لا يمكن لأي كاتب في موضوع اللاجئين الفلسطينيين واستراتيجية الحفاظ على حق العودة إلا أن يشير إلى خطورة إعلان بوش الأخير حول ضرورة تنازل الفلسطينيين عن حق العودة. فهذا الوعد اعتبره الفلسطينيون بمثابة وعد بلفور جديد، من حيث إعطاء من لا يملك لمن لا يستحق، وكذلك من حيث غياب الطرف الفلسطيني صاحب الحق الأصلي عن نطاق هذه الوعود وكأن هذا الشعب لا علاقة له بما يترتب عليها من إجحاف وظلم هائل سيلحق به. وبغض النظر عن الخلفيات التي دفعت برئيس أكبر دولة في العالم ليتنازل عن الحقوق الشرعية المقرة للشعب الفلسطيني من قبل القانون الدولي والأممالمتحدة وقوانين حقوق الإنسان، يبقى أن مثل هذا الإعلان يشكل طعنة في الظهر بالنسبة للشعب الفلسطيني، ودعما قويا للرؤية الصهيونية في ما يتعلق بحق العودة للاجئين الفلسطينيين. وظلت النظرة الاسرائيليّة المتعلّقة بحلّ مشكلة اللاجئين الفلسطينيين واحدة في جوهرها ولم يطرأ عليها تغيير كبير منذ إنشاء الكيان الصهيوني وحتى اليوم. وقامت هذه النظرة خلال ما يقرب من الستة عقود الماضية على عدم اعتراف إسرائيل بخلق المشكلة وأنها بالتالي غير معنية بعودة اللاجئين، وأن الواقع السياسي والديموغرافي الذي نشأ في فلسطين وتشتت اللاجئين على رقعة جغرافية واسعة في العالم يتطلّب حلاً دوليّاً قائماً على توزيع اللاجئين الفلسطينيين ككتل بشريّة على دول عدّة على شكل حصص مع ضمان إسرائيل بأن يكون لها الحظ الأقل في أن تكون الوجهة الأساسيّة لاستيعاب أعداد كبيرة منهم. وعليه حرصت الدولة العبريّة على شنّ حرب إعلاميّة ديبلوماسيّة على مصطلح حقّ العودة باعتبار ما يمثّل من بعد قانوني يستند إلى المواثيق الدوليّة لحقوق الإنسان وقرارات الأممالمتحدة المتعلّقة باللاجئين في العالم عموماً والفلسطينيين منهم خصوصاً. وأدّى الإجماع الفلسطيني على التمسّك بكلّ الحقوق وعلى رأسها حق العودة إلى تماسك الجبهة العربيّة في وجه النظرة الإسرائيليّة وحتّى بعد إسقاط النهج الثوري المسلّح خياراً وحيداً لتحرير فلسطين من أجندة قوى منظمة التحرير الفلسطينيّة وكذلك طرح البرنامج المرحلي عام 1974 ولاحقاً إعلان الدولة الفلسطينيّة عام 1988 ظلّ حقّ العودة الفلسطيني ثابتاً أساسياً متبنى في الأجندة السياسيّة الفلسطينيّة الرسميّة، وانسجم هذا مع الاجماع الفلسطيني الشعبي على هذا المبدأ الذي لم تعط مؤشرات قياس الرأي العام الفلسطيني بخلافه. ومع دخول المنطقة حقبة أوسلو وسيادة صرعة ما يعرف بالواقعيّة السياسيّة في المنطقة القائمة على عدم القدرة على مواجهة أميركا باعتبارها القطب الأوحد في العالم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وهزيمة العراق في حرب 1991، انقلبت المفاهيم السياسيّة وأصبح كلّ شيء قابلاً للأخذ والردّ بما فيها الثوابت والحقوق المسلّم بها. وفي ما يتعلّق بالحقوق الفلسطينيّة وعلى رأسها حق عودة اللاجئين إلى ديارهم اقترب الطرف الفلسطيني الرسمي إلى وجهة النظر الإسرائيليّة شيئاً فشيئاً بدءاً بعدم تثبيت حق العودة في اتفاق أوسلو والتحجج بتأجيله إلى المفاوضات النهائيّة وانتهاء بالتوقيع على ما يعرف بوثيقة جنيف الموقع عليها في كانون الاول ديسمبر من العام الماضي من جانب قيادات فلسطينيّة رسميّة وشبه رسميّة مع شخصيّات من قوى اليسار الإسرائيلي. والحقيقة الواضحة من هذه الوثيقة هي أن الموقف الفلسطيني تماهى مع الموقف الإسرائيلي إلى حدّ التماثل. ومن الضروري ملاحظة أن اللاجئ الفلسطيني قد أُعطي جانب الاختيار لمكان السكن الدائم ولكن في سياق محدد ومضبوط بالإرادة الإسرائيليّة الرافضة لعودته إلى قريته ومدينته التي هجر منها باعتبار ذلك تهديداً للهويّة اليهوديّة للدولة. وننطلق من هنا لتأكيد حقيقة أن الشعب الفلسطيني أنجز في العقود الماضية تثبيتاً لمبدأ استحالة تجاوز حق العودة فكان أن أجبر واضعو الحلول "الخلاّقة" على التحايل على هذه النقطة بالذكر الشكلي للحق وإعطاء حقّ الاختيار الإنساني كبعد أساسي في الحل. ويستنتج من هذا أن ردّ الفعل الشعبي والجماهيري أصبح يحسب له حساب لدى صانعي القرار بخاصة بعد تجربة الانتفاضة الأولى والثانية التي خلطت الأوراق في المنطقة وعطلت اتفاقات كثيرة. وتجلّى ذلك في أوضح صورة كيف تمكّن الردّ الجماهيري العربي والعالمي غير المتوقّع على اغتيال الشيخ أحمد ياسين من خلط كلّ الأوراق حتى غدا أحد أسباب عجز القمة العربيّة عن الانعقاد أنها لا تستطيع أن تجاري الغضب الجماهيري الفلسطيني والعربي. في ظلّ تراجع الموقف الرسمي الفلسطيني والعربي عن التمسّك بالحقوق، يبرز دور مؤسّسات المجتمع المدني كأحد الضمانات الأساسيّة التي يمكن أن تساهم في تقوية الصفّ الفلسطيني والمساهمة في بقاء الحقوق حية لحين تغيّر الظرف السياسي العام على الصعيد الدولي لمصلحة الشعب الفلسطيني وهذا غير مستبعد إذا ما استحضرنا أن موازين القوى قابلة للتغيير ولا تثبت على حال. ولكن كيف يمكن للمؤسسات الاهلية، خصوصاً لجان حقّ العودة منها، أن تحقق تماسكاً شعبيّاً فلسطينيّاً في ظل التشرذم والتفكّك في الساحة على الصعيد الرسمي وعدم بروز تيار المعارضة السياسيّة - حتى الآن - كمؤهّل لأخذ زمام المبادرة وترتيب البيت الفلسطيني والعمل على بقاء الحقوق من دون التنازل عنها؟ نعتقد أن إنجاز مثل هذه المهمّة العظيمة لما يعرف بمؤسسات المجتمع المدني لا يتأتى إلاّ بالسير ضمن استراتيجيّة واضحة المعالم تتجنّب العشوائيّة. ومن المفارقات أن كاتب هذه السّطور لاحظ وهو يدرس ما يمكن أن تضطلع به المنظّمات الأهليّة أنّ الكلمة الرئيسيّة في معظم بنود ما يمكن أن يصطلح عليه باستراتيجيّة الحفاظ على حقّ العودة قد بدأت بحرف "التاء". فابتداء بالتخطيط السّليم القائم على تحديد الهدف الرئيس للاستراتيجيّة والمتمثّل بالتمسّك بكلّ الحقوق الفلسطينيّة وعلى رأسها حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى قراهم ومدنهم التي هجروا منها، وهذا مقترن بالوضوح التام بأن الحق كل لا يتجزّأ وأن اللاجئ الفلسطينيّ صاحب حق وليس مفاوضاً وبالتالي فهو غير معني بتفاصيل الحلول السياسيّة وتعقيداتها. ولعلّ ذلك يمكن أن يكون سلاحاً سياسيّاً قويّاً للمفاوض الفلسطيني إذا ما أراد استخدامه لجهة تحصّنه بالإجماع الشعبي الفلسطيني على التمسّك بحقّ العودة وعلى عدم إمكان تجاوز الرغبة الشعبيّة الجامحة. ولا بأس أن نتأسّى بالمفاوض الإسرائيلي في هذا المجال، الذي دائماً ما يتذرّع بالإجماع الإسرائيلي الشعبي على رفض عودة اللاجئين الفلسطينيين حتى بات العالم الغربي الرسمي مقتنعاً بهذه الرؤية، ويدلّل على ذلك ما تضمنه التقريران اللذان صدرا عن لجنة الأزمات الدوليّة ووزارة التنمية البريطانية في شكل منفصل ومن قبلهما ورقة كلينتون في ما يتعلّق بموضوع اللاجئين كمؤشّرات واضحة على التبنّي الغربي لمفهوم تجاوز حقّ عودة اللاجئين الفلسطينيين والبحث في المقابل عن أيّ حلول بديلة من قبيل التوطين. ولا بدّ من توحيد المفاهيم لدى المؤسّسات الأهلية أن حقّ العودة ليس مقروناً بجيل واحد وبالتالي فبعد النظر مطلوب وحيوي في رسم خطة مرحليّة للتعامل مع التقاطعات والتعقيدات السياسيّة القائمة في المنطقة والعالم. وهنا نعتقد أن المفاوض الفلسطيني أخطأ في بناء استراتيجيته التفاوضيّة على حل القضيّة الفلسطينية خلال الحقبة الزمنيّة الحاليّة وهذا ما اضطرّه إلى تقديم تنازلات واضحة وخطرة هو نفسه يعترف ببعضها. ومرّة اخرى نستدعي المثال الصهيوني في تحقيق أهداف بعيدة المدى ضمن استراتيجيّة مرحليّة تحافظ على بقاء الهدف الاستراتيجي حتى تتوافر الظروف وعناصر القوّة له للتحقّق. ولذلك نرى أنّ الفاصل الزمني بين انعقاد المؤتمر الصهيوني الأوّل في بال أواخر القرن 19 وإقامة الدولة العبريّة 50 سنة... ويتبع التخطيط السليم التنظيم الدقيق لمجمل أعمال وأنشطة الدفاع عن حق العودة باتباع نهج العمل المؤسّسي وهذا يضمن حسن الترتيب وتكوين مرجعيّات لأبناء الشعب الفلسطيني تضبط إيقاع حركة حق العودة. ومن أهم أولويات هذه المؤسّسات الاستفادة من التجارب الماضية سواء على الصعيد الرسمي في ما يعرف بالتوثيق وهذا ينسحب على الأعمال اللاحقة لهذه المؤسّسات بما يضمن توريث التجربة للأجيال المقبلة. ولا نتردّد في القول إنّ ضعف الأداء العام للمؤسسات الفلسطينية في العقود الماضية على كل المستويات مردّ بعضه إلى اختزال العمل بشخص واحد هو الحاكم بأمره في كل التفاصيل من دون تسجيل أو توثيق، فإذا غاب أو غُيّب انتهت التجربة وفقد الشعب هذا الرصيد من العلاقات والتجربة مما يصعب تعويضها أو حتى البناء عليها. ومن الخطوات التي يمكن ان تعكس ارتقاء في العمل انتشار ثقافة التقويم الدوري للعمل بما فيه من مراجعة جادة لما يمكن أن يكون ارتكب من أخطاء، ولا نبالغ في أن هذه الثقافة تكاد تكون معدومة في تجربة العمل الوطني الفلسطيني في الفترة الماضية وهذا ما أوقعها في أخطاء استراتيجيّة لاحقاً. فهل يعقل على سبيل المثال أن يمرّ الفلسطينيّون بتجربة حرب ال70 في الأردن ثم الحرب اللبنانيّة في السبعينات والاجتياح الإسرائيلي للبنان في 1982 وما تلاه من حصار لبيروت وخروج لقوات الثورة الفلسطينيّة إلى المنافي وبعد ذلك حرب المخيّمات في أواسط الثمانينات من دون الوقوف وقفة قياديّة جادة يستكشفون فيها الاخطاء التي ارتكبت والأشخاص الذين تسبّبوا فيها، لنجد بعد هذه الفترة أن الشخصيّات التي كانت تتصدّر العمل في أواخر الستينات ما زالت تتحكّم في مفاصل صنع القرار في مساحات متعدّدة إن على صعيد الفصائل أو على المستوى الشعبي. ولا يمكن للمؤسّسات الأهليّة إن أرادت سلامة الطريق إلاّ أن تتجاوز مثل هذه العيوب. وبانتهاج موازٍ لهذا وعملاً بمبدأ الشفافيّة ومن أجل كسب التأييد الجماهيري، لا بدّ من اتباع سياسة المكاشفة عن مصادر المال الذي يجمع لمصلحة المشاريع الخاصّة بالمؤسّسات وبيان مجالات الصرف حتى تتحقّق التفاتة جماهيريّة مطمئنّة لهذه الأعمال، ولا أظنّنا في حاجة إلى طويل تفصيل في أهميّة مثل هذه المبادرة. ثمّ تبدأ الخطوات العمليّة في الحرص على التنسيق في الأصعدة كافة لمجمل الأنشطة والأعمال بخاصّة مع امتلاء ساحة العمل الفلسطيني باختلاف الجغرافيا بالمؤسّسات التي تعمل لمصلحة القضيّة وليس بالضرورة أن تكون فلسطينيّة. ومما يعين على التنسيق المحكم هو انتشار روح التجرّد والتعاون تحت راية الدفاع عن حق العودة وانتفاء عامل التحيز للشخص أو للمؤسسة أو للحزب حتى ندخل في دائرة التنافس الشريف البناء. وهنا نستحضر التجربة الرائدة في تنسيق أهلنا داخل فلسطين لأعمال انتفاضة الأقصى والذي انعكس إيجاباً على نجاح الفعاليات وأعطى ثماره على الصعيد الإقليمي والدولي وبلغ ذروته في إعلان فصائل المقاومة إعطاء هدنة من طرف واحد حافظوا عليها ولم يخرقوها شهوراً عدّة. ونشير أيضاً إلى أهمية التواصل بين قطاعات الشعب الفلسطيني في المخيمات سواء في الداخل أو الخارج وكذلك مع قطاعات فلسطينيي المهجر، ومن شأن ذلك أن يسهّل تدفّق المعلومات وكشف المعاناة المتبادلة ويسهم في إقامة حملات تضامنيّة مشتركة ويوحّد مضمون الرسالة السياسيّة. وهذا يدخلنا في دائرة تطوير الخطاب السياسي من قبل المؤسّسات الأهلية في موضوع حق العودة بما يضمن عدم الفصل بين البعد السياسي والإنساني وتجنّب الدخول في الحلول مع التركيز على البعد القانوني لحقّ العودة. ويجب أن تعطى الأولوية للإعلام السياسي لدى المؤسسات المدافعة عن حق العودة مع وعينا بمحدوديّة سقفها كمنظّمات غير حكوميّة. والدافع لهذا أنّ عدم ظهور صوت اللاجئ وتأكيده على تمسّكه بحقّه يؤدّي إلى استفراد الأقليّة التي تدّعي التمثيل الحقيقي لآراء الشعب. أمّا في مضمون ما يطرح فإنّ تجنّب طرح موضوع الاستفتاء من القاموس السياسي للجان حقّ العودة ملحّ. فالصفة الفرديّة والجماعية المتلازمة لهذا الحقّ تحول دون أن يكون الاستفتاء مطروحاً لا على المستوى القانوني ولا السياسي إذا ما تكاتف الشعب على رفض طرحه. وتأتي في المجال نفسه أهمية تسليط الضوء على نقاط الضعف - وهي كثيرة - في مضامين الطرح الإسرائيلي لموضوع اللاجئين وبدء المؤسّسات الفلسطينيّة في تفنيدها وترتيب برامج إعلاميّة ونقابيّة وتعبويّة لإظهار مدى عدم قانونيّتها ولا صحّتها. ويأتي قانون العودة الإسرائيلي العنصري على رأس القائمة في هذا السياق لما له من خطر كبير في إدامة الصراع وبقاء اللاجئين الفلسطينيّين بعيدين عن أرضهم ويكاد هذا القانون أن يكون فريداً في عنصريّته وعدم منطقيّته على صعيد قوانين الاستيعاب البشري في العالم. ونسجّل هنا استغرابنا الشديد إلى عدم تطرّق المفاوض الفلسطيني لهذه النقطة وغيرها خلال أكثر من 15 سنة منذ انعقاد مؤتمر مدريد. وفي دائرة المضامين والمفاهيم أيضاً فإنّ ترويج شعارات ذات مغزى سياسي قصيرة وقابلة للتسويق في العالم من شأنه ان يرسّخ الحقّ الفلسطيني. وفي طور إرجاع الفضل لأهله نذكر للجان حقّ العودة في أميركا تبنّيها لمصطلح "عودة" في ادبياتها باللغة الإنكليزيّة بل واعتماده اسماً لها حتى بدأ هذا المصطلح يدخل قواميس اللغات العالميّة كما ترسّخ مصطلحا "النكبة" و"الانتفاضة". وفي حقل برامج العمل الممكنة يأتي تبنّي حملات الضغط من أجل التأثير في صنّاع القرار في ما يتعلّق بموضوع اللاجئين والحيلولة دون التفريط في الحقوق، وحلقات التأثير هنا لا تقتصر على الوسط الفلسطيني بل تتعداه إلى البعدين العربي والدولي. وتسبق هذه البرامج توعية سياسيّة بين أبناء المخيّمات للوصول إلى وعي بأهمية دورهم وما لهم من حقوق يجب ألا يتنازلوا عنها مع التركيز على عدم التمييز في التطبيقات الميدانيّة بين عمر ولا جنس. ومن شأن نجاح مثل هذه الحملة الوصول إلى حالة تقريع في الوسط الفلسطيني على كل من يتجرّأ على الادعاء بأنّ الشعب الفلسطيني غير معني بالعودة. وقد برز شيء من هذا ضدّ أصحاب وثيقة جنيف ومن قبلها استطلاعات الرأي المزعومة. ومن شأن النضوج في فكر المؤسّسات وحركتها الناشطة الوصول إلى حالة ترشيد لمسار الفصائل الفلسطينيّة التي تتبنّى في أجندتها التمسّك بحقّ العودة، لأنّه يسع هذه المؤسّسات في مجالات الحركة ما لا يسع بعض الفصائل بخاصّة التي تتبنّى برنامج المقاومة المسلّحة بل وتمارسه. ومن قبيل التمثيل فإنّ إرسال خطابات تتعلّق بالتمسّك بحقّ العودة من قبل المؤسّسات الأهليّة إلى الفصائل الرئيسيّة الفلسطينيّة التي اجتمعت في القاهرة لإجراء حوارات وطنيّة كان يمكن أن يعكس، لو حصل، انسجاماً بين الجميع على التمسّك بالحقوق. ولتحقيق ديمومة نقاء الفكر وبخاصّة حقّ العودة لا بدّ من الاهتمام بالأجيال الجديدة وضمان انتشار ثقافة الارتباط بالوطن ضمن منهاج تربوي تعبويّ موجّه. ومن البرامج التي تيسّر هذه المهمّة ما يعرف بعمليّة إحياء الذاكرة وحفظ التاريخ الفلسطيني الشفوي منه والمكتوب. وهذا يقودنا إلى اغتنام فرصة يمكن أن تفوت وهي وجود جيل النكبة قائماً بين ظهرانينا والذي تعدّ نسبته الآن من 11 إلى 13 في المئة من إجمالي التعداد العام للشعب الفلسطيني. ويذكّرنا هذا بأهميّة انخراط أغنياء فلسطين بالمشاريع الوطنيّة ودورهم الحيوي في دفعها لكي ترى النور، مع عدم إنكار إسهام بعضهم في مشاريع بنّاءة خلال عمر القضيّة. ومما يخدم هذا الخطّ إطلاق حملة ترشيد لطلبة الثانويّات والجامعات وطلاب الماجستير والدكتوراه من الراغبين في دراسة العلوم الإنسانيّة في أن ينكبّوا على البحث في القضايا المذكورة. وهو ما يمكن أن يساهم في إتمام تسجيل كلّ ما هو مؤهّل للحفظ من تراث ثقافي وحاجيات عينيّة ويرفع من معنويات الأجيال المقبلة ويسهم في رسم شخصيّتها الوطنيّة وانتمائها لفلسطين. وللمؤسّسات دور أيضاً في تبنّي الباحثين المتميّزين والعمل على نشر أعمالهم وتسويق أفكارهم المتعلّقة بحقّ العودة، ويوازي هذا تأهيل للكادر المتخصّص الذي يمكن أن ينتج قيادات قادرة وصالحة لكي تنقل أفكار الشعب الفلسطيني وآراءه بأمانة ودقّة. ويصحب هذا بلا شكّ الانفتاح على تكنولوجيا العصر وهذا يسهّل التاثير في الرأي العام العالمي. ودعّم هذا مع الانفتاح الإعلامي وثورة الفضائيّات نقل صورة ما يجري في فلسطين للعالم مما أدّى إلى تغيّر دراماتيكي في الرأي العام العالمي تجاه القضيّة، مما جعل إسرائيل تصبح الخطر الأكبر الذي يهدّد السّلام العالمي عند معظم الأوروبيّين. وباعتبار انّ الشعب الفلسطيني كتلة واحدة فإن تسليط الضوء على معاناة فلسطينيي 48 والتواصل معهم وإقامة مشاريع مشتركة يمكن أن ترفع من معنوياتهم وتظهر الفلسطينيّين كلحمة واحدة. يبقى أن نشير إلى أنّ لجان حقّ العودة في الغرب عليها مجهود مضاعف بسبب الانفتاح السياسي وكون إظهار أبناء الشعب الفلسطيني في الغرب لتمسّكهم بحق العودة فيه كسر لوجهة النظر الإسرائيليّة الرامية إلى إظهار عدم اكتراث فلسطينيي الغرب بالعودة. وفي هذا السياق ينبغي تكثيف عقد المؤتمرات والملتقيات التي تجسّد الانتماء للوطن على شاكلة المؤتمر المنوي عقده في برلين في منتصف أيار مايو المقبل، بدعوة مشتركة من مركز العودة الفلسطينيلندن والجالية الفلسطينيّة في برلين. وننهي بأنّ الشعب الفلسطيني نجح في هزيمة الاستراتجية الاسرائيليّة القائمة على أنّ تشريد الشعب الفلسطينيّ في أصقاع العالم سيؤول إلى أن تكون القضيّة في طيّ النسيان، فانقلب السّحر على السّاحر وأضحى اختلاف الظروف الجيوسياسيّة لدى التجمّعات الفلسطينيّة سبباً رئيسيّاً في خلق مساحات صالحة للعمل مما رفع من نسبة نجاح أيّ خطّة شاملة للتمسّك بهذا الحقّ. * مدير مركز العودة الفلسطيني - لندن