حين وصل الخبر "المستعجل جداً" عبر الفاكس إلى الصحف البيروتية أمس، ظنّ بعض الزملاء حتماً أنّها "كذبة أوّل نيسان"! لكن الأمر لم يكن كذلك للأسف. والخبر صحيح تماماً، كما ورد في نصّ البيان - النعي الذي وزّعته الفنّانة اللبنانيّة نضال الأشقر بعض ظهر أمس: "نعلن، وبكل أسف، أن "مسرح المدينة" سيقفل أبوابه نهائياً في الرابع عشر من نيسان ابريل الجاري، وذلك على رغم كل المحاولات التي بذلناها عبثاً على امتداد شهور بل سنوات، وعلى كلّ المستويات والصعد للحؤول دون اقفاله". وقع الخبر كالصاعقة على الأوساط المسرحيّة والثقافيّة اللبنانيّة، خصوصاً أن حملة التضامن التي أقيمت مطلع الخريف الماضي أعادت الآمال بتدخّل السلطات المعنيّة، وبعض الجهات والمؤسسات العربيّة، لحماية هذا المسرح الذي تميّز بتجهيزات متطوّرة، وبسياسة برمجة جعلته يستقطب أبرز المسرحيين والموسيقيين والمثقفين العرب. واتصل من باريس وزير الثقافة اللبناني السابق غسّان سلامة بنضال الأشقر مستفسراً ومتعاطفاً. لكن التضامن لم يعد يجدي، كما صرّحت الفنّانة اللبنانيّة ل "الحياة"، مؤكّدة "أنها ليست مسألة ماليّة. المسرح مرهون لأحد المصارف وتلقينا وعوداً واهية بتجديد العقد... لكن كل الوعود ذهبت مع الريح". وبدأ اخلاء المسرح من تجهيزاته أمس، فيما تتجوّل نضال الأشقر وحدها مذهولة بين الجدران الخالية، مطاردة أطياف عشر سنوات من العمل والعطاء واللقاءات والانفعالات والانجازات الثقافيّة واللحظات الفنيّة النادرة. في هذا المكان المهجور، سينما "كليمنصو" سابقاً التي قامت بإعادة تجهيزها قبل عقد، بحسب مواصفات تقنيّة متطوّرة. واستقبل افتتاح "مسرح المدينة" يومذاك كأحد بوادر انبعاث الحركة الثقافيّة لاعادة اللحمة الأهليّة إلى المدينة الخارجة من حرب مضنية. خلال عقد من الزمن استقبل المسرح أبرز الفرق المسرحيّة والمخرجين العرب، من الفاضل الجعايبي ومحمد إدريس تونس، إلى جواد الأسدي العراق، مروراً بحسن الجريتلي وفرقة "الورشة" المصريّة التي فجعت قبل أيّام بفقدان أحد أهم أعضائها الممثلة فانيا أكسرجيان. وقدّمت الأشقر نفسها عملين لسعد الله ونّوس أبرزهما "طقوس الاشارات والتحوّلات"، وكانت آخر اطلالة للكاتب السوري الراحل في هذا الفضاء. وكانت أوّل مسرحيّة قدّمتها الأشقر من اخراجها بعد افتتاح المسرح هي "3 نسوان طوال" التي ما زال الجمهور البيروتي يذكرها بدهشة واعجاب. ويضيق المجال عن ذكر العروض الفنية والموسيقية والمحاضرات والندوات التي احتضنها المكان، ومن آخرها منتدى "أشغال داخليّة" الذي نظمته كريستين طعمة وجمعيّة "أشكال ألوان"، واللقاء المتفجّر مع المفكّر المصري نصر حامد أبو زيد قبل أسابيع. وتشاء المصادفات أن يتمّ "اعدام" هذا الفضاء الثقافي المميّز، في عيد ميلاده العاشر... فيما أعلن المسرحي اللبناني روجيه عسّاف أيضاً عن قرب اغلاق "مسرح بيروت" الذي يديره في عين المريسة... أي أن العاصمة اللبنانيّة ستجد نفسها، في الموسم المقبل، من دون أي قاعة مسرح، إذا استثنينا الصالات التجاريّة والمسارح الجامعيّة.