تتميز الفنانة التشكيلية اللبنانية سهى صبّاغ بشخصيتها المتفردة، فهي لا تروي إلا ذاتها، بريشة واثقة لا تضاهى في تلقائيتها. والمعرض الذي تقيمه في "دار الندوة" متضمناً 45 لوحة زيتية، يعكس تنوع الموضوعات التي سارعت إلى تصويرها ليس إلا لأنها جذبت عينها، بل لأنها تعبيرية بامتياز وصاخبة بقوة تعصف بها الألوان وتتكاثف. تعرف كيف تقطف مشاعرها بلطخات لونية عريضة وحرة ومتحركة في آن واحد، تحب الحرية في العمل وتؤثر قماشة اللوحة غير الناجزة التي تحتفظ باندفاعاتها الأولى، ربما لأنها تختزن في داخلها كل الأحاسيس التي تبوح بها دفعة واحدة. كأن الفن مرآة ترى فيها نفسها، ومن خلالها نتوغل إلى عالم الأنثى الذي يشغلها. نراها تمشي وحيدة على شاطئ البحر، فيما الأمواج تصطرع من حولها وتصطخب، وحين تغيب عن موضوع اللوحة تضعنا ريشتها أمام مناظر طبيعية حارة في لونيتها، ساطعة في علاقاتها ونبراتها. فالأزرق الكوبالت يشكل مفردة من مفرداتها اللونية الأثيرة، لا سيما حين تجاوره ألوان الأرض الوعرة وما نبت فيها أو تعرش حولها من أزهار برية ومساحات خضر. هكذا يظهر من المشهد عصارته اللونية وخطوطه التأليفية البارزة. إذ تتصادم اللمسات تعلو وتهبط وتعتكر في مزاج هائج، أو تصفو وتحلم وتطمئن. فالرسامة لا ترينا مشهداً عادياً إنما تدخلنا بقوة في أحوال الرؤية وأعماقها، كي ندرك أسباب الأشياء التي تلتقي أو تتباعد، لا سيما حين ترنو بناظريها إلى البعيد، إلى أفق البحر والغيوم الرمادية الداكنة، بإحساس من يريد أن ينسى نفسه لوهلة في الحضن الدافئ للطبيعة. الجرأة هي سمة أساسية من سمات فن سهى صباغ، تلك الغجرية الجميلة بتمردها، تصفع اللوحة بلمساتها، تشحنها بطاقة غريبة، من دون أن تضع في حسبانها نتائج هذا الصفع الذي يصل إلى كثافته الخانقة، بين الرموز الغامضة سواء المعلقة أو المتدلية، أو الطافية بعشوائية، وبين الأشكال الإنسانية، تلك التي ما زالت مترسبة في مخيلتها القلقة والمتوترة. إذ أن بيروت تعني لها الكثير، هي مدينة الذكرى المؤلمة التي ترسبت في قعرها كل ذكريات الحرب، بشوارعها الكابوسية وملامح جدرانها الداكنة، التي تحمل على سطحها أشلاء الحياة. وبيروت هي أيضاً فضاؤها الحر والممتع في آن واحد، وهي مقر أحلامها ومكان عيشها. يشعر الناظر الى لوحات سهى صبّاغ، بأن الفنانة تحقق إنسانيتها عبر الفن. فهي ما وجدت سوى اللوحة مكاناً حميماً تبوح لها عن ضيقها وسأمها أو شوقها وأمكنة ذكرياتها. مع ذلك لا يجوز تصنيفها على أنها رومانسية بالمعنى التقليدي، وإنما هي تعبيرية الهوى، صادقة مع فنها، حتى حين تستسلم إلى كينونتها داخل غرفتها إنما ذلك لتكون أقرب إلى ذاتها. فهي مثل وردة تعانق ظلها، تجلس بين أشيائها المبعثرة التي تنفشها بل تفنّدها بضربات سريعة ومتحركة أقرب إلى الجري بين الأشياء كي تملأ بها فضاءها بعبثية مطلقة. هذا الإملاء لا يشي إلا بالفراغ الذي تعيشه المرأة التي تشبهها في أوقات العناق والحب. في معرض سهى صبّاغ، تختلط مسارات فنانة تختصر الطريق إلى ذاتها المسكونة بالقلق. سواء أكانت هذه الطريق تؤدي إلى مناظر من الطبيعة أو إلى خفايا مرآتها أو إلى كوابيس من ماضي الأيام الحزينة.