ارتفعت أسهم الأغنية الشعبية السورية بعد حضور مطربيها اللافت في السنتين الأخيرتين ونجاحهم في فرض ذائقتهم الفنية، بخلاف ما تنبأ به الكثير من النقاد. وزاد رصيدها برواجها في أوساط النخبة أخيراً بعدما رددتها آلاف الحناجر وشغلها الفراغ الذي تشهده الساحة الفنية في سورية. وعدّ ذلك انتصاراً لهذا اللون من الغناء، وفي شكل خاص للمنطقة الساحلية، إذ مهدت له السبيل الهجرات المتوالية لأبناء الريف الى المدن السورية الكبرى، وبخاصة العاصمة دمشق. وأعرض محمد قصاص رجل أعمال عن سماع الأغنية الشبابية الرائجة "التي شارفت مدة صلاحيتها على الانتهاء" مفضلاً اللون الشعبي "المهضوم"، وطالب شركات الانتاج الفني السورية بترويج هذا اللون عربياً: "يمتلك بعض هؤلاء المطربين مواهب فنية فذة وتنقصهم الخبرة والدراية في تسويق أسمائهم"، مشيراً الى النجاح الكبير الذي حظيت به أغنية "علوش" لعلي الديك على الفضائيات العربية باستخدامها تقنية الفيديو كليب. وأبدى الدكتور سالم ظلام أستاذ جامعي اعجابه بالأغنية الشعبية وروّادها الشباب تسميهم اعلاناتهم بالنجوم، منتقداً في الوقت ذاته تناولهم "الفج" لبعض القضايا وعدم تنويع عزفهم على سمات الشخصية الريفية، اضافة الى الكلمات "المبتذلة" في بعض الأغنيات، داعياً الأكاديميين الى دراسة هذه الظاهرة "للنهوض بمستواها الى شكل ومحتوى يليق بسمعتها". ودفعت "الحفاوة" التي لقيها هذا اللون من الشارع السوري بمتعهدي الحفلات إلى ابرام عقود سخية مع المطربين الشباب الذين بزغ نجمهم بفضل الرعاية و"التوصيات" من متنفذين شجعوا هذا اللون القريب من الفولكلور والبيئة الريفية. وحرص، نتيجة لذلك، مؤلفو الكلمات على ملاءمة مضامين الأغنيات مع مرادفات الحياة اليومية الريفية واللحن البسيط العفوي والمتسق مع مزاج غالبية السوريين، على رغم تشابه التوزيع الموسيقي بسبب الايقاع الطاغي على الجمل اللحنية، بما يناسب أصول الدبكة، التقليد العريق في الثقافة الشعبية السورية. والحال ان ذيوع مفردات الريفيين عبر تراثهم الفني لارتباطها غريزياً بوجدانهم لم يشفع لهم، فغدت مثار تندر أبناء المدن ومادة خصبة لثرثرة منتديات الانترنت وغرف الدردشة. وكان لموسم الحصاد حصة وافرة من البومات الأغنية الشعبية لدرجة ان أحد المطربين الجدد ضمن باكورة البوماته اغنيتين عنه. وانفردت البومات علي الديك في صدارة مبيعات "سوق الأغنية" السورية بعد أغنيته "طل الصبح ولك علوش سبقونا ها الحصادي"، التي وصفها البعض ب"قنبلة الموسم" وهي أول أغنية شعبية تقدم بطريقة الفيديو كليب، واستطاع بذلك وقف سيل الاتهامات التي سببتها أغنيته السابقة "سمرة وأنا الحاصودي" والتي أدّاها الكثير من المطربين من دون معرفة صاحب الأغنية أو تجاهل "نسبها" عمداً، على رغم قانون حماية الملكية الفكرية الذي شرعته سورية العام الماضي. وفي اشارة الى المكانة المرموقة لهاتين الأغنيتين لدى السوريين، قالت احدى الطرف التي راحوا يتبادلونها بينهم ان خبيراً فرنسياً يعمل لدى القطاع الخاص صعد في إحدى وسائط النقل العامة ولدى سماعه لحن المقدمة لأغنية "علوش" صرخ بأعلى صوته: "بليز، لا حصّادي لا حاصودي". في موازاة ذلك، استأثر وفيق حبيب بنصيب لا بأس به من حفلات المطاعم والمتنزهات في دمشق، وخصوصاً في مناسبات الأعياد ورأس السنة بعد أن حظيت اغنياته الشعبية بجماهيرية لا بأس بها بين عامة الجمهور وصفوتهم على حد سواء مثل "هاجر" و"دقوا المهباج" و"ناطر بنت المدرسة". ورأى بعض المشتغلين في الفن ان دخول الأغنية الشعبية "معمعة" الفيديو كليب ودوّامته سيترك آثاراً سلبية على ملامحها إذا لم تحسن استغلال عناصر الصورة البصرية المركبة في خدمة أغراضها بعيداً من الإثارة والابتذال، اضافة الى الخطر المحدق بها حالياً جراء ابتعادها عن الأصالة التي هي الضمانة الوحيدة في خلق ديمومة موسيقية.