خرج الجيش الباكستاني من المعارك الضارية في المناطق القبلية الوعرة شمال غربي باكستان المحاذية لأفغانستان، بخسائر بشرية ومادية عقب اسبوعين من القتال لطرد مقاتلي "طالبان" و"القاعدة" المتحصنين في المنطقة. لكنه، في المقابل، نجح في تفكيك البنية التحتية التي أقامها التنظيم منذ خروجه من أفغانستان قبل عامين. والغنيمة الكبرى التي يحاول العسكريون الباكستانيون عدم الإشارة إليها علناً ويفتخرون بها سراً، هي أن الجيش الباكستاني بات أول جيش نظامي خارجي يدخل المناطق الباكستانية القبلية سلماً منذ قرون، الأمر الذي يتيح الآن لإسلام أباد إدخال هذه المنطقة ضمن النظام السياسي والقانوني للبلد. وقال الرئيس برويز مشرف في برنامج "نيوز نايت" على شبكة "بي تي في" التلفزيونية الباكستانية مساء أول من أمس: "هذه احدى النتائج المهمة لهذه العملية. وسترون كيف سنقوم بضم هذه المناطق الى بقية البلد". وكفائدة أخرى غير مباشرة للعملية التي حملت اسم "وانا"، العاصمة الإدارية لإقليم وزيرستان الجنوبي، برزت خلال اليومين الماضيين بوادر تقارب رسمي بين باكستان وأوزبكستان التي أبدى رئيسها إسلام كريموف اهتماماً كبيراً بالتحرك الباكستاني ضد المقاتلين الأوزبكيين الذين وقعوا في الأسر خلال عمليات التمشيط والدهم في مناطق القبائل. وكانت العلاقات ساءت بين الطرفين خلال السنوات الماضية بسبب شكوك في طشقند حول دعم إسلام أباد معارضين إسلاميين ينشطون لإطاحة حكومة الرئيس كريموف المقربة من موسكو. اعادة ترتيب المناطق القبلية وبحسب الأرقام التي كشفها المسؤولون الباكستانيون، سقط في عملية "وانا" نحو 45 جندياً مع خسائر في المعدّات. ولم يحدد الجيش خسائره المادية أثناء العمليات، غير أن صحافيين زاروا المنطقة بعد انتهاء القتال تحدثوا عن رؤيتهم لآليات الجيش والمصفحات المدمرة. وعلى رغم التركيز الإعلامي على انسحاب القوات الباكستانية من منطقة قبائل البشتون منذ انتهاء القتال في 28 آذار مارس الماضي، فإن الجيش الباكستاني استمر في إرسال التعزيزات طوال يوم أمس، بحسب شهود في المنطقة. وشوهدت قوافل الجيش المحملة بالجنود والمعدات تشق طريقها نحو وانا تواكبها مروحيات هجومية. ووزع الجيش منشورات في المنطقة باللغة الأوردية، في محاولة لاستمالة السكان وتبرير سقوط نحو 12 قتيلاً من المدنيين الى جانب الأضرار التي لحقت بالبيوت والممتلكات. كما ألمحت المنشورات الى أن العملية التي قام بها الجيش استهدفت من بين أمور أخرى منع القوات الأميركية في أفغانستان من دخول الأراضي الباكستانية. وقال منشور وزعه الجنود: "إن الجيش الباكستاني يقوم بحراسة حدودنا. ثمة قوة عسكرية كبرى تقف الآن على الجانب الآخر من الحدود، لكننا لم نسمح لها بتاتاً بتنفيذ عمليات في أراضينا ... الجنود إخوانكم ونحن لم نستهدف المدنيين قط. فلننصح جميعاً الأجانب بالخروج من المنطقة. ومن الخطأ تقديم اللجوء لأناس يرفضون الإصغاء الينا". مطاردات مستمرة بمساعدة محلية وتحدثت تقارير أمس، عن أن وقف القتال الذي أعلنه الجيش الباكستاني الأسبوع الماضي، هدف الى تقوية مواقعه في المنطقة وزيادة عديد حلفائه بين قبائل البشتون المحلية. وتمكن المفاوضون العسكريون التابعون للجيش، وهم من البشتون، من اقناع زعماء القبائل بتشكيل ميليشيا تسمى "قبائلي لشكر" لشكر التركية تعني سرية مهمتها مساعدة قوات الجيش على ملاحقة عناصر "القاعدة". وتطوع نحو ثلاثة آلاف من أبناء القبائل في هذه السرية التي يرجح أن تصل قوتها خلال الأيام المقبلة الى نحو ستة آلاف مقاتل. يذكر أن نحو ثلث عديد قوات الجيش الباكستاني البالغ نصف مليون جندي تتكون من البشتون الذين يمثلون غالبية سكان أفغانستان المجاورة. ويحوز الضباط البشتون مناصب عالية في المؤسسة العسكرية الباكستانية وفي المؤسسات المدنية. وتجد السلطات الباكستانية نفسها في موقف "غير قابل للتراجع" أمام الناشطين الإسلاميين، منذ إعلان "القاعدة" الحرب على مشرف من خلال محاولتين لاغتياله أواخر العام الماضي، وما تلا ذلك من دعوة الرجل الثاني في التنظيم أيمن الظواهري إلى إطاحة الرئيس الباكستاني، وصولاً إلى محاولة اغتيال رئيس الوزراء مير ظفر الله خان جمالي التي أحبطت في كراتشي أمس، واعتقال عضو في تنظيم "عسكر جهنغوي" المرتبط بالقاعدة وبحوزته متفجرات كان سيستخدمها في تفجير موكب رئيس الوزراء.