أخذت التحضيرات للانتخابات البلدية في لبنان، التي ينتظر ان تجرى في ايار مايو المقبل، تكتسب صفة المعركة السياسية، على حساب الصفة العائلية والمناطقية المحلية التي كانت تغلب عليها تقليدياً في تاريخ السياسة اللبنانية. وعزز اتفاق "لقاء قرنة شهوان" ممثلاً بالنائبين فارس سعيد ومنصور غانم البون مع العماد ميشال عون في باريس على التحالف في هذه الانتخابات، الصفة السياسية لهذا الاستحقاق، خصوصاً ان هذا التحالف يستهدف اقامة فرز بين المعارضة مجتمعة من جهة، والسلطة والموالين من جهة ثانية، في المناطق المسيحية خصوصاً. وهي صفة كانت تقتصر، ولا تزال، على المعارك البلدية التي تُخاض في المدن الكبرى الرئيسة مثل بيروت حيث يستعد المعارضون لرئيس الحكومة رفيق الحريري لتحالف يخترق اللائحة التي يسعى الى تشكيلها بهدف اضعافه وتحجيم دوره في العاصمة، وطرابلس حيث المواجهة بين رئيس الحكومة السابق عمر كرامي وخصومه بدءاً بوزير الاشغال نجيب ميقاتي والتكتل الطرابلسي. يستعد المعارضون لمواقع متعددة في السلطة لخوض معركة الانتخابات البلدية كل في مناطق له وجود فيها، باعتبارها "بروفة" لموازين القوى في الاستحقاقين السياسيين والدستوريين المقبلين: الانتخابات الرئاسية في الخريف المقبل والانتخابات النيابية في ربيع العام 2005. وأكدت مصادر "لقاء قرنة شهوان" اتفاقه مع العماد ميشال عون في الاستحقاق البلدي. ويجتمع لقاء "القرنة" غداً الاثنين في بيروت للاستماع الى تفاصيل التوافق بين عون والبون وسعيد اللذين غادرا باريس امس في طريق العودة الى بيروت للبدء في تحضير لوائح التحالف ووضع جردة بالبلديات التي سيجرى فيها التعاون بين القوى المختلفة التي يضمها اللقاء الرئيس أمين الجميل - القوات اللبنانية وسائر النواب والشخصيات المسيحية المعارضة وبين "التيار الوطني الحر" العوني. وقال قيادي في "القرنة" ل"الحياة" ان "مواجهة ستخاض في كل بلدية يوجد فيها مرشحو السلطة، مع المعارضة". هذا هو المبدأ. وفي انتظار الجردة بالبلديات التي ستحصل فيها المواجهة فإنها ستشمل حكماً المدن الرئيسة ومراكز الاقضية وبعض القرى. وذكر القيادي نفسه ان "شعارات المعارضة المتعاونة ستركز على دعم مرشحي الدعوة الى السيادة على القرار وطرح برامج تنموية واستقلالية البلديات عن وزارة الداخلية كائناً من كان الذي يتولى هذه الحقيبة، وتحديد مواصفات للمرشحين تقوم على نظافة الكف والشفافية وعدم دعم المرتكبين". وأضاف: "هدفنا خلق نبض جديد لأنها مناسبة للشباب وللنساء كي ينخرطوا في العمل السياسي والعام ويؤهلوا انفسهم للشأن العام انطلاقاً من المعركة على السلطات المحلية". وقال الوزير ميقاتي ان "لا خلاص للبنان باعتماد مبدأ الفردية والتسلط، ولا نجاح لأي مسعى انمائي بعيداً من مبدأ الانسجام والاداء المؤسساتي، ولا بناء متيناً من دون تحمل الجميع مسؤولياتهم بعيداً من المعارضة السلبية والهدامة". ودعا امام الرابطة الثقافية "الى التعاون لاختيار فرق عمل متجانسة في الانتخابات البلدية بعيداً من الاحتكار والارتهان". ودعا النائب نسيب لحود الى "الاستفادة من الانتخابات البلدية لتفعيل الحياة السياسية المحلية والافادة من الاستحقاق الرئاسي بمجيء رئيس جديد واطلاق نفس جديد وان تكون الانتخابات النيابية مناسبة لاجراء انتخابات حرة ونزيهة في ظل قانون انتخابي عادل للافساح في المجال امام المجلس الجديد لاختيار رئيس مجلس وتنبثق منه حكومة جديدة وان تكون حكومة اتحاد وطني، وان تحصل هذه الآلية في مواعيدها الدستورية". وقال لحود ل"المؤسسة اللبنانية للارسال": "يجب ان يقتنع السوريون بأن المصلحة اللبنانية والسورية تقتضي ان يترك السوريون للبنانيين ان يعبروا في شكل افضل عن رغباتهم في الاستحقاق الرئاسي وأتمنى على اي قوة خارجية اخرى ان تلعب الدور نفسه"، معرباً عن اعتقاده بأن البطريرك الماروني نصرالله صفير "ليس في جو تسهيل صفقة تعيين رئيس الجمهورية في لبنان ولديه اعتراض على بقاء لبنان تحت الوصاية". وقال ان "حركة التجدد الديموقراطي" التي يترأسها "ترفض ان تصبح البلديات اداة تستخدمها السلطة المركزية في الكباش السياسي في البلد". وقال: "الحركة ترفض في انتخابات بيروت ان تدخل مع اي طرف من السلطة ضد اي طرف آخر". وأيد "اقتراح تقسيم بيروت الى أحياء تنتخب اعضاء للمجلس البلدي وينتخب هؤلاء رئيساً للبلدية". ولفت الى "بعض المضايقات في المتن، وأتمنى وقفها لأننا لن نسكت عنها ويحصل استدعاء لبعض المرشحين ويطلب منهم التراجع وتهديدهم بفتح ملفات وهذا الجو سيرفضه المتنيون". ودعا النائب بشارة مرهج في حديث لاذاعة "صوت لبنان" الى "فتح باب الحوار في شأن الانتخابات البلدية في بيروت"، معتبراً ان الحريري "يتحمل مسؤولية كبيرة في هذا الموضوع والناس ينتظرون منه مبادرة كبيرة لأن احداً لا يربح في معركة كسر عظم". لكنه اعرب عن اعتقاده بأن "المعركة الانتخابية في بيروت ستحصل على رغم املي في تجاوز ما حصل في السابق". وقال النائب السابق تمام سلام للاذاعة نفسها ان الحريري "ألغى اي امكان للحوار او التشاور في شأن الاستحقاق البلدي في بيروت". ولفت الى ان "حتى الآن لم يحصل اي تراجع جدي عن الموقف الاول الذي اعلنه الحريري بالتجديد للمجلس البلدي الحالي". وقال: "هذا الاستحقاق للناس وليس للحاكم والسلطة، وموضوع الصلاحيات التنفيذية لمجلس بلدية بيروت ليس موضوعاً دينياً والطائفة في هذا الموضوع هي بيروت وان لا يمكن ان يكون هناك شخص معين يمتلك كل القرار التنفيذي في بيروت في موازاة وجود مجلس بلدي منتخب لا يتمتع بأي صلاحيات تنفيذية". ورفض سلام اقتراح تجزئة العاصمة الى بلديات عدة. من جهته، قال النائب مصباح الاحدب: "طرابلس مدينة محرومة ولكن لا يكفي هذا القول وحده، المفروض القيام بخطوات ملموسة وخصوصاً ان هناك مشاريع محددة تتوافق عليها كل الاطراف". وأضاف: "ليست هناك اي مشكلة شخصية مع احد ولكن المشكلة الاساسية مع الرئيس عمر كرامي حين يقول انا طرابلس ولا اقبل ان يشاركني احد". وأعرب عن شعوره بأن "الوزير ميقاتي الذي يمتلك السلطة لا ينسق مع احد، لا معي ولا مع التكتل الطرابلسي وكنت اتمنى ان يكون منفتحاً وينسق مع الجميع". ورأى النائب محمد بيضون ان "معظم الاحزاب والتنظيمات غير قادرة على انتاج كوادر مؤهلة للعمل البلدي وتبرر ذلك بدعوة العائلات لأخذ هذا الدور". واعتبر بيضون ان بعد عدة جلسات للمجلس النيابي غير منتجة ومن دون تفسير للدستور ولا محاسبة على أي شيء، أصبح المجلس يضيق ذرعاً بنواب من المعارضة يريدون استعمال حقهم الدستوري في طرح الثقة، كأن المجلس تحول الى الشؤون الشخصية، او ان ردود الفعل الشخصية حلّت محل النصوص الدستورية والتنظيمية، وكل ذلك على حساب دور المؤسسة وصدقية عملها ودورها. وتحدث عن "شخصنة المؤسسات"، معتبراً ان "ليس قابلاً للاستمرار فلا يمكن القبول بتجميد البلد وحياته السياسية والاقتصادية خدمة لمصالح فردية".