يعتبر زواج "المتعة"، أو ما يعرف بالزواج "الموقت"، أحد الموضوعات الفقهية المُختلف عليها بين أهم طائفتين من المسلمين: السنّة والشيعة. فالأولى تحرم هذا النوع من الزواج، قائلة بنسخه بعد تحليله. فيما الشيعة، تقول بحليته، وعدم نسخه. هذا الاختلاف الفقهي، استغل بشكل سلبي، ليذكي الخلاف العقدي، والصراع السياسي بين المذهبين، الذي استمر لعقود من الزمن، فيما زواج "المتعة" مفردة فقهية، لا تدخل ضمن المنظومة العقدية أو السياسية للمذهبين الإسلاميين. "الحياة"، رغبةً منها في الاقتراب من حقيقة هذا الزواج، وقراءته بعيداً من التدخلات السياسية والطائفية، استضافت عدداً من العلماء لاستطلاع رأيهم في هذا الزواج، وطبيعة السجال القائم حوله، للوقوف على ماهية هذا الزواج وحقيقته. حيث يرى العلامة الدكتور يوسف القرضاوي أن "فقه السنة، وفقه الشيعة، يتقاربان إلى حدٍ كبير، لأن المصدر الأصلي واحد، وهو الوحي الإلهي المتمثل في القرآن، والسنة النبوية. كما أن الأهداف الأساسية، والمقاصد الكلية للدين، واحدة عند الفريقين، وهي: إقامة عدل الله ورحمته بين عباده"، موضحاً أن "كثيراً من الآراء التي تعتبر شاذة عند أهل السنة من أحكام الشيعة، يوجد بين أهل السنة من قال بها، إذا أجدنا البحث والتنقيب"، داعياً في الوقت نفسه إلى "عدم التركيز على نقاط التمايز والاختلاف بين السنة والشيعة، بخاصة أن معظم نقاط الاتفاق في الأمور الأساسية التي لا يقوم الدين إلا بها قائمة. بخلاف نقاط التمايز، فجلها في الفرعيات". هذا الرأي ذاته، ذهب إليه الشيخ حسين علي المصطفى، أحد علماء الشيعة في السعودية، والذي يرى أن "زواج المتعة مسألة فقهية، أخذت أكبر من حجمها، واستخدمت كأداة تشنيع ضد الشيعة، في الخلاف التاريخي بين الفريقين. في حين أنها مسألة تتعلق بالنظرة الفقهية لكل مذهب من المذاهب. والمسائل الفقهية من العادة أن يتم فيها الاختلاف حتى بين أبناء المذهب الواحد"، داعياً إلى "تجاوز حال الاحتقان الطائفي والمذهبي، لمستوى أرفع من الوعي والمعرفة، ليكون للمسلمين رفعتهم وشأنهم، خصوصاً في هذه الأوقات الحساسة من حياة الأمة". هذا الرأي الذي اتفق عليه العالمان القرضاوي والمصطفى، خالفهما فيه الدكتور محمد النجيمي، أستاذ الفقه المقارن في المعهد العالي للقضاء وكلية الملك فهد الأمنية في الرياض. فهو وبحسب رأيه لا "يتفق مع الدعوة إلى التركيز على الأشياء المتفق عليها، وتجاهل المختلف عليها"، معتبراً أن ذلك نوع من "الضحك على العقول، لأن مواطن الاختلاف مع الغلاة أكثر من مواطن الاتفاق". الدكتور سليمان الماجد، القاضي الشرعي في محكمة الإحساء، هو الآخر يتفق في رأيه مع الدكتور النجيمي، حيث يقول: "لو كان الاختلاف بين السنّة والشيعة على قضية شرعية كالمتعة، لكان الأمر أهون، إلا أنه أيضاً في قضايا تتعلق بالأصول". النجيمي، وعلى رغم رأيه المتشدد، في مسألة الاختلاف والاتفاق مع الشيعة، إلا أنه لا يمانع في الحوار مع المعتدلين منهم، بهدف "إعادتهم إلى صوابهم"، مؤكداً في الوقت ذاته على ضرورة "التعايش بين الجميع كمواطنين، حتى نحافظ على وحدة البلاد واستقرارها. سواء في السعودية أو في أي جزء من العالم الإسلامي". حول رأي النجيمي والماجد، يعلّق المصطفى الذي يعتبر أحد أبرز علماء الشيعة في المنطقة الشرقية في السعودية: "غير صحيح ما يدّعى من عدم اعتماد فقهاء أهل السنة على الفقه الشيعي. فإمام الأزهر الراحل الشيخ محمود شلتوت، أجاز التعبد بالمذهب الجعفري، كما أن هنالك العديد من فقهاء مصر والشام واليمن، وعلماء السنة في أوروبا، ممن يأخذون بآراء الشيعة الفقهية، من دون أي حساسية"، معتبراً أن "مثل هذه الرؤى المتطرفة والمتشددة لا تستند إلى دليل شرعي. فهي تجعل الإسلام محتكراً لطائفة دون أخرى. فيما السنة النبوية الشريفة المروية عن الرسول محمد، تقرر أن عماد الإسلام هو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. كما أن أصول الدين الخمسة، متفق عليها بين الفريقين، وإنما الاختلاف في تفسير هذه الأصول. فالشيعة لها أدلتها وحججها في الفروع الفقهية التي ينبغي احترامها"، مستغرباً في الوقت ذاته "أن يبنى التعايش بين المذهبين على مثل هذه الأرضية الهشة، القائمة على التشكيك في الطرف المقابل. فيما المفترض أن يحسن الظن بالآخر، لتجاوز سلبيات الماضي وما جر من ويلات يدفع المسلمون ثمنها، بسبب الشقاق والخصام القائم". ضمن هذا الجدل، يدخل زواج "المتعة"، ليكون هو الآخر محط اختلاف بين الفريقين. وهو جدل سببه كما يرى البعض، عدم الفهم المتبادل لمعنى هذا الزواج، وشروطه، وطريقته، وصيغته. فيما يبقى زواج "المتعة" مبهماً لدى الكثيرين، من دون أن يعلموا له تعريفاً محدداً. فزواج "المتعة"، وبحسب الفقه الشيعي، هو "تزويج المرأة الحرة الكاملة نفسها إذا لم يكن بينها وبين الزوج مانع شرعي - من نسب أو سبب أو رضاع أو إحصان أو عدة أو غير ذلك من الموانع الشرعية-"، مشترطين لهذا الزواج شروطاً وهي: أولاً، تعيين المهر المتفق عليه. ثانياً، تعيين مدة الزواج بيوم مثلاً أو شهر أو سنة. ثالثاً، أن يكون الزواج بالرضا والاتفاق بين الطرفين. فإذا انتهت المدة تنفصل المرأة عن الزوج من دون طلاق. ويجب على المرأة مع الدخول بها - إذا لم تكن يائسة - أن تعتد عدّة الطلاق، إذا كانت ممن تحيض، وإلا فتعتد بخمسة وأربعين يوماً. والولد الناتج من زواج المتعة - ذكراً كان أو أنثى - يلحق نسبه بالأب ولا يُدعى إلا به، وله من الإرث ما للولد الناتج من الزواج الدائم والمذكور في القرآن الكريم، كما يرث من الأم، وتشمله جميع العمومات الواردة في الآباء والأبناء والأمهات، وكذا العمومات الواردة في الأخوة والأخوات والأعمام والعمات. من هنا يرى فقهاء الشيعة أن "المتمتع بها زوجة حقيقة، وولدها ولد حقيقة. ولا فارق بين الزواجين الدائم والموقت إلا أنّه لا توارث في زواج المتعة ما بين الزوجين، ولا قسمة ولا نفقة لها. كما أنّ له العزل عنها، وهذه الفوارق الجزئية فوارق في الأحكام لا في ماهية الزواج، غير أنّ أحدهما زواج موقت والآخر زواج دائم، وأنّ الزواج الأول ينتهي بانتهاء الوقت، والآخر ينتهي بالطلاق أو الفسخ"، كما يوضح المصطفى. عالم سني، كالدكتور يوسف القرضاوي، يرى أن السنة أجازت زواج المتعة قبل الشيعة، مؤكداً أنه قد قال به "حبرُ الأمة ابن عباس، وإن قيل أنه رجع عنها. ولكن ظل عدد من أصحابه في مكة وفي اليمن يفتون بها، مثل عطاء، وسعيد بن جبير، وطاووس، رضي الله عنهم أجمعين". تحليل عبدالله بن عباس لزواج "المتعة"، هو الآخر كان محل خلاف بين علماء المسلمين، ففي حين يرى عدد كبير من علماء السنة أن ابن عباس حرّم المتعة في آخر حياته يرى علماء الشيعة، أن ابن عباس لم يحرمها، ويؤيدهم في ذلك عدد من علماء السنة. حول هذه المسألة يقول الدكتور النجيمي: "إن نكاح المتعة يحرمه أهل السنة بالاتفاق، نظراً للأحاديث الصريحة التي تحرمه. وقد خالف في ذلك بن عباس رضي الله عنه، وعليه أكثر أصحابه كعطاء وطاووس، وبه قال ابن جريج. فيرون أن نكاح المتعة للضرورة والحاجة الشديدة، كالميتة ولحم الخنزير، وبالتالي فإن الصحيح أن ابن عباس لم يرجع عن قوله هذا. وقد حكم ابن عبد البر في "الاستذكار بضعف الآثار التي ورد فيها رجوع ابن عباس عن القول بإباحة المتعة". وهو ما يذهب إليه العلامة المصطفى، من أن ابن عباس لم يحرم زواج "المتعة"، مستنداً في ذلك لقول ابن عباس "رحم الله عمر ما كانت المتعة إلا رحمة من الله تعالى رحم بها أمة محمد، ولولا نهيه لما احتاج إلى الزنا إلا شقي". النجيمي، وفي موضع آخر، يُشكل على الشيعة إجازتهم لزواج "المتعة" في حال السعة والاختيار، معتبرا أنها إنما رخصت في الحال الشديد. في الوقت الذي يشير المصطفى إلا أنه لا يوجد دليل على اقتصار "المتعة" على وقت الضيق والحرج فقط، لقيام الدليل على سعتها، وعدم ضيقها. على رغم اختلاف النجيمي مع المصطفى، إلا أنه يؤكد أن جميع علماء المسلمين من السنة، لا يقيمون الحد على من تزوج "متعة"، معتبرين هذا الزواج، زواج "شبهة"، ولا يعتبرونه زنا، ملحقين ولد نكاح المتعة بأبيه، مضيفاً بعدم القول ب"كفر" من يبيح نكاح "المتعة". إلا أنه على رغم مرونته في هذه المسألة، يدعي بأن "الغلاة من الشيعة توسعوا فيها توسعاً هائلاً" وهو الادعاء الذي يرفضه العلامة المصطفى، مضيفاً أن "لا صحة لما قاله الدكتور النجيمي، مع احترامنا الشديد له. فكلامه يفتقد للعلمية والدليل. لأن من شروط المتمتع بها أن لا تكون ذات "بعل"، أي غير متزوجة، وأن تتم العملية وفق الشروط التي تحدث عنها". ويضيف المصطفى: "انه على رغم إباحة أئمة أهل البيت لزواج المتعة إلا أنهم تشددوا في السؤال عنها، والتأكد من تحقق شروطها، لكي لا يقع الطرفان في الشبهة والحرام. ففي الحديث عن الإمام محمد الباقر أنه سئل عن المتعة، فقال: إنّ المتعة اليوم ليست كما كانت قبل اليوم إنهن كن يومئذ يؤمَنّ واليوم لا يؤمَن فاسألوا عنهن. كما روي عن أبي سارة قال: سألت أبا عبد الله الصادق عنها، يعني المتعة؟ فقال لي: حلال فلا تتزوج إلا عفيفة، إن الله عز وجل يقول: والذين هم لفروجهم حافظون فلا تضع فرجك حيث لا تأمن على درهمك"، معتبراً أن هذا التشدد "إنما جاء للحفاظ على العفة والأخلاق، بعيداً عن الممارسة السلبية لها التي قد يمارسها بعض الجهال. دون أن تكون ممارستهم هذه مستوفية للشروط الشرعية". ما يدخل فيه البعض من جدلٍ كلامي وفقهي حول "المتعة" يراه البعض جدلاً غير ذي معنى، كونه جدلاً لفظياً، على المسميات لا أكثر. وهي وجهة النظر التي يؤيدها الباحث الشيعي عبدالمحسن الدعيمي، الذي يعتبر أن علماء السنة "أرادوا تحليل المتعة فتحايلوا عليها بإجازتها تحت غطاء زواج المسيار" متحدثاً في هذا السياق عما يحدث في "مصر والسعودية وبعض الدول الإسلامية الأخرى. حيث يطبق زواج المتعة تحت أسماء مستعارة، ففي السعودية باسم المسيار، أو الزواج الصيفي". وقد صدر عن هذا الزواج مقال الدكتور صالح الفوزان قال فيه: "إن قضية الزواج في الخارج تعبر عن رغبة الرجل المسافر وحده في تحصين نفسه من الانحرافات". الزواج "العرفي" في مصر، أو "الزواج بنية الطلاق"، أو "زواج فرند" عبدالمجيد الزنداني، كل هذه الصيغ السابقة، يعتبرها الدعيمي، تحايلاً على زواج المتعة، وصيغاً مشابهة أو مطابقة أو قريبة منه، لا تختلف عنه إلا في الاسم فقط. وما يراه الدعيمي مجرد اختلاف في المسميات لا أكثر يراه آخرون اختلافاً يتعدى الشكل إلى المضمون، معتبرين أن "الإِشكَال في زواج المتعة يطال تحديد المدة والشهود"، على العكس من "زواج فرند والمسيار، فكلاهما مكتملاً الشروط، غير أن المرأة تتنازل عن شيء من حقها"، بحسب الدكتور النجيمي. بعيداً عن التناول الفقهي البحت للمسألة، يرى الشيخ حسين المصطفى، أن "الدين الإسلامي أَولى الجنس أهمية" كبرى، فهو لا ينتقص من أهمية الجنس ولا ينكره، بل على العكس تماماً، يضفي عليه معنى رفيعاً ويجلله بالإيجابية الكاملة، الأمر الذي يزيل أي أثر للشعور بالإثم أو الخطيئة، وتبعاً لهذا المنظور فإنّ الإسلام يسمح للغريزة أن تتجلى ببهجة وصفاء، بحيث تصبح الحياة صيغة متكاملة. فتسعى جاهدة للحصول على رضا الله من جهة، وممارسة الجنس وفقاً لأخلاقيات راقية من جهة أخرى، ما يعني أنّ حياة المسلم اليومية تتضمن في جوهرها حواراً مستتراً ومستمراً مع الله، في جانب، وحواراً ثانياً بين الذكر والأنثى في الجانب الآخر، بغية أن تصير الحياة محاولة دؤوبة ومتصلة لدمج الدين والجنس في المجتمع"، مشدداً على أن الأولى من كل هذا الاستغراق الفقهي النظري البعيد عن الواقع "البحث عن حلول واقعية لما يعيشه الشباب من حال طوارئ جنسية في هذا الزمن المليء بالمغريات، خصوصاً للطلاب والطالبات الذين يعيشون بمنح ورواتب مختصرة يجريها عليهم ذووهم أو الحكومة. لأن أي كبت للشهوة الجنسية، أمر شاق لا يتحمله إلاّ القلة القليلة من الشباب والشابات، إضافة لما لهذا الكبت من مضار اجتماعية ونفسية وصحية"، متسائلاً عما يمكن أن "يفعل هؤلاء الطلبة والطالبات الذين لا يستطيعون القيام بالنكاح الدائم، وتمنعهم كرامتهم ودينهم من الوقوع في الفساد، وكلنا يعلم أنّ الحياة المادية بجمالها تؤجج نار الشهوة في نفوسهم؟ فمن المستحيل عادة أن يصون نفسه أحد إلاّ من عصمه اللّه، فلم يبق طريق إلاّ زواج المتعة الذي يشكل أحد الحلول الممكنة لتلافي الوقوع في الحرام".