إعلان وزير الخارجية الإيراني كمال خرازي أن الولاياتالمتحدة طلبت من بلاده المساعدة في تسوية الأزمة في العراق يشكل حدثاً يفرض التوقف عنده. فبعد تأكيده وجود اتصالات وتبادل رسائل، قال خرازي: "طُلب منا أن نساعد على تحسين الوضع في العراق وتسوية الأزمة ونحن نبذل جهوداً في هذا الاتجاه". وترافق كلام الوزير مع أنباء عن توجه مسؤول في وزارة الخارجية الإيرانية إلى بغداد "للاطلاع على الحوادث في العراق وايجاد سبل الخروج منها". وأوضحت الخارجية الإيرانية أن مهمة حسين صادقي "تشمل لقاء رجال دين شيعة عراقيين ومسؤولين في مجلس الحكم الانتقالي في العراق ومسؤولين سياسيين". لا بد هنا أن نتذكر أن المتحدث هو وزير خارجية النظام الذي أقامه آية الله الخميني. وهو النظام الذي ذهب بعيداً في الصدام مع "الشيطان الأكبر" وبما يتجاوز تحويل الأميركيين رهائن في سفارة بلادهم في طهران. وهو وزير خارجية الدولة التي ادرج جورج بوش اسمها على لائحة "محور الشر" واتهمها بدعم الإرهاب وتطوير ترسانتها من أسلحة الدمار الشامل. وهو وزير خارجية الدولة التي تثير طموحاتها النووية غضب الولاياتالمتحدة وقلق أوروبا والوكالات الدولية المعنية. طبعاً الاتصالات الأميركية الإيرانية ليست جديدة، وتحول بعضها إلى فضائح شهيرة. لكن دعوة إيران إلى المساعدة في تهدئة الوضع في العراق الذي تحتله القوات الأميركية وتحركها للمساعدة حدث كثير الدلالات. ففي السنة الماضية تصرفت الإدارة الأميركية وكأنها لا تحتاج إلى أي مساعدة. ذهبت إلى الحرب من دون تفويض دولي ولم تعر اهتماماً لمواقف دول كبرى كفرنسا والمانيا ولم تشعر بالحاجة إلى الاستماع إلى نصائح الدول المجاورة للعراق أو مخاوفها. وبدا أيضاً أن الإدارة الأميركية اختارت حماية المسرح العراقي عن طريق تصعيد الضغوط والاتهامات ضد دولتين مجاورتين هما إيران وسورية. وفي ظل هذا المناخ سلطت الأضواء على الملف النووي الإيراني وتم توقيع قانون معاقبة سورية. ليس سراً أن لا مصلحة لطهران أو دمشق في نجاح أميركي سريع يشجع إدارة بوش على تكرار التجربة. وليس سراً أن لا مصلحة لهما في قيام عراق أميركي نظاماً ونهجاً، لكن الدولتين امتنعتا عن الانزلاق إلى أدوار يمكن أن تعزز موقف الصقور الأميركيين الذين قد تراودهم فكرة معالجة التعثر الأميركي في العراق عن طريق خطوات تشبه توسيع الحرب أو توسيع دائرة التهديدات. وربما استنتجت إدارة بوش في ضوء الصدام مع مقتدى الصدر وأنصاره أن للدول المجاورة دوراً يمكن أن تلعبه خصوصاً إذا اعتبرت أن تمزق العراق أو وقوعه أسير حرب أهلية لا يقل خطورة على استقرارها من العراق المحتل أو يزيده خطورة. من المبكر اطلاق التوقعات أو التكهن بصفقات. لكن تجاوب إيران مع الدعوة الأميركية يظهر قدرة النظام القائم في طهران على انتهاج سياسات شديدة الواقعية للحفاظ على مصالحه. وربما يفتح هذا التجاوب الباب لحوار شامل فوق النار العراقية يخفض منسوب المخاوف والتوترات في المنطقة ويضبط ميل الإدارة الأميركية إلى ارتكاب الأخطاء الفادحة.