من المبكر التنبؤ بنتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية لأن موسم المفاجآت آت، المحلية منها والخارجية. الاستطلاعات تدل الى تقلب الرأي العام الأميركي وتفيد بأن الهوس بالأمن وبحرب الارهاب يغلب عليه. الاقتصاد بالطبع فائق الأهمية إلا أن حرب الارهاب على اميركا تستحوذ بالأميركي العادي. حرب العراق تكشف يوماً بعد يوم مدى انقسام الأميركيين، لكن حرب الارهاب سرعان ما تطفو على الاعتبارات كافة. لذلك، قد تجد بين المفاجآت المحلية الممكنة اصابة نائب الرئيس ديك تشيني بوعكة صحية رئيسية"مدروسة"بما يفتح الباب أمام جورج دبليو بوش لمرشح لنائب الرئيس على نسق رودي جولياني، عمدة نيويورك السابق الذي يرتبط اسمه في كل أنحاء الولاياتالمتحدة بمواجهة ارهاب 11 أيلول سبتمبر عام 2001. عندئذ، سيكون انتخاب جورج دبليو بوش شبه مضمون برغم كل النكسات والانتكاسات. غير أن المجال مفتوح، من الآن حتى تشرين الثاني نوفمبر، على مفاجآت من أنواع عدة، بعضها آت من العراق، وبعضها من اسرائيل، وجزء منها على أيدي"القاعدة"التي تريد اعادة انتخاب جورج بوش كي تستمر الحروب العقائدية. الآتي سيناريوات. سيناريوات الحديث الأميركي والعالمي في شأن الانتخابات. هناك سيناريو يقول ان الادارة الاميركية عازمة الآن على انجاح التجربة في العراق بأي طرق ممكنة، ولذلك ستقبل بدور فعلي وفاعل للأمم المتحدة في مجال تشكيل الحكومة الانتقالية كما في مجال الإعداد الفعلي لانتخابات عامة مع نهاية هذه السنة أو مطلع السنة المقبلة. فالادارة الأميركية تريد أن تقول للناخب الاميركي: نجحنا في العراق. انه على طريق الديموقراطية. قواتنا موجودة في العراق بدعوة من الحكومة العراقية. والديموقراطية والحرية في طريقهما الى العالم العربي، بشكل أو بآخر. لكن أوساطاً محافظة تشن، في الوقت ذاته، حملات على الأممالمتحدة، يساعدها في ذلك عضو مجلس الحكم العراقي أحمد الجلبي، بهدف نسف صدقيتها وتلويث سمعتها بادعاءات تورطها في سرقة أموال برنامج"النفط للغذاء"وبالتالي نهب الشعب العراقي. فهناك في وزارة الدفاع الأميركية من لا يريد نجاح الأممالمتحدة لأن نجاحها برهان على فشل عقيدة البنتاغون وسياسته. وهناك عراقيون لا يريدون لها دوراً يقوّض من هيمنتهم على العملية السياسية. وللوضوح، على المنظمة الدولية اثبات براءة موظفيها من تهمة اختلاس أموال العراق. من المفيد، بل من الضروري، تكثيف الضغوط عليها ليكون التحقيق فعلاً مستقلاً يتسم بالشفافية. كذلك من الضروري فضح أي دولة غضت النظر عن نهب العراقيين وهم في محنة العقوبات. في الوقت ذاته، من الضروري تذكير أحمد الجلبي وأصحابه في البنتاغون انه وهم اصرّوا على معاقبة الشعب العراقي بفرض العقوبات واستخدموا معاناته أداة لغايات سياسية. الناخب الأميركي لا يهمه ما حدث للشعب العراقي تحت العقوبات. يهمه ماذا سيحدث للقوات الأميركية في العراق. يهمه ان يعرف اذا كانت هذه حرب ضرورية للأمن القومي الأميركي، أو"مفبركة"لغايات أخرى. ازدياد العمليات ضد الأميركيين في العراق سيف ذو حدين مع الناخب الأميركي. من جهة، قد يؤدي ازدياد الكلفة من ناحية أرواح الجنود الأميركيين الى ازدياد اللوم لجورج بوش على توريطه اميركا في حرب العناوين الزئبقية. من جهة أخرى، قد تؤدي العمليات، خصوصاً اذا ارتبطت ب"القاعدة"الى تعزيز العزم على الحاق الهزيمة بها، في العراق كما في أي بقعة في العالم. مداولات"مفوضية 9/11"في الكونغرس، التي تحقق في الخلل الذي أدى الى وقوع الارهاب في أميركا، لن تصل الى الاستنتاج الممنوع، مهما توصلت اليه من استنتاجات. لن تربط بين السياسات الاميركية الخاطئة نحو منطقة الشرق الأوسط وبين استغلال"القاعدة"للغضب الشعبي، العربي والمسلم، لهذه الأخطاء. لن تعترف عن قريب أو بعيد ان حرب العراق جاءت بوحي وبتصميم من زمرة الموالين لاسرائيل داخل وزارة الدفاع وعبر"المجلس الاستشاري للدفاع"الذي ترأسه حينذاك ريتشارد بيرل، أحد أهم أصحاب عقيدة احتلال العراق من أجل اسرائيل، وأحد كتّاب ورقة"الانفصال النظيف"التي قدمت الى بنيامين نتانياهو عام 1996 وانطوت على ضرورة قيام حرب في العراق كجزء من"هدف استراتيجي اسرائيلي"وكوسيلة من وسائل"احباط أهداف سورية الاقليمية". الزميل كريستوفر ديكي من مجلة"نيوزويك"أشار أخيراً الى كتاب حرره نتانياهو بعنوان"الارهاب: كيف يمكن للغرب ان يربح؟"صدر الكتاب قبل 18 سنة وجاء فيه"علينا أن نفرض التقسيم والتفرع"بمعنى تقسيم العالم الى"معنا"بمعنى اسرائيل والضرب أو مع الارهاب. قال ان"الانتقام والاستباقية"هما أفعال تدخل في خانة"الدفاع عن النفس". رئيس الوزراء الاسرائيلي الحالي، ارييل شارون، قد يتورط اكثر في المأزق الناتج عن اتهامه بتسلم الرشوة. قد ينزلق من منصبه اضطراراً. لكن من البديل في الكواليس؟ انه بنيامين نتانياهو الذي له رفاق وأصحاب ومستشارون في"المجلس الاستشاري للدفاع"الذي لا يقدم النصيحة الى البنتاغون فحسب، بل له مستمع معجب هو شخص الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش. إذا سقط شارون، لا مانع أبداً لدى صقور الادارة الاميركية والمتطرفين حولها الذين لطالما انتظروا عودة نتانياهو الى السلطة. فهو رجل أقل اعتباطية و"بهورة"من شارون، لكنه أكثر عزماً على تنفيذ استراتيجية القرن الواحد والعشرين التي وضعها له أميركيون من أمثال ريتشارد بيرل ودوغلاس فايث وجيمس كولبرت وتشارلز فايربانكس. أمثال هذه الزمرة، بمقدار شغفها بتطهير الدولة اليهودية من الفلسطينيين، واستفزاز سورية لحرب مع اسرائيل نتيجتها مضمونة، وتخليص اسرائيل من"السلام الشامل"مع استبدال هذا الشعار بواقع"موازين القوى"، ومع نسف مبدأ"الأرض مقابل السلام"يحل محله مبدأ"السلام مقابل السلام"مع الاحتفاظ بالأرض، بمقدار كل ذلك، جزء منهم ضد توريط بوش حالياً في أكثر مما يتحمله انتخابياً في منطقة الشرق الأوسط عبر البوابة الاسرائيلية. يشعر هؤلاء بأن الحكمة في الصبر والانتظار فإذا أعيد انتخاب بوش فإنها ستكون ولاية لهم لتنفيذ كل الاهداف والغايات الاسرائيلية. جزء آخر من هذه الزمرة ينادي بالعكس، ورأيه ان لا فرصة مماثلة لتنفيذ الخطط الاسرائيلية كتلك التي توفرها الحقبة الزمنية بين الآن والانتخابات الرئاسية، بغض النظر عمن سيأتي الى البيت الأبيض. بل ان رأي هؤلاء ان هذا هو الوقت المناسب لتعزيز الانطباع لدى الناخب الاميركي بأن المسألة الفلسطينية برمتها مسألة حرب على الارهاب، مع تجهيل تام لمسألة الاحتلال لأن الرأي العام الاميركي في تأهب ضد كل ما يدخل تحت عنوان"الارهاب". يرى هذا البعض ان توريط اميركا في حروب اسرائيل الأوسع أكثر ملاءمة الآن، لكنه يواجه مقاومة من الشطر الآخر الذي يخشى ردود فعل الناخب الأميركي على توريط اسرائيل للولايات المتحدة. ارييل شارون يصعب لجمه، في رأي الشطر الداعي الى التمهل والواعي تماماً لأولوية اعادة انتخاب بوش عند مهندس حملته كارل روف الذي لا يريد مفاجآت مصنوعة في اسرائيل ولا يريد الحروب غير الضرورية. لذلك، تتخبط الادارة الاميركية في زوبعة الرد على"مبادرة"شارون للانسحاب الانفرادي في غزة. فهو يريد"صفقة"، لو وافقت عليها واشنطن، ستزيد من الغضب والانتقام من اميركا. ولو لم توافق، تخشى انها ستقع سجينة توريط اسرائيل لها في حروب الاستفزاز والفوضى لتحقيق الطرد الجماعي للفلسطينيين. هناك في الصفوف الأميركية من يخشى ما في بال ومخططات شارون بمقدار ما يخشى في بال وخطط"القاعدة"اثناء الفترة الى موعد الانتخابات. انما هناك أيضاً من يعتقد أن ما يعرضه شارون في ما يسمى مبادرة الانسحاب من غزة يفتح نافذة مفيدة للادارة الجمهورية للاستفادة منها انتخابياً. يتزايد الكلام عن صفقة. صفقة تجميلية للمبادرة الشارونية بحيث يبرز عنصر الانسحاب من غزة واجزاء من الضفة الغربية وبحيث يصبح الجدار الفاصل نوعاً من"حدود"الأمر الواقع لدولة فلسطينية مقتطعة. يقال ايضاً ان اسرائيل تريد في الصفقة توافقاً مع الولاياتالمتحدة على دفن"حق العودة"كلياً. الاميركيون المهتمون بصفقة مع ارييل شارون يجدون فيها فرصة لتقديم جورج دبليو بوش رجلاً تقدم برؤية دولتين وحققها. فرصة لتقديم بوش كرجل سلام بمقدار ما هو رجل الحرب على الارهاب. يقولون: هذا انسحاب من أراض محتلة، ويجب أن يرحب به العرب والاسرة الدولية. الأممالمتحدة مهتمة بدورها بمبادرة شارون وترى فيها أيضاً فرصة لرسم خط على نسق الخط الأزرق في لبنان ليكون الخط في فلسطين على الجدار الفاصل، ولكن معدلا. فإذا وافق شارون على دور للأمم المتحدة كي يكون الانسحاب من غزة"منظماً"لا يترك وراءه فراغاً تملأه حماس، ستتضاعف بهجمة الأقطاب الاميركية التي ترى في مثل هذا الانجاز ذخيرة فخمة في حملة الانتخابات الرئاسية الاميركية. الاسبوعان المقبلان مهمان يحملان تنبؤات متناقضة: سقوط شارون/ تبرئة شارون... تصعيد الاستفزاز وتوسيع رقعة الحرب/ التوصل الى تفاهمات اميركية اسرائيلية على حساب الفلسطينيين/ انسحاب صادق النيات من غزةوالضفة الغربية ضمن اطار"خريطة الطريق"مع احياء مسار المفاوضات الاسرائيلية السورية. أي من هذه السيناريوات له بعد على الانتخابات الاميركية للرئاسة، لكنه ليس البعد الحاسم. ما قد يحسم المعركة الانتخابية هو المفاجآت، المحلية منها والخارجية. ادارة المفاجآت، اذا جاز التعبير، أكثر توفراً بين يدي جورج دبليو بوش مما هي في أيدي جان كيري. لذلك، وحتى الآن، يرجح اعادة انتخاب بوش، على رغم كل التحفظات عليه من قبل شطر كبير من الرأي العام الأميركي. يبقى ان المرشح الثالث، رالف نادر، قد يأتي بدوره بمفاجآت تفيد أو تؤذي أي من المرشحين. فإذا نجح في تعبئة الناخب الأميركي ليتخذ من هذه الانتخابات فرصة للقول للحزبين الجمهوري والديموقراطي، كفى، لربما أثر ذلك في اصلاح الحزبين واصلاح المؤسسة السياسية الاميركية. أخيراً، قد تكون الزوجتان عنصراً مفاجئاً. فالبعض يعتقد بأن لورا بوش الى يسار الزمرة اليمينية المتطرفة المتحكمة بالبيت الأبيض وتريد لزوجها استعادة الحزب الجمهوري بدون التطرف ويقال اننا سنرى المزيد من لورا بوش ومن تأثيرها اما تيريزا كيري فانها في رأي البعض ستبرز عنصراً سلبياً لجون كيري لانها"متطرفة"من نوع آخر. نائب الرئيس، أيضاً عنصر من عناصر المفاجآت الاسماء عديدة والسناريوات متكاثرة، وقد يكون جان مكاين الرجل الوحيد الذي ينتظر مخابرة هاتفية من... المرشحين.