يدين الأدب العربي القديم في نقله الى الفرنسية وفي التعريف به في فرنسا إلى الكاتب رينه خوّام الذي كرس كل حياته لهذا الأدب مترجماً إياه ودارساً عيونه وكاتباً عن أبرز ظواهره. ورينه خوّام فارق الحياة قبل أيام في منزله في إحدى ضواحي باريس الغربية عن عمر يناهز السادسة والثمانين. يُعد خوّام من أكبر مترجمي الأدب العربي القديم، ومن أهم الباحثين في المخطوطات العربية المحفوظة في المكتبة الوطنية في باريس. تلك المخطوطات التي تعود الى مئات السنين، منذ بداية الإسلام وحتى قرون خلت. وصدر له ما يزيد عن ستين كتاباً ترجمها عن المصادر الأصلية وكان بذلك صاحب الفضل في تعريف القارئ الفرنسي بدرر من الأدب العربي القديم لم يزل معظمها يجهله قراء اللغة العربية. ورينه خوّام من مواليد مدينة حلب. بعد نيله الشهادة الثانوية الفرنسية، غادر سورية التي كانت خاضعة آنذاك للانتداب الفرنسي، متوجهاً إلى باريس لدراسة التاريخ في جامعة السوربون. نال الماجستير عن موضوع "التماثيل المتحركة في الأدب العربي الشعبي". وبعد عودته إلى حلب، عمل أستاذاً لمادة الأدب في عدد من ثانوياتها. وتمكن من إدخال مادة التاريخ العربي في البرنامج الفرنسي كما كان يفخر بالقول. وكانت له نشاطات وكتابات مسرحية بالعربية. وبُعيد الاستقلال قرر الرجوع إلى باريس حيث عيّن أستاذاً في الثانويات وليس في الجامعات "بسبب الغيرة المعروفة لدى الأكاديميين"، كما ذكر لنا في مقابلة معه. ونظراً الى اختصاصه بالبحث التاريخي والمخطوطات، اتجه نحو الترجمة رامياً إلى التعريف بتراثيات الأدب العربي الشعبي. وقام رينه خوام باكتشافات عدة في هذا المجال كرسته المترجم الأول لهذا النوع من الأدبيات وهو ما استحق عليه "الجائزة الوطنية الكبرى للترجمة" التي منحته اياها وزارة الثقافة الفرنسية عام 1996. ومن أبرز أعماله في الترجمة ترجمة معاني "القرآن" والكتب التي تعرّف بالإسلام مثل "حياة محمد والخلفاء الراشدين" لكاتب عراقي من القرن السادس عشر، و"كتاب الحيل" للحريري، و"ألف ليلة وليلة" و"السندباد" والتي اعتبر أنها ضمّنت خطأ في ألف ليلة وليلة. وقام بترجمتها كلها عن المصادر والمخطوطات الأصلية. واشتهر خوّام بترجماته كتب الأدب العربي الإباحي القديم ومن دون أي حذف. ومن أشهر كتبه التي نالت رواجاً كبيراً في فرنسا "مختارات من الشعر العربي" وهو من ترجمته وتقديمه، و"حيل النساء" الذي ألفه عبدالرحيم الحوراني في القرن الرابع عشر واأعيدت طباعته في فرنسا ثماني مرات. ظل رينه خوّام محاطاً بالكتب والمخطوطات "النبع" كما كان يسميها، حتى النهاية وكان يعتقد بأن 30 في المئة من المخطوطات العربية ما زالت مجهولة. وكان جلّ همه العمل على الاكتشاف وتعزيز الانفتاح والتبادل الثقافي الذي يغني الجميع.