- 1 - كان عبدالله بن عبيدالله ابن أبي مليكة من فقهاء التابعين، وقضاة المسلمين، وكان يلي قضاء الطائف لعبدالله بن الزبير، وقد روى عن ابن عباس رضي الله عنهما، ومن مروياته عنه أنه قال: "صحبت ابن عباس - يعني في السفر - فإذا نزلَ قامَ شطر الليل يصلي، ويرتل القرآن حرفاً حرفاً، ويكثر في ذلك من النشيج والنحيب"، ومع أن ابن أبي مليكة كان ورعاً فقد قرض الشعر الغزلي ومنه قوله: مَنْ عَاْشَ فِي الدُّنْيَاْ بِغَيْرِ حَبِيْبِ فَحَيْاْتُهُ فِيْهَاْ حَيَاْةُ غَرِيْبِ مَاْ تَنْظُرُ الْعَيْنَاْنِ أَحْسَنَ مَنْظَراً مِنْ طَاْلِبٍ إِلْفاً وَمِنْ مَطْلُوْبِ مَاْ كَاْنَ فِيْ حُوْرِ الْجِنَاْنِ لآدَمٍ - لَوْ لَمْ تَكُنْ حَوَّاْءُ - مِنْ مَرْغُوْبِ قَدْ كَاْنَ فِي الْفِرْدَوْسِ يَشْكُوْ وحْشَةً فِيْهَاْ وَلَمْ يَأْنَسْ بِغَيْرِ حَبِيْبِ. - 2 - قال الإمام الذهبي في كتاب العبر في خبر من غبر: "وفي سنة اثنتين وعشرين وأربعمئة للهجرة/ 1031م تفاقم أمر العيّارين وتعثّر أهل بغداد وأقام التجار على المبيت في الأسواق، ثم نقبوا دار السلطنة وأخذوا منها قماشاً"، وذكر الذهبي وفيات المشاهير في تلك السنة، ومنهم: القاضي عبدالوهاب بن علي بن نصر أبو محمد البغدادي المالكي أحد الأعلام، وهو قد سمع من عمر بن سنبك وجماعة من العلماء غيره، وقد تفقه: القاضي البغدادي المالكي على ابن القصّار وابن الجلاب، ورأى أبا بكر الأبهري، وانتهت إليه رئاسة المذهب المالكي، وشهد بسعة علمه الفقيه الأصولي أبو إسحاق الشيرازي الذي قال: سمعت كلامه في النظر، أي الجدل، وكان فقيهاً متأدباً شاعراً له كتُبٌ كثيرة في كل فن، وأكد الذهبي: إنه عاش ستين سنة". وقال الخطيب البغدادي: لم ألق في المالكية أفقه منه، وُلِّيَ القضاء، وتحوّل في آخر أيامه إلى مصر فمات بها في شعبان سنة 422 ه/ 1031م، وكان سبب هجرته انتشار الفقر وكساد العلم في بغداد، وقد عبّر عن ذلك بقوله: بَغْدَاْدُ دَاْرٌ لأَهْلِ الْمَاْلِ طَيِّبَةٌ وَلِلْمَفَاْلِيْسِ دَاْرُ الضّنْكِ وَالضِّيْقِ ظَلَلْتُ حَيْرَاْنَ أَمْشِيْ فِيْ أَزِقَّتِهَاْ كَأَنَّنِيْ مُصْحَفٌ فِيْ بَيْتِ زِنْدِيْقِ ومن شعر القاضي عبدالوهاب المالكي: مَتَّىْ يَصِلُ الْعِطَاْشُ إِلَى ارْتُوَاْءٍ إِذَا اسْتَقَتِ الْبِحَاْرُ مِنَ الرَّكَاْيَاْ وَمَنْ يُثْنِي الأَصَاغِرَ عَنْ مُرَاْدٍ وَقَدْ جَلَسَ الأَكَاْبِرُ فِي الزَّوَاْيَا وَإِنَّ تَرَفُّعَ الْوُضَعَاْءِ يَوْماً عَلَى الرُّفَعَاْءِ مِنْ إِحْدَى الرَّزَاْيَا إِذَا اسْتَوَتِ الأَسَاْفِلُ وَالأَعَاْلِيْ فَقَدْ طَاْبَتْ مُنَاْدَمَةُ الْمَنَاْيَاْ ولما خرج من بغداد هرباً من الفقر، وخرج أهلُها لوداعه وهم يبكون ويعولون كان يقول: والله يا أهل بغداد، لو وجدت عندكم رغيفاً كل يوم ما فارقتكم وينشد: سَلاْمٌ عَلَىْ بَغْدَاْدَ فِيْ كُلِّ مَوْطِنٍ وَحَقٌّ لَهَاْ مِنِيْ سَلاْمٌ مُضَاْعَفُ فَوَاللهِ مَاْ فَاْرَقْتُهَاْ عَنْ قِلىً لَهَاْ وَإِنِّيْ بِشَطَّيْ جَاْنِبَيْهَاْ لَعَارِفٌ وَلَكِنَّها ضَاْقَتْ عَلَيَّ بِأَسْرِهَاْ وَلَمْ تَكُنِ الأَرْزَاْقُ فِيْهَاْ تُسَاْعِفُ وَكَاْنَتْ كَخِلٍّ كُنْتُ أُهْوَىْ دُنُوَّهُ وَأَخْلاْقَهُ تَنْأَىْ بِهِ وَتُخَاْلِفُ ومن شعره الغزلي الذي يستخدم فيه لغة الفقهاء ومصطلحاتهم قوله: وَنَاْئِمَةٍ قَبَّلْتُهَاْ فَتَنَبَّهَتْ وَقَاْلَتْ تَعَاْلَوْا وَاطْلُبُوا اللِّصَ بِالْحَدِّ فَقُلْتُ لَهَاْ إِنِّيْ فَدَيْتُكِ غَاْصِبٌ وَمَاْ حَكَمُوْا فِيْ غَاْصِبِ بِسِوَى الرَّدِ خُذِيْهَاْ وَكُفِّيْ عَنْ أَثِيْمٍ ظُلاْمَةً وَإِنْ أَنْتِ لَمْ تَرْضَيْ فَأَلْفاً عَلَى الْعَدِّ فَقَاْلَتْ قِصَاْصٌ يَشْهَدُ الْعَقْلُ أَنَّهُ عَلَىْ كَبِدِ الْجَاْنِيْ أَلَذّ مِنَ الشَّهْدِ فَبَاْتَتْ يَمِيْنِيْ، وَهْيَ هَمْيَاْنُ خَصْرُهَا! وَبَاْتَتْ يَسَاْرِيْ وَهْيَ وَاْسِطَةُ الْعقْدِ فَقَاْلَتْ: أَلَمْ تُخْبِرْ بِأَنَّكَ زَاْهِدٌ؟ فَقُلْتُ: بَلَىْ مَاْ زِلْتُ أَزْهَدُ فِي الزُّهْدِ - 3 - عاش أبو السعادات المعروف بالبهاء السنجاري في عهد الخلافة العباسية، وكانت وفاته سنة 622ه / 1225م، والسنجاري هو أسعد بن يحيى بن موسى السنجاري نسبة إلى سنجار، وقد دَرَسَ في مدينة الموصل وبغداد، وكان فقيهاً شافعياً، ولكن غلب عليه الشعر، فأطرب الألباب بحلاوة ألفاظه، وبراعة معانيه، وحُسْنِ أسلوبه، فرقَّصَ القلوب بقصائده، وطاف في البلدان، وطرق أبواب فنون الشعر، فتغزل بالحسناوات، ومدح الملوك والأمراء، ومن شعره مطلع غزلي في قصيدة يمدح بها السلطان صلاح الدين الأيوبي يقول فيها: جَرَّدْت من فَتكاتِ لَحْظِك مُرهَفَاْ وهَزَزْت مِن لِيْنِ الْقَوامِ مُثَقَّفَاْ وَجَلَبْت مِنْ رَوْضِ الْخُدُوْدِ شَقَاْئِقاً وَأَدَرْت مِنْ خمرِ اللَّوَاحِظِ قَرْقَفَاْ وَجَرى بِيَ الأَمَلُ الطَّمُوْحُ فَأَمَّ بِيْ سُلْطَاْنَ أَرْضِ اللَّهِ طُراً يُوْسُفَاْ مَوْلىً لَهُ فَي كُلِّ يَوْمٍ يُجْتَلَىْ مِلْكٌ يُجَدَّدُ أَوْ مَلِيْكٌ يُصْطَفَىْ ومن شعر البهاء السنجاري قصيدة يقول فيها: وَهَوَاْك مَا خَطَرَ السُّلُوُّ بِبَاْلِهِ وَلأَنْت أَعْلَمُ فِي الْغَرَاْمِ بِحَاْلِهِ وَمَتَىْ وَشَىْ وَاْشٍ إِلَيْكِ بِأَنَّهُ سَاْلٍ هَوَاْكِ فَذَاْكَ مِنْ عُذَّاْلِهِ أَوَ لَيْسَ لَلْكَلِفِ الْمُعَنَّىْ شَاْهِدٌ مِنْ حَاْلِهِ يُغْنِيْكِ عَنْ تَسْآلِهِ جَدَّدْتِ ثَوْبَ سُقَاْمِهِ، وَهَتَكْتِ سِتْرَ غَرَاْمِهِ، وَصَرَمْتِ حَبْلَ وِصَاْلِهِ أَ فَزَلَّةٌ سَبَقَتْ لَهُ أَمْ خِلَّةٌ مَأْلُوْفَةٌ مِنْ تِيْهِهِ وَدَلاْلِهِ - 4 - كانت رابعة العدوية من مشهورات النساء، وقد ذكر الكُتاب أشياء كثيرة عن عِلمِها وكشفها وشهودها وما إِلى ذلك، وقيل: إنّ سفيان الثوري كان يطرح مسائله على رابعة العدويّة، وكان يتعظ بمواعظها. وقيل إن اسم رابعة يعود إلى أنها ولدت بعد ثلاث بنات لأبيها، وعاشت في البصرة خلال القرن الثاني الهجري، وقد عمرت حوالى ثمانين سنة. وقيل: إنّ سفيان الثوري قال لها: صِفِيْ لي درجةَ إيمانِكِ واعتقادِكِ باللَّه جلَّ وعَلا. فقالت رابعة العدوية: إنّي لا أعبُدُ اللَّه شَوقاً إِلى الجنّة، ولا خوفاً من جهنم، وإنّما أعبدُهُ لكمالِ شوقي إليه، ولأداءِ شرائط العبوديّة. وبعد ذلك أنشدتْ : اُحِبُّكَ حُبَّيْنِ حُبَّ الْهَوَىْ وحُبّاً لأنَّكَ أَهْلٌ لِذَاْكَ فَأَمّا الذي هُو حُبُّ الْهَوى فَشُغْلِيْ بِذِكْرِكَ عَمّنْ سِوَاكَ وَأَمَّا الذي أَنْتَ أَهْلٌ لَهُ فَحُبٌّ شُغِلتُ بِهِ عَنْ سِوَاْكَ فَلا الْحَمْدُ فِيْ ذَاْ وَلاْ ذَاْكَ لِيْ وَلَكِنْ لَكَ الْحَمْدُ فِيْ ذَاْ وَذَاْكَ وبالغ مُحبو رابعة العدوية في سعة علمها، فقالوا: إنّه حينما توفّي عنها زوجها أراد الحسنُ البصري أن يتزوج بها، فَطَرَحَتْ رابعةُ أسئلةً على الحسن البصري، وعَجِزَ الحسنُ عن الجواب، فحينما رأتْ رابعةُ خُلُوَّ الحسن البصري عن تلك المعارف التي تبحثُ عنها امتنعت عن قَبُوْلِ طلبه، وأرسلتْ إِليه الأبيات الآتية: راحَتِيْ يَا أُخْوَتِيْ في خَلْوَتِيْ وَحَبِيْبِيْ دَاْئِماً في حَضْرَتِيْ لَمْ أَجِدْهُ عَنْ هَوَاهُ عِوَضاً وَهَوَاْهُ فِي الْبَرَاْيَاْ مِحْنَتِيْ حَيْثُمَا كُنْتُ أُشَاْهِدْ حُسْنَهُ فَهوَ مِحْرَاْبِيْ إِليهِ قِبْلَتِيْ إِنْ أَمُتْ وَجْداً وَمَاْ ثَمَّ رِضاً وَاْ عَنَاْئِيْ فِي الْوَرَىْ وَاْ شَقْوَتِيْ يَاْ طَبِيْبَ الْقَلْبِ يَاْ كُلَّ الْمُنَىْ جُدْ بِوَصْلٍ مِنْكَ يُشْفِيْ مُهْجَتِيْ يَاْ سُرُوْرِيْ وَحَيَاْتِيْ دَاْئِماً نَشْأَتِيْ مِنْكَ وَأَيْضاً نَشْوَتِيْ قَدْ هَجَرْتُ الْخَلْقَ جَمْعاً أَرْتَجِيْ مِنْكَ وَصْلاً فَهوَ أَقْصَىْ مُنْيَتِيْ - 5 - كان أبو شجاع الوزير م حمد بن الحسين بن عبدالله بن إبراهيم، الملقب ظهير الدين من خيار الوزراء، وكان كثير الصدقة والإحسان إلى العلماء والفقهاء وسمع الحديث من الشيخ الأصولي أبي إسحاق الشيرازي وغيره وصنف كتباً منها: كتابه الذي ذيله على تجارب الأمم، وَوُزِّرَ للخليفة العباسي المقتدي، وكان يملك ستمئة ألف دينار فأنفقها في سبيل الخيرات والصدقات، ووقف الوقوف، الحسنة وبنى المشاهد وأكثر الإنعام على الأرامل والأيتام، وتوفي سنة 488 ه/ 1095م، ودفن في البقيع في المدينةالمنورة. وكان القاضي ظهير الدين يقرض الشعر، ويتناول أغراضه المتعددة، ومنها الغزل كقوله: وَإِنِّيْ لأُبْدِيْ فِيْ هَوَاك تَجَلُّداً وَفِي الْقَلْبِ مِنِيْ لَوْعَةٌ وَغَلِيْلُ فَلاْ تَحْسَبَنْ أَنِّيْ سَلَوْتُ فَرُبَّمَاْ تَرَىْ صحَّةً بِالْمَرْءِ وَهوَ عَلِيْلُ