تحسم محكمة أمن الدول العليا في القاهرة في 25 الشهر الجاري أمر قضية "حزب التحرير الإسلامي" بعد أكثر من سنة ونصف السنة ظل فيها الجدل يدور حول أسباب عودة الحزب إلى واجهة الأحداث في مصر بعدما توارى إلى خلفية الصورة لسنوات طويلة. أسباب كثيرة وضعت تلك القضية في بؤرة الضوء، من بينها وجود ثلاثة بريطانيين ضمن لائحة الاتهام فيها وعودة "حزب التحرير" بعدما توقف العنف الأصولي تماماً بفعل انشغال جماعة "الجهاد" التي يقودها الدكتور أيمن الظواهري في تحالف مع جماعة "القاعدة" بزعامة اسامة بن لادن يستهدف الاميركيين أولاً ويركز نشاطه في أماكن بعيدة من مصر. وتفجرت القضية أيضاً بعدما خلت الساحة من نشاط تنظيم "الجماعة الإسلامية" الذي نفذ عناصره أكثر من 90 في المئة من عمليات العنف في عقد التسعينات من القرن الماضي وبعدما تبنت "الجماعة" توجهاً سلمياً على مراحل عدة ترسخ بفعل كتب وأبحاث ودراسات فقهية أصدرها قادة الجماعة وشرحوا فيها تحولهم السلمي وأسباب رفضهم العنف وسيلة للتغيير. وعلى المستوى القانوني مثلت قضية "حزب التحرير" سابقة أيضاً، فعندما قرر النائب العام المستشار ماهر عبدالواحد إحالة المتهمين في القضية على محكمة أمن الدولة العليا في آب أغسطس 2002، كان مفاجئاً انه استبعد الاتهامات الأساسية التي ضمنتها أجهزة الأمن بالتأسيس والإنشاء والانضمام الى عضوية هذا الحزب المحظور في مصر، واكتفى بالاتهام الخاص بالترويج بالقول والكتابة لأفكار الحزب وحيازة مطبوعات ونشرات خاصة به. وكانت أجهزة الأمن اعتقلت في 1983 عدداً من أعضاء الحزب في مصر على رأسهم القيادي علاء الدين حجاج الزناتي الذي ورد اسمه في لائحة الاتهام في القضية الجديدة، واحتل المرتبة الثانية فيها. لكن نيابة أمن الدولة آنذاك رأت عدم وجود أدلة على اتهامات أجهزة الأمن وأطلقت الزناتي وزملاءه بعد شهور قليلة. وعلى رغم أن موقف النيابة في القضية الأخيرة كان مشابهاً لما جرى قبل سنوات لجهة عدم الموافقة على الاتهامات المغلظة وإن وجدت في حيازة المتهمين كتب فقهية ونشرات سياسية مسطرة بقلم قيادات التنظيم الدولي مثل تقي الدين النبهاني الذي أسس الحزب والدكتور عبدالقديم زلوم الذي تولى القيادة من بعده، إلا أن القضية ضربت رقماً قياسياً في فترة التحقيقات والمحاكمة التي بدأت أولى جلساتها في تشرين الأول أكتوبر 2002 على رغم أن هيئة المحكمة استعجلت المحامين وطالبتهم بإنهاء دفاعهم ومرافعتهم الشفوية حرصاً على مصالح المتهمين، كما قال رئيس هيئة الدفاع منتصر الزيات. وقررت المحكمة في جلستها الأخيرة في تموز يوليو 2003 النطق بالحكم في جلسة 25/12/2002، لكنها عادت وأرجأت ذلك لأكثر من خمسة أشهر وفاجأت المتهمين ودفاعهم بل والرأي العام لتقرر مجدداً تمديد أجل النطق بالحكم حتى 25 آذار مارس الجاري. والمتهمون المصريون في القضية هم كل من أحمد إبراهيم محمد مرافق مجموعات سياحية، وعلاء الدين عبدالوهاب مهندس كومبيوتر، ومحمد علي الطرشوي موظف في جامعة حلوان، وهشام عبدالعاطي عبدالحميد عاطل، ووليد السيد صالح طالب، ومحمد عبدالكريم مدرس، ومحمد هاشم عاطل، وشريف وهبة طالب، ومدحت يحيى طالب، وأشرف راضي مدرس، ومدحت عبدالرحمن مهندس، وأحمد عبدالظاهر حلواني، وعادل عبدالعزيز مهندس، وهشام عبد العال موظف، وهيثم عبدالرحمن مدرس، وسعد محمد إبراهيم مدرس، ومحمد عادل عبدالظاهر مدرس، ومحمد الدسوقي طالب، وأحمد يونس مدرس، ومحمد عبدالفتاح هارب، وحسن حسب الله محاسب. وذكرت لائحة الاتهام في القضية أن المتهمين جميعاً "روجوا بالقول والكتابة لأغراض جماعة أسست على خلاف أحكام القانون تسمى "حزب التحرير الإسلامي" تدعو إلى تعطيل أحكام الدستور والقوانين ومنع مؤسسات الدولة من ممارسة أعمالها بأن روجوا في ما بينهم وللغير دعوتها إلى تكفير نظام الحكم وإباحة الخروج عليه لإسقاطه سعياً الى إقامة ما سموه الخلافة الإسلامية"، وأن المتهمين من الأول حتى الرابع عشر والخامس والعشرين والسادس والعشرين "حازوا وأحرزوا مطبوعات تتضمن ترويجاً وتحبيذاً لأغراض الجماعة معدّة للتوزيع واطلاع الغير عليها وذلك على النحو المبين في التحقيقات"، وأن المتهمين الثاني والسابع "حازا وسيلة من وسائل الطبع التي تتضمن ترويجاً وتحبيذاً لأغراض الجماعة"، واعتبرت النيابة أن المتهمين جميعاً "ارتكبوا الجنايات المنصوص عليها بالمواد 83 و86 و88 و98 من قانون العقوبات"، وطالبت بتطبيق أقصى العقوبة. وبالطبع فإن المتهمين جميعاً نفوا تلك التهم سواء في التحقيقات التي تولتها النيابة أو في ساحة المحكمة، في حين رحب محامي المتهمين الزيات بإحالة القضية على محكمة مدنية "بعد سنوات ظلت فيها قضايا الاصوليين لا تحال إلا على القضاء العسكري"، لكنه طالب في بداية مراحل المحاكمة بإحالة المتهمين على الطب الشرعي، وأشار إلى أنهم "تعرضوا للتعذيب للإدلاء باعترافات"، كما طلب إحالة الكتب والمطبوعات التي ضبطت معهم على مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر "لتحديد ما إذا كانت مخالفة للشريعة الإسلامية أم لا وكذلك لبيان ما إذا كانت تحوي ما يعارض الدستور المصري". وذكر أن المتهمين "حصلوا على الكتب من مكتبات مصرية"، وقال إن "دور النشر اللبنانية التي طبعت فيها غالبية تلك الكتب شاركت في دورات معرض القاهرة الدولي للكتاب وحصلت على ترخيص من هيئة الكتاب بعرض الكتب في الأسواق المصرية"، وطلب من المحكمة "الحصول على شهادة من هيئة الكتاب تفيد بذلك". وأحالت المحكمة الكتب على لجنة كبار من علماء الأزهر، انتهت إلى أن غالبيتها لا تخالف الشريعة، ولا تحوي أفكاراً تكفيرية أو تحريضية على الإرهاب. وكانت "الحياة" تحدثت أثناء الجلسة الأخيرة إلى المتهم الرئيسي أحمد إبراهيم الذي نفى أن يكون من بين أفكار "حزب التحرير الإسلامي" استخدام القوة لإسقاط الأنظمة، كما نفى أن يكون المتهمون ارتبطوا تنظيمياً. وقال إنهم يحملون أفكار مؤسس الحزب تقي الدين النبهاني، وأكد المتهم الثاني علاء الدين حجاج أن الحزب لا يعد امتداداً لأفكار صالح سرية، وقال إن قضية اقتحام الكلية الفنية العسكرية "نُسبت إلى الحزب ظلماً"، وأكد "أن أفكار الحزب سليمة وتقوم على إقامة الخلافة الإسلامية بالطرق السلمية". في مرحلة التحقيقات وقبل أن تحال القضية على المحاكمة تسربت معلومات عن أن المتهم الأول في القضية الذي تعتبره السلطات زعيماً للتنظيم الجديد هو المحامي الأصولي الشهير محمد عبدالقوي عبدالجليل 63 سنة، فاقتحمت قوات الأمن مكتب عبدالجليل في شارع 26 يوليو وسط القاهرة في حضور ممثل للنيابة العامة واعتقلته وأحالته على نيابة أمن الدولة. وقالت السلطات وقتها إن متهمين أدلوا بمعلومات رأت أجهزة الأمن أنها تمثل أدلة اتهام ضده، وأمرت النيابة بحبس عبدالجليل لمدة 15 يوماً على ذمة التحقيق، لكنها عادت وأطلقته ولم تضم اسمه إلى لائحة الاتهام. امتلأت أوراق القضية بمعلومات عن اتصالات أجراها المتهمون مع قادة وكوادر في الحزب يقيمون في دول أجنبية بينها بريطانيا والنمسا ولبنانوالأردن، وأن بعضهم التقوا في القاهرة أربعة بريطانيين أبلغوهم بمخطط التنظيم للعمل على إعادة إحياء نشاط الحزب مجدداً بعدما انتهى وجوده على الساحة المصرية في نهاية عقد السبعينات. وفي وقت لاحق ألقت السلطات القبض على البريطانيين الأربعة وهم: زافي بانكورست 26 عاماً وماجد نواز 25 عاماً وحسن رزفي 23 عاماً ويان مالكوم، وضبطت في حوزتهم كتباً ومنشورات وبيانات تحوي أفكار الحزب، وتبين أن غالبية الكتب طبعت في لبنان وأن المتهمين البريطانيين تمكنوا من تجنيد عناصر مصرية من طلبة الجامعات من طريق المحامي عبدالجليل. وجاء في تحقيقات نيابة أمن الدولة المصرية مع المتهمين في القضية أن أصوليين مصريين انضموا إلى التنظيم أثناء وجودهم في لبنانوألمانيا، وتضمنت أقوال المتهم الرابع في القضية هشام عبدالعاطي أنه انضم إلى "حزب التحرير الإسلامي" أثناء وجوده في لبنان حيث شارك في حضور اللقاءات التثقيفية لعناصر الحزب، وانه عقب عودته الى مصر العام 2000 اتصل به متهم مُكنى بعبدالعزيز وسلمه مجموعة من مطبوعات الحزب وكلفه عقد لقاءات تثقيفية لعناصر الحزب في محل إقامته، وذكر أنه قابل مع المتهم الثامن ماجد عثمان نواز عضو الحزب وتدارس معه في بعض مطبوعات الحزب، كما قابل المتهم الثالث عشر أشرف محمد راضي وبحث معه في فكر الحزب ومنهاجه. واعترف المتهم بأن حزب التحرير يسعى الى إقامة "دولة الخلافة الإسلامية" من خلال المرور بثلاث مراحل: الأولى التثقيف وهي تلك التي يمر بها بدرس الكثير من مطبوعات الحزب ومن بينها كتاب "نظام الإسلام"، والمرحلة الثانية هي الجهر بالحزب لكل المسلمين من خلال توزيع المنشورات، والمرحلة الثالثة النصرة وتعني تنصيب خليفة من بين قيادات الحزب. كما أقر المتهم الثالث عشر أشرف محمد راضي في التحقيقات بانضمامه الى حزب التحرير العام 1993 أثناء وجوده في ألمانيا حيث شارك في حضور اللقاءات التثقيفية التي تعقد لعناصر الحزب. وأضاف أن هدف الحزب هو إقامة الخلافة من خلال الدعوة لأفكار الحزب، وذكر أنه عقب عودته الى البلاد قابل المتهم الرابع عشر هشام عبدالعاطي مرات عدة تولى خلالها الأخير شرح فكر الحزب ومنهاجه له وسلمه بعض محررات الحزب التي ضبطت في حيازته. لكن كل المتهمين عادوا ونفوا الاعترافات التي أدلوا بها في مرحلة التحقيقات وذكروا أنهم تعرضوا لضغوط لدفعهم إلى الإدلاء بمعلومات. ومنذ أحيلت القضية على محكمة أمن الدولة وليس محكمة عسكرية بدا واضحاً أن القاهرة لا ترغب في استفزاز البريطانيين أو المنظمات الحقوقية الدولية، لكنها أيضاً حافظت على صرامة الإجراءات التي تتخذ ضد الأصولية، خصوصاً انها تعتقد أن توقف العنف تم بفعل تلك الإجراءات وتحول تنظيم "الجماعة الإسلامية" إلى انتهاج سلمي وانشغال جماعة "الجهاد" في تحالفها مع اسامة بن لادن "لا يمكن أن تبدده أعمال تنظيم آخر يحاول العودة بالأوضاع إلى ما كانت عليه في عقد السبعينات من القرن الماضي". ولاقى قرار رئيس المحكمة القاضي أحمد عزت العشماوي تشكيل لجنتين، واحدة دينية من علماء الأزهر وثانية قانونية من أساتذة الحقوق في جامعة القاهرة لفحص الكتب والمطبوعات التي ضبطت في حوزة المتهمين وبيان مدى مطابقتها مع الشريعة الإسلامية، ارتياحاً من جانب المتهمين انفسهم ومحاميهم وبالقطع عائلاتهم، لكن هؤلاء ظلوا على استغرابهم لأن المحاكمة بحسب ما يقولون "تقوم على أسس فكرية وليس لانتماء المتهمين الى تنظيم إرهابي". وتعد هذه المرة الأولى التي يحاكم فيها أجانب ولا يحملون الجنسية المصرية كجنسية أصلية أمام القضاء المصري في قضايا العنف الديني. وكان اصوليون من أصول مصرية حصلوا على جنسيات دول أخرى دينوا في عقد التسعينات في قضايا مختلفة بينهم بريطاني وأميركي وكندي. كما يقضي بريطاني من أصل مصري عقوبة الأشغال الشاقة لمدة 15 سنة في قضية نظرتها محكمة عسكرية العام 1997 عرفت باسم "قضية خان الخليلي" تتعلق بمخطط جماعة "الجهاد" لتنفيذ عملية ضد سياح يهود في حي خان الخليلي السياحي. ووفقاً لمصادر قضائية، فإن النائب العام المصري المستشار ماهر عبدالواحد استبعد نحو 60 مصرياً آخرين خضعوا للتحقيق من جانب نيابة أمن الدولة في القضية نفسها ولم يحل على المحاكمة إلا ال26 متهماً بينهم ثلاثة بريطانيين، وتم استبعاد بريطاني رابع بعدما رأت جهات التحقيقات أن لا علاقة له بالتنظيم. أما البريطانيون الثلاثة الذين اتهموا في القضية فهم كل من رضى بانكورست 26 عاماً وماجد نواز 35 عاماً ويان مالكولم. وتؤكد السلطات أن المتهمين بمن فيهم البريطانيون الثلاثة اعترفوا بعضويتهم في التنظيم واعتناقهم أفكاره وأنهم عقدوا لقاءات وندوات في محافظاتالقاهرة والجيزة والإسكندرية والقليوبية ناقشوا فيها تحقيق أهداف التنظيم. لكنهم نفوا أن يكونوا خططوا لارتكاب أي أعمال عنف على الإطلاق. كما لوحظ أن المضبوطات التي عثرت عليها السلطات معهم لم تشمل أسلحة ومتفجرات وإنما كانت كلها عبارة عن كتب ومطبوعات وبيانات تخص الحزب. وكانت السلطات اعتقلت البريطانيين الأربعة ونحو 50 آخرين من الاصوليين المصريين مطلع نيسان ابريل العام 2002، ووجهت إليهم تهماً تتعلق بمحاولتهم إعادة إحياء نشاط "حزب التحرير الإسلامي" في مصر، بعدما قُضي عليه تماماً في النصف الأول من السبعينات في القرن الماضي. وفي وقت لاحق وسعت السلطات لائحة المتهمين في القضية، واعتقلت نحو مئة من الاصوليين المصريين. وجاء التحرك المصري بعد ما لاحظت جهات الأمن المصرية نشاطاً إعلامياً واسعاً ل"حزب التحرير الإسلامي" منذ منتصف العام الماضي، عبر بيانات إلى الصحف ووكالات الأنباء، بعضها تحدث عن الأوضاع في مصر وأوزبكستان وتضمن هجوماً شديداً على أميركا، وضبطت السلطات المصرية في حوزة المتهمين كمية من المنشورات والبيانات ومطبوعات أخرى تحوي أفكار الحزب المحظور قانوناً في مصر ومبادئه، مشيرة إلى أن ثلاثة من البريطانيين الأربعة وصلوا إلى مصر بغرض الدراسة في جامعة الأزهر وأن أحدهم تاجر وحصل على تأشيرة سياحة للدخول إلى الأراضي المصرية. وتؤكد السلطات المصرية أن المتهمين اعترفوا بعضويتهم في حزب التحرير، وأنهم ذكروا أن مبادئ الحزب تعود إلى تقي الدين النبهاني الذي أسس الحزب في الأردن العام 1952 والذي توفي العام 1974، وذكروا أن الحزب بعدها انقسم إلى ثلاثة أقسام، الأول يقوده في بريطانيا عبدالقادر زلوم وينشط بين المهاجرين الآسيويين، والثاني كان يقوده الشيخ عمر بكري قبل أن ينشق عنه ليؤسس "جماعة المهاجرين" والثالث ينتشر في أماكن مختلفة من العالم بينها أوزبكستان. وتعود جذور حزب "التحرير الإسلامي" في مصر إلى بداية السبعينات من القرن الماضي ونسبت إلى أعضاء في الحزب أنهم قاموا بأول هجوم مسلح في ذلك العقد مدشناً ظهوراً بارزاً للجماعات الأصولية الراديكالية، إذ شنت عناصر الحزب في حزيران يونيو 1974 هجوماً استهدف "الكلية الفنية العسكرية" في منطقة كوبري القبة شرق العاصمة المصرية بمساعدة أعضاء في الحزب من طلبة الكلية بهدف الاستيلاء على الأسلحة الموجودة داخل الكلية قبل الزحف إلى مقر اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي حيث كان الرئيس الراحل أنور السادات يعقد اجتماعاً مع كبار مساعديه، وكانت الخطة الموضوعة تقضي بقتل السادات ومن معه ثم التوجه إلى مقر الإذاعة والتلفزيون الذي لا يبعد سوى أمتار قليلة من المكان الموجود فيه السادات لإعلان بيان إقامة الدولة الإسلامية، إلا أن الهجوم الذي أسفر عن مقتل 31 شخصاً من الجانبين فشل وألقت السلطات وقتها القبض على كل قادة التنظيم وأفراده. وكان المواطن الأردني الجنسية الفلسطيني المولد صالح سرية فر من الأردن عقب أحداث "ايلول الأسود" واتجه على الفور وزوجته إلى مصر حيث أسس "حزب التحرير الإسلامي" وعاونه عدد من الأصوليين المصريين ومنهم كارم الاناضولي وحسن الهلاوي وحسن السحيمي. وأعدم سرية عقب فشل الهجوم على مبنى الكلية الفنية العسكرية وحكم على بقية الأعضاء بالسجن. ولا يؤمن التنظيم بارتكاب عمليات في شكل مكثف مثل تنظيمي "الجهاد" و"الجماعة الإسلامية" اللذين ظهرا في مصر في مرحلة لاحقة ويسعى أعضاؤه دائماً إلى محاولة تنفيذ انقلابات عسكرية لإقالة أنظمة الحكم، ولذلك فإنه يسعى دائماً إلى اختراق المؤسسات العسكرية ومحاولة تجنيد عناصر منها. وعلى رغم الحرص المصري على العلاقات مع بريطانيا، إلا أن القضية كادت تتسبب في توتر العلاقات بين البلدين. فالقاهرة ظلت طوال سنوات عقد التسعينات توجه انتقادات علنية حادة إلى لندن على خلفية نشاط الاصوليين المصريين المقيمين على الأراضي البريطانية. وتحدثت السلطات المصرية دائماً عن بيانات تحريضية وتكليفات صدرت من اصوليي لندن إلى عناصر الأجنحة العسكرية للتنظيمات الأصولية داخل مصر، وربما ساهمت الحملة الاميركية ضد الإرهاب، في الحد من نشاط الاصوليين المصريين في بريطانيا، لكن القاهرة لم تنس أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة البريطانية لم تكن لقناعتها بوجهة النظر المصرية ولكن لكون أميركا دخلت على خط المواجهة مع الأصوليين وصارت تتزعم الحملة. ويبدو أن حديث المتهمين البريطانيين الثلاثة عن تعرضهم للتعذيب لدفعهم إلى الاعتراف بمعلومات معينة والحملة التي بثتها صحف بريطانية ضد الإجراءات المصرية في القضية لم ترض المسؤولين المصريين، فحينما التقى وزير الخارجية البريطاني جاك سترو العام الماضي الرئيس مبارك والمسؤولين المصريين أثناء زيارته الأخيرة للعاصمة المصرية لم يشر أي مسؤول مصري إلى أن القاهرة ستستجيب لضغوط لإطلاق المواطنين البريطانيين الثلاثة، وربما كانت التجربة التي خاضتها مصر أثناء تفجر قضية "مركز ابن خلدون" والقبض على رئيسه الدكتور سعد الدين إبراهيم الذي يحمل الجنسية الأميركية ثم الحكم عليه بالسجن سبع سنوات دليلاً على أن السلطات المصرية التي واجهت ضغوطاً أميركية كبيرة في شأن قضية إبراهيم لن تخضع لأي جهة بريطانية تدفع في اتجاه اطلاق البريطانيين الثلاثة وترحيلهم إلى بلدهم، اللهم إلا إذا خرجت الأحكام في القضية لمصلحتهم.