول والدته، ومعه لا ينفع الغش، لا يمكن استبدالها بأجهزة من البلاستيك مثلاً. الخلوي من أجمل الألعاب بالنسبة اليه، وله تفضيلات، الأحمر الصغير الحجم أكثر جاذبية من الأجهزة الأكبر. وكريم ليس استثناء بين أطفال جيله، الآخرون مثله، يلهون بال"سللولير"، الجهاز الذي انتشر قبل ولادتهم، وقد أبصروا النور حينما صار من أبرز مفردات أو آلات حياتنا اليومية، فتآلفوا معه سريعاً. قبل أن ينطقوا كلماتهم الأولى، يقولون "آوو" ويضعون الخلوي فوق آذانهم وينتظرون سماع صوت أي مجيب. الصغار بعمر كريم تجاوزوا - بالفطرة - تلك الدهشة التي رافقت بعضنا مع بداية انتشار الهاتف الخلوي، حينما كنا نتلفت مندهشين لدى سماع أحدهم يتكلّم وحيداً في الشارع، فنعجب: "هل أفقدته الهموم عقله فصار يحكي مع نفسه"، ثم نتنبه الى أنه يتمتع بكامل قواه العقلية، الى ان تلك الآلة الصغيرة قرب أذنه سهلت اتصاله بآخرين. الجدل يطول تآلف الجيل الصغير مع أدوات "ثورة الاتصالات" لأنه ولد في خضمها، وحينما التفت حوله وجدها بين أشياء والديه، جزءاً أساسياً من المنزل، والمكتب و... في العام 1995 بدأ الانتشار الشعبي للخلوي في الولاياتالمتحدة، ولم يتأخر ليصل الى دول أخرى متقدمة ونامية، وبسرعة البرق لم يعد مجرد "بريستيج" يتبختر به حاملوه. صار قطعة أساسية من مفردات حياتنا اليومية، هل هو ضروري؟ الجدل يطول في مناقشة هذا الأمر، لكنه بالتأكيد كان عاملاً أساسياً في تغيير مفهوم التواصل بين الناس، بدءاً بتسهيل الاتصال بآخرين إلى ما أضافه الى هذه العملية من عبارات جديدة راجت بين المتصلين والى تبادل الصور والنكات والرسائل. وخير مثال على تقدمه في حياتنا، أنه على رغم الاحتجاج على تدني انتشار خطوط الخلوي في القارة الافريقية حيث كان عددها يوازي عدد الخطوط في طوكيو ومانهاتن فقط، وفق ما جاء في دراسة نشرتها "لا تريبون أنترأكتيف" إلاّ أن هذه القارة الفقيرة والمهمشة تعيش أيضاً ثورة الاتصالات التي سببها الخلوي وأدوات التكنولوجيا الأخرى. جمعت أدوات "الثقافة العالمية" الجديدة التي تمتد كبيت العنكبوت بين اشارات التواصل الثلاث: الصوت والكتابة والصورة، ويشكل الخلوي واحداً من أدوات هذه الثقافة لكنه يتميز عن الكومبيوتر والتلفاز بكونه في متناول أي فرد، ولأنه ناقل الصوت الرئيس - أي أكثر وسائل الاتصال التي يستخدمها الإنسان - إضافة الى أن تطوير آلات الخلوي جعله أيضاً وسيلة ترفيه لما يتضمنه من ألعاب إلكترونية كما هي حال الكومبيوتر. ومن المتوقع أن تزداد أهمية الخلوي في حياتنا "العصرية" مع نجاح الجيل الثالث من الأجهزة التي تسمح بدمج بين الهاتف والإنترنت، هذا الجيل الذي لا يزال يعاني مشاكل تعود الى تردد الجمهور في تبنيها في الوقت الحالي. وداعاً للتبني الأعمى التأخر في تبني الجيل الثالث من تكنولوجيا الخلوي قد تعني بداية الابتعاد عن التبني الأعمى لمفاهيم طرحتها الشركات المنتجة للأدوات التكنولوجية، تلك التي اعتمدت في تسويق بضائعها على الترحيب بالثورة التقنية فروجت لما عرف بالإيمان بأن التكنولوجيا قادرة على تأمين الطمأنينة للمستخدم، والتفاهم بين البشر، مهما تباعدت المسافات الجغرافية التي تفصلهم. إلاّ أن المنتقدين لهذه المفاهيم يبينون أن مجتمعات افتراضية تأخذ مكان العالم الحقيقي، ويعتبرون أن هذه الأدوات - والخلوي بشكل خاص - تسهل الاتصال بين الناس، لكنها لا تطور عملية التواصل الضرورية في عصرنا هذا، اذ تكثر النزاعات والمشاكل بين المجتمعات المختلفة. ومن جهة أخرى يسهل الخلوي القدرة على الاتصال بأي فرد أينما وجد، ويحد من قدرته على الانفراد بنفسه، فيما تسهم التكنولوجيات الأخرى في وحدة الفرد. أخيراً، منذ بداية انتشار الهاتف الخلوي صدرت الدراسات التي تحذر من مخاطره وتسببه في الإصابة بمرض السرطان، وظهرت دراسات مضادة تنفي هذه الفرضية، لكن الجمهور المتلهف للآلة الجديدة لم يعر هذه الدراسات الكثير من الاهتمام، وكرس الخلوي في حياته.