عشية لقائه الرئيس الفرنسي جاك شيراك، استبعد مستشار الأممالمتحدة المكلف ملف العراق السفير الأخضر الإبراهيمي احتمال تقسيم هذا البلد. وأجرى محادثات مع وزير الخارجية الإيراني كمال خرازي الذي وعد بأن تلعب طهران دوراً يدفع باتجاه "الاعتدال" في العراق. وكان الرئيس الإيراني محمد خاتمي حذر قوات الاحتلال من التعرض لمدينتي النجف وكربلاء، معتبراً ذلك بمثابة "انتحار". تواصل الديبلوماسية الفرنسية اتصالاتها ومشاوراتها المكثفة لتأمين أوسع حيز من التوافق، إعداداً لاستحقاق نقل السلطة إلى العراقيين في 30 حزيران يونيو، بحيث يؤدي إلى عودة فعلية للسيادة إليهم. وأعلنت الخارجية الفرنسية أن وزير الخارجية ميشال بارنييه سيستقبل اليوم وزير الخارجية الأردني مروان المعشر، ويناقشان مستجدات الوضع العراقي، إضافة إلى النزاع في الشرق الأوسط. ويتوقع أن يستقبل الرئيس شيراك غداً مستشار الأممالمتحدة المكلف ملف العراق الأخضر الإبراهيمي، قبيل عودة الأخير إلى نيويورك حيث سيقدم إلى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان تقريره عن العراق. ونقلت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية عن الإبراهيمي قوله خلال وجوده في روما، ان اجماعاً يتكون على ضرورة صدور قرار دولي جديد، يهدف إلى تحديد الخطوط العريضة للمرحلة المقبلة في العراق، وليظهر "الفرق بين فترة الاحتلال، وعلى الأقل بداية انتهائها". وأوضح أن مثل هذا القرار ينبغي أن يحدد مهمة الأممالمتحدة في ذلك البلد، مشيراً إلى أنها لن تكون مهمة حفظ سلام، بل مهمة تقضي بمواكبة مرحلة الانتقال السياسي نحو دستور جديد، شرط ضمان حد أدنى من الحماية الأمنية، بحيث لا تتكرر مأساة 19 آب اغسطس، في إشارة إلى تفجير مقر المنظمة الدولية في بغداد. ورأى الإبراهيمي أن الأولوية في المرحلة الانتقالية ينبغي أن تعطى لإقرار السيادة العراقية، ثم تشكيل حكومة موقتة لتصريف الأعمال، وأن التحول المهم الذي ينبغي العمل لانجاحه يتمثل في الانتخابات في كانون الثاني يناير المقبل، إضافة إلى المؤتمر الوطني العراقي الذي يمكن أن يعقد في تموز يوليو المقبل، بما يتيح للعراقيين الجلوس معاً وتبادل الآراء في شأن مستقبلهم بحرية. واستبعد احتمال تعرض العراق للتقسيم، مشيراً إلى أن جميع العراقيين يؤكدون تمسكهم بالعراق وبوحدته على رغم التباين في آرائهم. والتقى الإبراهيمي أمس وزير الخارجية الإيراني كمال خرازي، غداة زيارة الأخير لباريس، حيث أجرى محادثات مع شيراك. وقال الوزير عقب هذه المحادثات، إن لإيران بعض النفوذ في العراق، نظراً إلى العلاقات التقليدية بين الإيرانيينوالعراقيين، و"مارسنا هذا النفوذ قدر المستطاع لأن أمن العراق من أمننا". وشدد على نقل السلطة إلى العراقيين في أقرب فرصة ممكنة "من أجل تعزيز الأمن وايجاد تسوية للوضع في هذا البلد". وأعلن أن بلاده لم تغير موقفها، على رغم مقتل الديبلوماسي الإيراني خليل نعيمي في بغداد. وزاد: "علينا متابعة الاتصالات" لبلورة الاقتراحات. ونقل مصدر فرنسي عن خرازي قوله لشيراك ان إيران عازمة على لعب دور يدفع باتجاه "الاعتدال" في العراق. وكان أنان استبعد نشر قوة دولية لحفظ السلام في العراق، وقال للصحافيين في مقر الأممالمتحدة في نيويورك ليل الأربعاء: "لا اعتقد بأن هناك احتمالاً لنشر قوة حفظ السلام لتحل محل القوة المتعددة الجنسية. هناك حاجة إلى المساعدة لخلق أجواء آمنة، بالتالي سيكون الوجود العسكري الدولي مطلوباً في مستقبل منظور للتجاوب مع هذه الحاجة. لا أعتقد بأن الأمر سيتعلق بجنود لحفظ السلام تابعين للأمم المتحدة". واستدرك: "قد يكون على مجلس الأمن أن يتوصل إلى اتفاق على السماح لقوة متعددة الجنسية بتولي المهمة". وزاد ان للأمن في العراق "تأثيراً مهماً جداً" على قرارات الأممالمتحدة ونشاطاتها في هذا البلد. وأشار إلى أن مستوى نشاطات المنظمة الدولية سيبقى على حاله، في انتظار تحسن الوضع الأمني. وقال: "كلنا مهتم برؤية مساعي الحد من العنف تؤتي ثمارها، وتنتظر دول كثيرة أن تلعب الأممالمتحدة دوراً مهماً في العراق، ونحن نرغب في ذلك، لكن الظروف يجب أن تكون مواتية". وختم: "الآن نستمر في العمل بحذر ونتابع التطورات". وفي طهران، حذر الرئيس محمد خاتمي قوات الاحتلال في العراق من التعرض لمدينتي النجف وكربلاء، منبهاً إلى أن ذلك سيكون بمثابة "انتحار". وأكد بعد اجتماع للحكومة أن التعرض للمدينتين هو بمثابة انتحار لقوات الاحتلال، ومن شأنه "أن يؤجج مشاعر العالم الإسلامي أجمع" ضدها. لكنه أضاف انه لا يتصور "أن تتعامل قوات الاحتلال من دون حكمة إلى هذا الحد". ويأتي تحذير خاتمي بعد تحذير مماثل من كبار رجال الحوزة الدينية في مدينة قم وعدد من كبار مراجع الشيعة، وعلى رأسهم آية الله فاضل لنغراني، من عواقب الاستمرار في محاصرة النجف وكربلاء، أو مهاجمتهما. وكانت مصادر مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران علي خامنئي اعتبرت أن "قوات الاحتلال الأميركي سترتكب أكبر حماقة في تاريخها إذا هاجمت النجف وكربلاء، إذ ستصبح في مواجهة العالم الإسلامي". إلى ذلك، جددت وزيرة الدولة في وزارة الخارجية الألمانية كيرستين مولر مطالبة برلين بأن تلعب الأممالمتحدة في العراق دوراً محورياً من دون أن تتولى مسؤولية عسكرية. وقالت أمس إن "المهمة الأهم للأمم المتحدة تتمثل في اضفاء الشرعية على العملية السياسية المرتقبة في العراق بعد الثلاثين من حزيران". وفي حديث إلى إذاعة "دويتشلاندفونك"، دعت الوزيرة إلى إعادة السيادة إلى العراقيين "في أسرع وقت ممكن"، ونفت أن تكون المنظمة الدولية تفكر في ارسال قوات حفظ سلام إلى العراق.