بعدما حسم جون كيري الترشيح الديموقراطي لمصلحته في منافسة الرئيس الجمهوري جورج بوش على الرئاسة في تشرين الثاني نوفمبر المقبل، بدأت عملياً الحملة التي ستكون الأطول في تاريخ البلاد. وخلال الشهور الثمانية الفاصلة عن موعد الاقتراع، ستكون انظار العالم مركزة بشكل استثنائي على المعركة الانتخابية الاميركية التي تنذر منذ بدايتها بأن تكون صعبة بالنسبة الى المرشحين، وبأن تتخللها ممارسات وأساليب غير معهودة، وربما مفاجآت مرتبطة بالسعي الى استقطاب الناخبين بأي ثمن، والتناول الشخصي الذي يركز على جوانب الحياة الخاصة. وتستقطب المعركة اهتماماً استثنائياً في العالم، ليس لأن السياسة التي تعتمدها الادارة الجمهورية الحالية تثير جدلاً لا سابق له، وانما ايضاً لأن الاميركيين سيختارون الرجل الذي ستكون بين يديه اكبر قوة اقتصادية وعسكرية في العالم. فور حسم الترشيح الديموقراطي في"الثلثاء الكبير"بدأت الاستطلاعات التي أظهرت ان بوش وكيري يتساويان تقريباً في الشعبية. اذ نال الأول نسبة 46 في المئة من أصوات الذين شملهم الاستطلاع الذي اجرته وكالة"اسوشيتد برس"، فيما أيده الثاني 45 في المئة. وايدت 6 في المئة المرشح المستقل رالف نادر الذي في حال استمراره في السباق سيأكل من أصوات الديموقراطيين، كما حصل في الانتخابات السابقة العام 2000، واتهم بأنه وراء هزيمة آل غور في مواجهة بوش. هذا يعني ان المعركة غير محسومة سلفاً للرئيس الحالي أو لمنافسه، مما يطرح السؤال عن امكان التغيير الذي قد يحدثه رئيس ديموقراطي في السياسة الاميركية الخارجية، خصوصاً بعدما اخرج الرئيس الجمهوري بلاده من بروتوكول كيوتو ورفض المحكمة الجزائية الدولية، وغزا العراق من دون قرار من الأممالمتحدة، ووصف ارييل شارون بأنه"رجل سلام"، انطلاقاً من ايديولوجيا محافظة تعتبر ان على الولاياتالمتحدة ان تتصدى بنفسها لكل ما تراه مرتبطاً بمصالحها، حتى لو تعارض ذلك مع القوانين والمؤسسات الدولية. وبغض النظر عن الطريقة التي سيعالج بها كيري هذه الملفات، فإنه سيرث غالبية، عددية وايديولوجية، في الكونغرس وافقت على كل قرارات الادارة الجمهورية، وستحد على نحو أكيد من امكانات التغيير الجوهري. هذا في حال افتراضنا أن الديموقراطيين سيسعون الى مثل هذا التغيير. بالنسبة الى الشرق الأوسط، من المعروف ان كيري الذي أيد الحرب على العراق لا يعترض على الغزو في حد ذاته أو مبرراته، وانما على اسلوب القيام به. وهو اليوم، بعد الذي حصل يحاول ان يجعل من صعوبات الادارة الجمهورية في العراق شعاراً انتخابياً، واعداً بتخفيف الخسائر عبر اشراك قوى عراقية ودولية فيها. لكنه يغفل الجانب الآخر من الحرب والمرتبط بالرغبة الاميركية في اعادة تشكيل المنطقة انطلاقاً من العراق. في موازاة ذلك، يأخذ كيري على ادارة بوش انها"تظهر ضعفاً"و"تفتقد الصراحة والصرامة"في التعامل مع حلفهائها العرب، في اطار سياسته ل"عزل الارهابيين"والتي تشكل محوراً اساسياً في توجهاته الى المنطقة. وهو القائل انه لن ينتظر ضوءاً أخضر من الخارج عندما يكون الأمن الاميركي مهدداً. وفي هذا المعنى، لن تكون الاحادية الاميركية ميزة جمهورية. فالرئيس الديموقراطي المقبل، في حال فوز كيري، قد يدخل تعديلات على لهجة تعامله مع العالم، لكنه سيبقى يتعامل معه انطلاقاً من كون بلاده الدولة الأقوى عسكرياً من مجموع الدول ال24 التي تليها في سلم القوة من جهة. ومن جهة ثانية، باتت محاربة الارهاب في العالم شأناً اميركياً خاصاً بعد اعتداءات 11 ايلول سبتمبر، لن يقبل اي رئيس مشاركة دولية في مواجهة هذا التهديد للأمن القومي الاميركي.