"في حياتك يا ولدي إمرأة، عيناها سبحان المعبود، فمها مرسوم كالعنقود، ضحكتها أنغام وورود والشعر الغجري المنثور، يسافر في كل الدنيا". قارئة الفنجان أغنية عبدالحليم حافظ التي كتبها الشاعر نزار قباني ملأت الاسماع وانتشرت انتشاراً واسعاً لمحاكاتها موضوعاً يومياً للنساء خصوصاً، هو قراءة الفنجان. والعراقيات، مثلهن في ذلك مثل جميع النساء العربيات يرتشفن قهوة الصباح وبعدها يقلبن الفناجين لقراءة ما فيها، إذ يشكل البن المتبقي في الفنجان رموزاً تُقرأ وتفسر. وتقول إيناس جاسم طالبة جامعية وتقرأ الفنجان لزميلاتها: "السمكة تعني رزقاً وفيراً والبطة تعني حظاً كبيراً والحصان يعني زواجاً قريباً والدائرة الكاملة تعني سفراً قريباً وهكذا". وسن صباح، طالبة في قسم علم النفس في جامعة بغداد قالت: "نقرأ الفنجان كل صباح لمعرفة ما يخفيه لنا اليوم من أحداث يصيب بعضها ومعظمها يخيب". وتؤكد السيدة ايمان خزعل: "إنها مسألة تعوّد ومسألة قضاء وقت، لكنني لا أؤمن بما يقال وأنسى ما يقرأ في فناجيني فور غسلها". واذا كانت قراءة الفنجان للتسلية فقط بالنسبة الى إيمان فإن الكثير من النساء إعتبرنها مهنة توفر ربحاً معقولاً، وتقول أم داليا، أرملة في الأربعين من عمرها وتمتهن قراءة الفنجان: "أقرأ الفنجان الواحد ب1000 دينار عراقي أي ما يعادل 75 سنتاً كما إنني أقدم القهوة مجاناً"، وتضيف: "زبائني من الرجال والنساء وأكثر النساء من المراهقات اللواتي يرغبن في تقريب الحبيب إليهن". امّا أم يونس فإنها تقرأ الفنجان ب2000 دينار لأنها وبحسب ما ترى لا مثيل لها وتؤكد انها تحصل على هدايا كثيرة بعد أن يتحقق للزبون ما تنبأت به، كالعطور والأقمشة والأواني المنزلية. ولا تعتبر ام يونس معرفتها المسبقة بالمستقبل مصادفة، تؤكد ان لديها إحساساً قوياً يجعلها قادرة على معرفة المستقبل ولكن حالها كحال المثل القائل: "بيت الاسكافي حافي وبيت السقا عطشان"، اذا تقول: "لا أستطيع التكهن بمستقبل عائلتي". لكنها اشارت الى انها قلبت فنجاناً على نية الحرب وما سيتبعها من تغيرات في العراق إذ قالت: "كل ما رأيته في الفنجان قد تحقق اليوم"، وعن مستقبل العراق أضافت: "العراق سيعاني حرباً أهلية وستهدر الكثير من الدماء". ضرب الرمل "قدمي كفك اليمنى وتمني أمنية" هذا ما تقوله "السيدة" لزبائنها قبل قراءة الكف وخطوطه و"السيدة" مصطلح أطلقته هذه العرافة على نفسها ربمّا لكي تخفي شخصيتها الحقيقية. وتقول: "زبائني من بسطاء الناس كذلك من الشخصيات المعروفة في المجتمع"، وتضيف: "يرغب الرجال في معرفة مصدر رزقهم والموعد الأنسب لبدء أي عمل والسيدات يطلبن زواجاً محباً وملبياً لرغباتهن طوال الوقت ومستقبلاً مزدهراً لأولادهن. أمّا الآنسات فإنهن يطلبن زواجاً صالحاً في المستقبل القريب". وتتنبأ السيدة بأن الاحتلال سيبقى في العراق "خمس سنوات". احدى الآنسات كانت تنتظر دورها لتقرأ السيدة كفها قالت: "أجي اليها باستمرار، إنها تعرف كل شيء وآخذ برأيها دائماً". د. فاتن عباس، اختصاصية علم نفس واجتماعية، قالت: "الكل يرغب في معرفة مستقبله وكلمة واحد تقولها المنجمة تعطي أملاً يدفع الشخص لا شعورياً نحو إنجاز ما يريده، فاذا تحققت الأمنية أرجع ذلك الى نبوءة المنجم أو العراف". أبو سلام، رجل عجوز جعله كبر سنه وطيبة قلبه مرجع خير لسكان المحلة حيث يسكن، فالكل يرجع إليه للأخذ برأيه أو لطلب مساعدته. أمّا كيف تحول ابو سلام الى قارئ بخت من طريق ضرب الرمل فيحدثنا جاره: "سرقت سيارة الأجرة التي أملكها وهي المصدر الوحيد لرزقي والمعيل لعائلتي واعادها الي الشيخ ابو سلام بعد ما رأى وجه سارقها على الرمل"، وهكذا بدأ الجميع يأتي اليه ليكشف لهم اغراضهم المسروقة او الضائعة. ويضع ابو سلام الرمل في حاوية صغيرة ثم يقرأ ما اسفر عنه الرمل من اشكال بعد ما يضربه الزبون بكلتا يديه. قراءة البخت، هذه المهنة التي برزت منذ سنوات إزدهرت اليوم في ظل الاحتلال، فغياب عين الرقيب والانفلات الأمني ساهما في إنتشارها وفي إنتشار قارئات البخت وقرائه بصورة واضحة وعلى أرصفة الشوارع بعدما كانوا يتخذون من بيوتهم محلاً لهذه المهنة.