بين "تجاهل" سوري للاجندة الاوروبية المتعلقة بانضمام 10 دول جديدة الى الاتحاد في بداية ايار مايو المقبل و"ضغط" اوروبي باعتماد البند الرسمي المتعلق بأسلحة الدمار الشامل وفق بيان الاتحاد الاوروبي في 17 تشرين الثاني نوفمبر الماضي، يراوح اتفاق الشراكة السورية - الاوروبية مكانه في انتظار "مفاجأة" من احد الطرفين. وكانت سورية والمفوضية الاوروبية توصلت في التاسع من كانون الاول ديسمبر الماضي الى مسودة اتفاق الشراكة بعد تجاوز جميع العقبات المتعلقة بتحرير التجارة بين الطرفين واقامة حوار سياسي حول المجتمع المدني وحقوق الانسان و"ربط" اقامة منظومة امنية متوسطية بإحلال تسوية شاملة للصراع العربي - الاسرائيلي. بعد ذلك بيومين، قال مسؤول الشؤون الخارجية الاوروبي كريس باتن ان الاتفاق يتضمن "اولاً، احترام مبادئ الديموقراطية وحقوق الانسان الاساسية المنصوص عليها في الاعلان العالمي لحقوق الانسان. وثانياً، التعاون للحيلولة دون انتشار اسلحة الدمار الشامل ووسائل تسليمها بالتوافق مع استنتاجات مجلس الشؤون الخارجية في تشرين الثاني الماضي. وثالثاً، تبادل معلومات وبذل جهود مشتركة لمنع الارهاب ومحاربته بما في ذلك تطبيق قرارات الاممالمتحدة ذات الشأن". وأمكن التوصل الى مسودة الاتفاق بفضل "مرونة" الطرفين بعد قرار دمشق "التعجيل" بمفاوضات الشراكة للتخلص من سعي الكونغرس الاميركي الى فرض عزلة سياسية واقتصادية على سورية تمثلت بإقرار مجلسي النواب والشيوخ وادارة الرئيس جورج بوش "قانون محاسبة سورية واستعادة سيادة لبنان" نهاية العام الماضي. ومثلما كان قرار ادارة بوش تقديم "توصية" للكونغرس بعدم اقرار "قانون المحاسبة" نهاية العام 2002 كي "لا يقيد ايدي" الادارة في الشرق الاوسط خلال التهيئة للحرب على العراق احد العوامل التي دفعت الى سير مفاوضات الشراكة السورية - الاوروبية بسرعة بطيئة تفاوضياً، فإن اقرار "قانون المحاسبة" دفع سورية الى تعجيل المفاوضات بعد جمودها منذ عام 1998 بحيث تم التوصل الى المسودة بعد يومين من اقرار القانون. وحرص المسؤولون السوريون على القول ان "التعجيل لن يكون على حساب المصالح الوطنية السورية"، لكن ذلك اعطى آلية دافعة لانجاز اتفاق الشراكة. وتتطلع المفوضية لتوقيع آخر اتفاق شراكة مع دول المتوسط، ما يعطي اطاراً جغرافياً واستراتيجياً لتطبيق مسيرة برشلونة التي اطلقت عام 1995. كما ان ذلك يسمح لسورية بخرق الاطار الضاغط الملفوف حولها بعد احتلال العراق وفرض عقوبات سياسية واقتصادية، اضافة الى ان المساعدات الاقتصادية والفنية الواردة في اتفاق الشراكة تساهم في دعم الاصلاحات الاقتصادية والادارية المزمع اجراؤها في سورية. وفي هذا الاطار، كان مقرراً ان يقوم الرئيس بشار الاسد بزيارة الى بروكسيل مطلع السنة الجارية لحضور توقيع رسمي لاتفاق الشراكة. لكن "المفاجأة" كانت لدى عدم موافقة بريطانيا على "الصيغة الوسط" التي توصلت اليها المفوضية مع الجانب السوري في شأن اسلحة الدمار الشامل، الامر الذي وافقت عليه كل من المانياوهولندا مع حياد فرنسي من اصل الدول ال15 في الاتحاد الاوروبي. وكان لافتاً ان الموقف البريطاني جاء من مكتب رئيس الوزراء توني بلير شخصياً وليس من وزارة الخارجية وذلك قبل يومين من اعلان الزعيم الليبي معمر القذافي "مبادرة" التخلي عن برامج مفترضة لاسلحة الدمار الشامل. وقالت مصادر ديبلوماسية ل"الحياة" ان بلير عارض الصيغة التي توصلت اليها المفوضية بسبب "انزعاجه من موقف سورية في الحرب على العراق، في حين ان وزير الخارجية الالماني يوشكا فيشر يعتبر موافقته على بند غير صارم بالنسبة الى اسلحة الدمار الشامل السورية نهاية سياسية له في المانيا التي لا تزال عقدة الهولوكوست قائمة فيها. اما بالنسبة الى هولندا، فهناك عاملان: الاول، الموقف الهولندي من موضوع حقوق الانسان والمجتمع المدني. والثاني، التأييد الهولندي لمواقف اميركا في الحرب على العراق". جلسة تفاوضية وجرت جلسة اخرى من المفاوضات في 13 كانون الثاني يناير الماضي بين معاون وزير الخارجية السوري وليد المعلم ورئيس الوفد الاوروبي كريستيان ليفلر بهدف التوصل الى "حل وسط" اسفرت عن "صفقة" في ملفي اسلحة الدمار الشامل وحصة سورية من المنتجات الزراعية في اوروبا، لم توافق عليها الدول الثلاث بريطانياوهولنداوالمانيا رسمياً، لأنها تصر على "اتخاذ خطوات" وليس "العمل" لتوقيع "جميع" اتفاقات اسلحة الدمار الشامل. وتحدثت مصادر اوروبية ل"الحياة" عن تيارين متوازيين في كل دولة اوروبية. اذ يمثل ديبلوماسيو وزارة الخارجية ومؤيدو الاتحاد الاوروبي والعلاقة مع الضفة الاخرى للبحر الابيض المتوسط تياراً معتدلاً ومنفتحاً، فيما يمثل التيار الثاني "آيات الله فقهاء اسلحة الدمار الشامل" الذين لا يرون في العالم سوى منع انتشار اسلحة الدمار الشامل. وقالت: "كان صعباً على أي دولة قبول موقف معتدل بعد قول لندن وواشنطن ان الحرب على العراق شنت بسبب موضوع اسلحة الدمار الشامل، اضافة الى صعوبة ان نعطي فرصة لسورية للتخلص من الضغوط الاميركية". وكشفت هذه الحجج مدى تراجع الحماسة الاوروبية لتوقيع اتفاق شراكة مع دمشق ومدى "الخيبة السورية" من الموقف الاوروبي، بل مدى الخيبة في اوساط المفوضية من الشروط التي تضعها دول اوروبية. وتجسد ذلك عملياً ب"تجاهل سوري" و"ضغط" من دول اوروبية خلال الاسابيع الاخيرة الى حد الاشارة الى احتمال وضع بنود اضافية في المستقبل تتعلق ب"دعم الارهاب". اذ قال وزير الخارجية فاروق الشرع في 24 شباط فبراير الماضي: "هناك افتعال مشكلة من دولة اوروبية ثم انضمت اليها دولة او دولتان ... من جانبنا سنستمر في السعي لتوقيع الاتفاق. لكن لن يفتح للمناقشة مرة اخرى. ما توصلنا اليه هو الاساس الذي بني عليه التفاهم بين الجانبين. ونأمل ان تعيد هذه الدولة النظر في موقفها". وفي 26 شباط، سئل بلير ما اذا كانت بلاده "وضعت شرطاً على سورية كي تنزع اسلحة الدمار الشامل قبل توقيع اتفاق الشراكة؟"، فأجاب: "اننا مهتمون بألا تشكل سورية خطراً على المنطقة والعالم سواء من خلال رعايتها الارهاب او من خلال برامج اسلحة الدمار الشامل. ونحن ندعم مفهوم الشراكة السورية - الاوروبية ولا نضع شروطاً، لكننا نريد التأكد من ان سورية في المسار الصحيح بالنسبة الى هذين الامرين. وحاولت التأكيد للسوريين أن يد الشراكة ممدودة لكم عندما تكونون جاهزين لالتزام القواعد الدولية المناسبة". وبعد ثلاثة ايام من ذلك، قال وزير الخارجية السوري انه "اصبح" بعد تصريحات بلير "اميل الى التفاؤل بأن هذا الاتفاق الشراكة سيوقع في اقرب الاجل"، بعدما ذكّر بأن لدى بلاده مشروع قرار في مجلس الامن الدولي لنزع اسلحة الدمار الشامل من جميع دول الشرق الاوسط "وعندما يصبح الامر ناضجاً ويصبح الآخرون جاهزين للتوقيع، واشراف الاممالمتحدة على هذه العملية المهمة نزع الاسلحة من جميع الدول ستكون سورية جاهزة للتوقيع. وأي طريق آخر للوصول الى نزع الاسلحة غير هذه الطريق سيكون ملتوياً وناقصاً لانه سيشمل دولاً ويستثني أخرى". واشار الى ان الموقف السوري في الاممالمتحدة هو "الجواب" السوري على مساعي بريطانياوالمانياوهولندا. وأعطت هذه التصريحات "بعض الامل" بإعادة فتح الملف قبل انضمام الدول العشر على رغم ان قادة الدول الاوروبية لم يتوصلوا الى "صيغة رسمية" لموضوع الشراكة مع سورية خلال اجتماعهم الاخير، حيث جرت اتصالات ديبلوماسية لترتيب جولة اوروبية للشرع، وتم الاتفاق على زيارته كلاً من روما وباريس ولندن بين الخامس من الشهر الجاري والتاسع منه من دون شمولها برلين بسبب "انشغال فيشر بزيارات خارجية". لكن سرعان ما تبددت لاحقاً هذه الآمال لدى اعلان دمشق "تأجيل" وزير الخارجية السوري جولته بسبب "انشغاله بالمشاورات والاتصالات المتعلقة بالتحضير لعقد القمة العربية المؤجلة، خصوصاً ان نتائج هذه القمة كانت احد محاور جولة الشرع". واقتصرت الاتصالات السورية - الاوروبية على زيارة وزير الخارجية الهولندي بيرنارد رودلف بوت لدمشق ولقائه الاسد والشرع. وقالت مصادر رسمية انها "تركزت على اهمية انجاز اتفاق الشراكة بين سورية والاتحاد الاوروبي"، وان الوزير الهولندي اكد "أهمية التوصل الى اتفاق للشراكة الاوروبية نظراً لدورها في تعزيز او تطوير العلاقات الثنائية في مختلف المجالات"، لافتاً الى "القناعة والامل بقدرة الطرفين التوصل الى اتفاق". وقال السفير الاوروبي فرانك هيسكه ل"الحياة" ان الطرفين "يعملان للتوصل الى اتفاق في اقرب فرصة ممكنة، لأن في هذا مصلحة للطرفين اللذين يعملان على حل الصعوبات"، لافتاً الى انه "متفائل لأن الطرفين مرنان ويظهران تصميماً ورغبة في حل الصعوبات". توسيع الاتحاد الأوروبي لكن، هل هذا ممكن قبل توسيع الاتحاد الاوروبي؟ يستبعد خبراء اوروبيون مستقلون ذلك، ويقولون ان "انضمام دول جديدة يعني مفاوضات وصعوبات اكثر للتوصل الى توافق بين 25 دولة، خصوصاً ان بعضها له ديون على سورية، اضافة الى ان لأميركا نفوذاً اكبر في اوروبا الجديدة". يذكر ان أي اتفاق يتطلب اقرار جميع برلمانات الدول الاعضاء والبرلمانين السوري والاوروبي. كما ان المفوضية لا تملك صلاحية كاملة في الشؤون السياسية على عكس الامور التجارية التي يعود القرار فيها اليها. وشكل هذا الجانب القانوني في النظام الداخلي للاتحاد الاوروبي مشكلة لدى المفاوضين السوريين، اذ ان احدى الاشكاليات هي "عدم وجود ضمانات من ان أي اتفاق يتم التوصل اليه مع المفوضية هو اتفاق نهائي، اذ لا بد من العودة الى الدول الاعضاء واحدة بعد الاخرى". اما بالنسبة الى سورية، فإن موعد الاول من ايار "لا يشكل هاجساً مطلقاً". وقال مصدر سوري: "لا يشكل هذا الموعد عامل ضغط علينا. انه ضمن الاجندة الاوروبية الخاصة بهم"، لافتاً الى ان دولاً اوروبية اصبحت اخيراً "ميالة الى تحريك الموضوع" في اشارة الى زيارة الوزير الهولندي واتصالات بريطانية - سورية. وقالت مصادر ديبلوماسية: "لم تنته احتمالات توقيع الاتفاقات. ستمر فترة من الجمود ثم يعاد فتح باب المفاوضات". وفيما كان الهدف الاساس لزيارة الوزير الهولندي "ابداء الرغبة في تحريك" مسيرة التفاوض وفق توجيهات اجتماع المجلس الاوروبي غير الرسمي الى المفوضية، فإن احد مصادر القلق السوري هو عدم وجود ضمانات من ان ما يمكن التوصل اليه مع المفوضية سيكون ملزماً لجميع الدول الاعضاء. وقال خبير سوري: "على الاوروبيين ان يتفقوا اولاً في ما بينهم على صيغة نهائية ثم تأتي المفوضية لنا بها لنتفاوض عليها، لا ان نتفاوض معها قبل توصل الدول الى صيغة نهائية متفق عليها بينهم". بند اسلحة الدمار الشامل وكانت الصيغة الاولية للمادة الثالثة المتعلقة ب"الحوار السياسي" في مشروع الاتفاق كالآتي: 1- يقوم حوار سياسي منتظم من أجل تعزيز علاقات دائمة من التعاون بينهما وللمساهمة في رفاهية منطقة المتوسط واستقرارها وأمنها وإيجاد مناخ من التسامح والتفاهم الثقافي. 2- يهدف الحوار السياسي والتعاون خصوصاً إلى ما يأتي: أ- عملية التقارب بين الطرفين من خلال تطوير تفهم متبادل أفضل ومن خلال تشجيع تلاقي الآراء من خلال التشاور المنتظم في شأن المسائل الدولية ذات الاهتمام المشترك. ب- إتاحة الفرصة لكل طرف لكي يتمكن من تفهم مواقف الطرف الآخر ومصالحه وإيلائها الاعتبار اللازم. ج- تحسين الاستقرار والأمن المتبادل في المنطقة الأوروبية - المتوسطية من خلال أمور منها التشجيع على التوقيع والتصديق على معاهدات عدم الانتشار من كل الشركاء المتوسطين، بما في ذلك اتفاقات "بي دبليو سي" و"سي دبليو سي" و"ان بي تي" و"سي تي بي تي" في إطار أهدافهم المشتركة المتمثلة بتجريد المنطقة من أسلحة الدمار الشامل والأسلحة النووية والبيولوجية والكيماوية وأنظمة نقلها. وجاءت الصيغة النهائية للاقتراح الاوروبي الذي حصلت "الحياة" على نصه كالآتي: 1- يقوم حوار سياسي منتظم من أجل تعزيز علاقات دائمة من التعاون بينهما وللمساهمة في رفاهية منطقة المتوسط واستقرارها وأمنها وإيجاد مناخ من التسامح والتفاهم الثقافي. 2- يعتبر الطرفان ان اسلحة الدمار الشامل ووسائل ايصالها احد اكبر الطرق تهديداً للاستقرار والامن في المنطقة. لذلك، فإن الاطراف تتفق على التعاون والمساهمة في محاربة تطوير اسلحة الدمار الشامل النووية والكيماوية والبيولوجية ووسائل ايصالها عبر التزام واجباتها الواردة في اتفاقات ومعاهدة الحد من اسلحة الدمار الشامل وانتشارها والالتزامات الواجبة في قرارات مجلس الامن مع تأكيد التنفيذ الفاعل لها. كما يتفق الطرفان على اعتبار هذا البند عنصراً اساسياً من الاتفاق. 3- يجدد الطرفان اهدافهما المشتركة للعمل سوية وفي شكل مؤثر لاقامة منطقة حرة من اسلحة الدمار الشامل النووية والبيولوجية والكيماوية وأنظمة ايصالها. كما اضيفت مادة جديدة الى هذا البند تتضمن عمل السوريين والاوروبيين على تقوية نزع اسلحة الدمار الشامل وتحسين الاستقرار والأمن المتبادل في المنطقة الأوروبية - المتوسطية من خلال أمور منها: العمل سوية لتوقيع ومصادقة وتنفيذ المعاهدات الاخرى والعمل سوية لتوقيع والتصديق على معاهدات عدم الانتشار من كل الشركاء المتوسطيين بما في ذلك "اتفاقية الاسلحة النووية" و"حظر التجارب النووية" و"معاهدة الاسلحة البيولوجية" و"معاهدة الاسلحة الكيماوية". وبعد "تجاهل" سوري والتلويح بالانسحاب من كل مسيرة برشلونة للعام 1995 و"تحريك" بعد "ضغط" اوروبي، بلغت مرحلة التفاوض التدقيق في الكلمات مثل الفارق بين "العمل لتوقيع" و"اتخاذ خطوات" لتوقيع "جميع" اتفاقات اسلحة الدمار الشامل.