كان من الطبيعي ان تدخل المرأة السعودية العمل في قطاع المصارف، بعد أن برزت الحالة الملحة لذلك مع تزايد خطى المرأة نحو المشاركة في كافة قطاعات العمل، خصوصاً أن هذا القطاع يعتبر جزءاً لا يتجزأ من الحياة العصرية العملية في مختلف المجتمعات، ومع بروز وازدهار المصارف الإسلامية. غير أن عمل المرأة السعودية في هذا القطاع يبقى محدوداً بالنسبة الى قطاعات أخرى مثل الطبابة والتعليم والعمل الاجتماعي. وتفيد الاحصاءات الموجودة والمتداولة ان 20 في المئة من الاموال السعودية الموظفة في صناديق الاستثمار المشتركة تعود الى النساء، في حين يعتقد بأن أكثر من 15 بليون ريال من ثروات النساء غير موظفة في قنوات استثمارية، وإنما يحتفظ بها في حسابات جارية. ومن هنا كان لا بد للمصارف من التكيف مع هذا الواقع، فتبدي قدراً كبيراً من التقبل لتغيير مناهجها القديمة، وتدريب وتوظيف سيدات للعمل في المصارف بل واعطائهن مراكز قيادية ومؤثرة. عدد العاملات اليوم في المصارف قد لا يتجاوز المئات، لكنه في ازدياد مستمر والعديد من المصارف تعمل على تأهيل وتدريب خريجات لضمهن الى الكوادر العاملة وعلى مختلف المستويات. ومن هنا فإن اللقاء مع منى عبدالرحمن الرميزان المدير الأول للخدمات الاستثمارية للعملاء في البنك الأهلي التجاري كان مفيداً وممتعاً، وقد حضر اللقاء وشاركت في بعض جوانبه دينا عصفور مسؤولة في قسم الاستثمار ورندة خليل مديرة المنطقتين الشرقية والوسطى في البنك نفسه ومن جمعية النهضة النسائية الخيرية رندة خليل وربيعة حبيب رئيسة قسم العلاقات العامة والمتبرعين في الجمعية. ونوجه اسئلتنا الى منى عبدالرحمن الرميزان، فنبدأ بالسؤال حول نسبة النساء السعوديات للخدمات المصرفية؟ تقول الآنسة الرميزان: تزداد ومنذ خمس سنوات نسبة النساء السعوديات اللواتي يستعملن الخدمات المصرفية، وهذه النسبة ملحوظة خصوصاً بين السيدات العاملات في انحاء المملكة. غير أننا بدأنا نرى سيدات أمّيات يزرن المصارف من أجل السؤال عن خدمات مصرفية مختلفة، وهناك بعض ممن يمتلكن حسابات ولا يعرفن كتابة صك مصرفي، فتأتي الابنة أو الابن أو الصديقة لكتابته لها. هناك توعية عامة تنتشر في المملكة حول عمل المصارف وأصبحت الأخت تخبر أختها والجارة جارتها والابنة والدتها حول أهمية استعمال المصارف في ادارة واستثمار وإيداع الأموال. والواقع أن هناك نسبة عالية من السيدات المسنات اللواتي توفي أزواجهن يملكن حسابات مصرفية وبطاقات مصرفية، الى جانب اننا في البنك الاهلي وغيره من المصارف السعودية نقدم كل العون والوقت والتسهيلات لهن. واعتقد بأن وجودنا كنساء في المصارف ساعد هذه الشريحة من المجتمع وشجعها على إستخدام المصارف وخدماتها، ونرى اليوم ازدياداً ملحوظاً في إستعمال بطاقات الائتمان حتى في شراء الحاجيات المنزلية البسيطة. بالإضافة الى أننا في البنك الأهلي وبعض المصارف الأخرى نقدم الخدمات المصرفية الإسلامية، وهذا يلاقي استحساناً بين العديد من السيدات اللواتي يخفن من الربا كثيراً لأنه مخالف للتعاليم الدينية الإسلامية، بل ان العديد يعتقد بأن هناك الكثير من النساء لم يقبلن على استعمال الخدمات المصرفية في السابق خوفاً من أن لا يبارك الله أموالهن، ونحن في السعودية نطبق الصيغة الإسلامية على كافة أمورنا الحياتية. ولكن ما هي نسبة التعامل على الطريقة المصرفية الإسلامية في البنك الأهلي التجاري؟ هناك خوف داخل المملكة من أن يتهم أي مصرف بأنه يتعامل مع الربا، وأنه يتجه اتجاهاً ربوياً، لذا فإن نسبة التعامل المصرفية على المنهج الاسلامي في البنك تبلغ حوالى 90 في المئة، وهذا ما يفرضه علينا طلب الزبائن، خصوصاً أن الخدمات التي يقدمها البنك في هذا المجال ممتازة، والعميل المصرفي لا بد أن يسأل نفسه، لماذا لا استخدم هذه الخدمات المتوافرة التي ترضي ربي وعقيدتي وتخدم مصالحي أيضاً؟ والخدمة المصرفية الإسلامية لم تعد حكراً على المصارف السعودية والعربية بل تبناها "سيتي بنك" الاميركي وغيره من بنوك عالمية، لأنهم اعجبوا بهذا المنهاج المصرفي ولأنهم وجدوا انه حتى غير المتدينين يفضلون هذا المنهاج في تعاملهم المصرفي. هل تغيرت انظمتكم المصرفية بعد أحداث 11 أيلول سبتمبر؟ حصل بعض التغيير التنظيمي، وهو ان مؤسسة النقد لفتت نظرنا الى بعض التنظيمات والتشريعات التي علينا النظر فيها، وعلى أساسها احدثنا تنظيمات جديدة معينة، وهذه اشياء معلنة مثل تحديث بيانات هويات العملاء وتنظيم قوانين معينة. وهذه كنا بحاجة لها في الاساس، وربما تزامن تحديث بعض الأنظمة وتغييرها مع أحداث 11 ايلول ولم يأت بنتيجة مباشرة لها. وهذا ما حصل عالمياً وليس فقط في المملكة. البعض في العالم العربي والإسلامي لا يزال يجهل ما هي أسس التعامل المصرفي على أساس منهج البنك الاسلامي؟ المعاملات وفق الصيرفة الاسلامية هي تلك التي لا تتعاطى على أساس أي خدمة تتعلق بالفوائد الربوية، وهذا يعني أن تحاول البنوك التي تتعاطى هذا المنهج تجنب سلوك اي طريق او منهج لإدارة الأموال او تقديم أي منتج بطريقة الربا. فالطريقة يجب ان تكون شرعية إسلامية وعن طريق المرابحة من خلال الشراء والبيع بأجر، أما بالنسبة الى الحسابات الإسلامية للعملاء والتسهيلات التي نقدمها لهم فنحن نطرحها بالصبغة الإسلامية أي على أساس اسلامي، وهي مختلفة عن القرض النقدي، بل يكون القرض بشكل بضاعة، نحن نقدم له هذه البضاعة وهو يبيعها في السوق او يمتلكها، وهنا يعتبر البنك وسيطاً ما بين البضاعة والعميل. وهذه المعاملات المصرفية تخضع جميعها للقاعدة الشرعية وهي تخضع لرقابة شرعية من قبل ذوي الالمام بالعمق بها، وهؤلاء متخصصون بالمناهج الاسلامية. وهل توجد لديكم خدمات مصرفية عادية بالمفهوم العالمي لعمل المصارف في مصرفكم؟ نعم نحن لدينا خدمات متنوعة نابعة من حاجة الزبون ورغباته، ونحن نستطيع دوماً ان نخرج أي رغبة لدى الزبون بالطريقة الاسلامية بالتعاون مع الهيئة الرقابية الاسلامية، ونحن طبعاً مثل كل المصارف التسويقية الربحية، لكن من المهم تأكيد ان القوانين الإسلامية تستطيع من خلال تشريعاتها استيعاب أي منتج او خدمة يريدها العميل. هناك من يعتقد في الغرب بأن اتباع هذا الاسلوب المصرفي يصب في خانة تزمتنا الديني، فهل تعتقدين أن الغرب باتهامه وسوء فهمه لنا يشدنا نحو التعصب وردة الفعل؟ الدين يريح النفوس والتزمت والتعصب شيء آخر، وأنا أتفق معك أنهم ربما يجعلوننا نقوم بردات فعل معينة. هل تعتقدين بأن التزمت الديني يحد من مشاركة المرأة السعودية في مسيرة التنمية؟ أنا اعتقد بأنه لا تضارب بين دين المرأة المسلمة وعملها إطلاقاً، والتدين ظاهرة صحية والتمسك بالتراث الإسلامي والعقيدة يجمل ويحسن حياة الناس. وهناك العديد اليوم من الذين يعودون الى قراءة كتب الفقه والاحاديث الشريفة، وهذه جميعها تشجع المرأة على العمل والمشاركة في تنمية وطنها وأمتها. وهل تتغير نظرة الرجل والمجتمع السعودي الى عمل المرأة بطريقة جذرية؟ من دون شك، والواقع أن المجتمع اليوم بدأ يحترم ويقدر المرأة العاملة، وأنا انتمي الى أسرة ميسورة والحمد الله، لكن والدي وعمره خمسة وثمانون عاماً كان وراء دفعي الى نيل علومي ومن ثم العمل، وهو يشجعني دوماً على حضور الدورات التدريبية في المملكة وخارجها لتطوير قدراتي في العمل، كما يحرص على مثابرتي ومواظبتي على عملي وبكل اندفاع أكثر مني. وأعتقد بأننا جميعاً انا واخواني استمدينا حب العمل من الوالد، ولقد سمح لي باستقلالية تامة فكرياً ومادياً، وأنا اعمل للمساهمة في بناء وطني ولحاجة شخصية. تقولين ان شقيقك او احد اقربائك يرافقك لحضور دورات تدريبية او اجتماعية في الخارج، فكيف ينظر زملاؤك الغربيون الى هذا الواقع؟ هناك فجوة كبيرة بيننا وبين الغرب، هناك فجوة حضارات، وهم ينظرون الينا، وهم على خطأ طبعاً على أساس أننا لا نزال نعيش في القرن السابع عشر، وأنا لا أخجل ابداً من ان يرافقني شقيقي الى أي مؤتمر او ندوة وهو لا يحضرها بل يرعاني ويهتم بي. والعديد من الغربيين يعجبون بطريقتنا في الرعاية وبعضهم الآخر يحسدنا، وهناك من لا يفهمها ولا يقبلها. لكنني ملتزمة بقوانين اسرتي، وليس بقوانين المجتمع، وأعتبر ان التقاليد والعادات التي ليس لها جذور في الدين والشريعة ستتغير شيئاً فشيئاً وبهدوء وبطء. وما تجده المرأة السعودية من دعم من الوالد والوالدة والاخوة والأهل عموماً لدورها كإمرأة عاملة يتزايد كل يوم، وأنا اتحدث هنا من تجربة شخصية حيث تقدم لي عائلتي كل الدعم والتفهم والثقة. ما هي نسبة أهمية ان تستطيعي قيادة سيارة؟ طالما نحن في مجتمع مرفه فإن قيادة السيارة تعتبر حاجة ثانوية، وأنا أتمنى ان استطيع قيادة السيارة من اجل تمتعي بالخيار ومن أجل الحصول على حرية في التنقل. قيادة السيارة عنصر عملي وحاجة في حياة الإنسان، ولكن لدى المرأة السعودية مطالب أهم تريد تحقيقها قبل قيادة السيارات. اعداد بارعة علم الدين