ذاع صيت أغنية الحاصودي للمطرب الشعبي السوري علي الديك سريعاً في انحاء سورية وترامى صداها تلقائياً الى المجتمعين اللبناني والأردني، وهذه ظاهرة فنية تدعو الى الاهتمام، لجهة مقوماتها وزمانها، وفي الوقت نفسه هي صورة عن ظاهرة اجتماعية لا بد من البحث فيها ودراستها من مختلف جوانبها. ولم تكن أغنية الحاصودي بحاجة الى أي فيديو كليب أو أي فضائية لترويجها ضمن زحمة التنافس الغنائي الذي يعتمد جاذبية الصورة والجنس والايقاع. لقد انتشرت أغنية الحاصودي على الكاسيت وراجت من دون معرفة حتى شكل مطربها والطاقم الفني المرافق له، إلا في المناطق التي غناها مباشرة أمام الحشود التي اندفعت للاستماع اليه. ان هذا الصيت الذي لاقته أغنية الحاصودي لا يغني ولا يسمن من جوع على صعيد تطور الغناء العربي باعتباره صورة معكوسة للمجتمع في تغيراته وتطوراته المختلفة، وهذا الكلام ليس تجنياً على الأغنية أو فنانها، فهي على رغم هذا الموقف الذي أتحدث عنه ليست بحاجة الى شهادة أي منا نحن الصحافيين، كما قد يرد أصحابها أو المؤيدين لها، لأن سوقها كان رائجاً حتى بين هؤلاء. والمتمعن جيداً في كلمات الأغنية المذكورة يعتقد انها من ضمن منظومة الأغنية التراثية والفولكلورية السورية التي ترددها الأجيال جيلاً بعد جيل، فكلماتها منتقاة من البيئة الفلاحية لتحاكي ايقاع اللحن ومنظومة توزيعه التي تؤسس لنفسها من وسائل تلحين تعود للبيئة نفسها، لكن هذه الكلمات خلت من معاني الارث الذي قدمته الأغنية التراثية والفولكلور من قبل. جاء في مقاطع هذه الأغنية: سمرا وأنا الحاصودي مابو بالزرع شميل عودي ع ديارك عودي جايي ترمي بحبالها جايي تصيد الغزالي ما في بالزرع غزيل حصرم لسه العنقودي جايي تسنبل ورايي سمرة وأنا الحاصودي سمرة أوعي تحبيني أنا عصفور طياري خلينا متل حساسين نتنقل بالودياني موالك غني وليّل تيختير المولودي سميرة وأنا الحاصودي ان المعنى العام لنص الأغنية مقحم على البيئة الريفية السورية، بل هو نتاج مجتمع مديني معاصر أصابه الاحباط. ففي الوقت الذي أصل فيه الفولكلور الغنائي للوفاء والمحبة والتضحية والرجولة، افتقدت أغنية الحاصودي هذه المعطيات وبنت لنفسها هزالاً أنتجه الخواء الروحي المنتشر في العالم العربي الذي يعمل تلقائياً على تفكيك المعنى عن محتواه! وعلى رغم مثل هذه المآخد ردد الجمهور كلمات الأغنية وحفظها عن ظهر قلب، وكأنه يريد ان ينتقم من تلك الفتاة السمراء التي تركض وراء الحاصودي بدل انتقامه من الظروف المحيطة به وصانعيها اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً. فنياً تم توزيع اللحن المرافق لهذه الأغنية بنجاح على أساس محاكاة كلماتها، فالطبل والمجوز والناي والدربكة هي أبناء البيئة الفلاحية، والحماسة التي كان يؤججها الفنان علي الديك الذي اكتسحت اغنيته الشارع السوري اضافت لهذه الأجواء خصوصيتها. بمعنى آخر هي أغنية ناجحة فنياً بغض النظر عن المآخذ عليها كظاهرة اجتماعية للتعاطي مع الفن.