أثار التقدم السريع للجيش الباكستاني في اقليم وادي سوات القبلي (شمال غرب) منذ 26 نيسان (ابريل) الماضي، وقتله اكثر من 1400 مسلح من حركة «طالبان»، بحسب بيانات قيادته، حماسة واشنطن وبعض صنّاع القرار في إسلام أباد بإمكان تحقيق انتصار سريع على المسلحين القبليين في الحزام القبلي المحاذي للحدود مع افغانستان والذي يعتقد بأنه يشكل ملاذاً آمناً لقيادات تنظيم «القاعدة» و»طالبان» في أفغانستان. وعزز هذا المفهوم قول الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري أثناء القمة الثلاثية التي جمعته في واشنطن قبل شهرين مع كل من الرئيس الأفغاني حميد كارازي والأميركي باراك أوباما بأن اقليم وزيرستان قد تكون الوجهة المقبلة للقوات الباكستانية. لكن على رغم الإعلان الرسمي عن دحر المسلحين في سوات، وارتفاع الروح المعنوية للجيش والتأييد الشعبي لعملياته، والذي لم يحصل عليه الرئيس السابق برويز مشرف، اضافة الى إرسال الآلاف من الجنود الى الخطوط الأمامية في مواجهة قوات زعيم «طالبان» بيت الله محسود ، فإن الجيش ما زال يتحدث عن ضرورة الاستعداد للمعركة المقبلة في اقليمجنوب وزيرستان ويتردد في اطلاقها باعتماد الاسلوب ذاته الذي اعتمده لانهاء وجود المسلحين في سوات. وهنا يطرح السؤال كيف استطاع الجيش السيطرة على سوات بسهولة، وهو ما لم يحدث في أي عملية للجيش في مواجهة جماعات قبلية مسلحة حتى في تموز(يوليو) 2007 مباشرة بعد قضاء مشرف على الاسلاميين الذين تحصنوا في «المسجد الأحمر» في إسلام أباد، ما دفع الجيش الى ابرام اتفاق سلام مع المتشددين تراجع عنه اخيراً بعد الضغوط الأميركية المتزايدة على باكستان . واكب تقدم الجيش في سوات مطالبة سكانها بمغادرتها، وهو ما حصل فعلياً بنزوح حوالى ثلاثة ملايين شخص إلى مخيمات إقامة موقتة قرب بيشاور او الى منازل اقارب لهم، حرصاً منهم على بقاء بلداتهم ومزارعهم سالمة وألا يدمرها طرفا الصراع، ما عنى انحسار مقاومتهم للقوات الجيش وتخلفهم عن الالتحاق بخلايا المسلحين في المنطقة التي تعتبر احدى الاجمل في البلاد وربما العالم في ظل انتشار الأنهار والغابات فيها، ويتمتع بنسبة تعليم هي الأعلى في باكستان وسط اختلاط كبير بالثقافات المحلية والأجنبية نظراً الى اعتمادهم على السياحة كمصدر دخل أساسي لهم، وممارستهم التجارة. اما الوضع في باقي مناطق القبائل فيختلف عن سوات بدليل انه لم يخرج منها الا مئة الف نازح منذ ان دخلها الجيش في تشرين الاول (أكتوبر)2003. كما أن سكان الشريط القبلي جميعهم مسلحون ويفاخرون بأن آباءهم وأجدادهم هزموا الحملات العسكرية البريطانية التي شنت على المنطقة، حتى أن سكان جنوب وزيرستان يفاخرون بأن اسم وانا مركز الإقليم أخذ من الحروف الأولى لجملة قالها قادة القبائل للجيش البريطاني الغازي في القرن الماضي معناها «غير مسموح للنساء». ويعتبر مقاتلو القبائل أكثر مراساً في القتال من سكان سوات الحضريين، ويملكون عتاداً وذخائر من أيام الجهاد ضد الاحتلال السوفياتي لأفغانستان، حين شكل اقليما شمال وزيرستان وجنوبه بوابتين رئيستين ومخازن مهمة لقوات المجاهدين في أفغانستان. إلى ذلك، ينظر الى تدخل الجيش في إقليم سوات باعتباره شأناً داخلياً باكستانيا لأنه لا يحاذي أي دولة خارجية، بينما يختلف الوضع بالكامل في باقي مناطق القبائل التي تتشارك في الحدود مع أفغانستان وتخضع لنص في الدستور الباكستاني يمنع دخول الجيش اليها، وسط قلق من تنامي كراهية سكانها البشتون المتجذرين في افغانستان وانتقاله الى تهديد الداخل الباكستاني، وهو ما يبرر تردد الجيش في تنفيذ عملية واسعة في الحزام القبلي.