يشير عبد رباح 49 عاما بحسرة الى المنظر الخلاب امام بيته قرب حرج من السرو في بلدة العيزرية شرق مدينة القدس، والذي اضطر الى هجره بسبب بناء "الجدار الفاصل"، مؤكدا انه سيعود رغما عنه الى احد احياء القدس بعيدا عن الجدار. وقال عبد رباح الذي يسكن في مشروع الاسكان في العيزرية: "لقد دفعت كل ما عندي من اجل هذا البيت واقترضت من احد البنوك الاسرائيلية قرضين كبيرين لشرائه عام 8219 وما زلت اسدد قروضه التي تنتهي عام 2007، لكنني اضطررت الى تركه لانني سأكون ضمن الجدار واسرائيل تعتبر المنطقة ضفة غربية وسأفقد اقامتي الدائمة في القدس". واضاف: "انتقلت الى حي الثوري انا وزوجتي وبناتي الثلاث ونحن نسكن في غرفة واحدة في شقة والد زوجتي الذي يسكن هو الآخر في غرفة صغيرة... انا لا استطيع دفع ايجار في ظل الوضع الاقتصادي المتدهور. كذلك لا استطيع التخطيط او التفكير بأي شيء قبل ان نعرف مصيرنا مع هذا الجدار". واوضح: "ما زلت اسدد قرض بيتي وادفع نحو 150 دولاراً شهريا، نحن لسنا مرتاحين لتركه، فلنا فيه مساحتنا وخصوصياتنا، لكنني لو اردت بيع بيتي الآن فلن يشتريه أحد وبات سعره بتراب المصاري بخسا". واضاف: "احضر انا وبناتي لتفقد البيت والاعتناء به مرة في الاسبوع". وبدا حي الاسكان في العيزرية خاليا من سكانه الذين هجروه ليعودوا للعيش داخل مدينة القدس خشية ان يفقدوا اقامتهم الدائمة في المدينة، ومعها حق العيش فيها. كما انهم لن يستفيدوا من نظام التأمينات الصحية ومخصصات الشيخوخة والاولاد التي تدفعها مؤسسة التأمين الاسرائيلية لسكان القدس. وقال تقرير اعده "معهد القدس لابحاث اسرائيل" ونشرته الصحف الفلسطينية والاسرائيلية ان "آلاف الفلسطينيين الذين يحملون هوية القدس الزرقاء ويقطنون خارج حدود القدسالشرقية يعودون للقدس هربا من شبكة الاسوار والجدران والعوائق التي تقام شمال المدينة وجنوبها وشرقها". واكد ان نحو 300 فلسطيني يعودون اسبوعيا للعيش ضمن حدود البلدية. زيادة الطلب تزيد اسعار البيوت وفي القدس القديمة، بدأ بعض الفلسطينيين ينتقلون للسكن في المخازن او غرف من البناء القديم معتمة ورطبة وتشبه الاقبية، او في بيوت على الاسطح مغطاة بألواح الزنك او الاسبست، تاركين بيوتا حديثة في الضواحي او البلدات التي تعتبرها اسرائيل ضمن الضفة غربية. وباتت القدس مكتظة بالسكان وارتفعت اسعار البيوت. وقال مدير مكتب القدس للخدمات العامة والعقارات جمال النتشة: "ان الناس تحاول ان تخرج من اماكن سكناها من محيط القدس بشكل جماعي وكبير والعودة الى الدائرة التي حددتها اسرائيل لمدينة القدس". واضاف "ان اسعار العقارات ارتفعت بشكل كبير... فايجار بيت مكون من غرفتي نوم يراوح بين 500 و700 دولار، وهو متوسط رواتب العمال، اما معدل سعر الشقة "على العظم" اي قبل الانتهاء منها فيبلغ 120 الف دولار لمساحة 120 مترا، ومعظمها من دون رخص، اضافة الى ان الملاكين يطلبون الدفع نقدا وفورا". وتابع النتشة: "لقد انخفض سعر الاراضي والعقارات بنسبة 60 في المئة في القرى والبلدات التي اعلن انه سيبنى حولها جدار مثل بلدة الرام وبير نبالا شمال القدس والعيزرية شرق". واضاف ان "بلدة الرام منطقة سكنية وتجارية وتعتمد على سكان القدس في تجارتها، وكان التاجر يدفع مئة الف دولار ثمنا للخلو فيها، لكن اسواقها ستدمر بفعل الجدار". وتابع: "المشكلة الاساسية في مدينة القدس انه لا توجد اصلا عقارات كافية فيها، لان اسرائيل طوال سنوات الاحتلال صادرت معظم اراضيها وبنت حولها حزاما من المستوطنات"، مضيفا: "لا يوجد اي تناسب بين زيادة عدد المقدسيين وبين عدد الرخص الممنوحة لهم للبناء. فهناك قوانين جائرة تفرضها بلدية القدس الاسرائيلية، اذ انها لا تمنح رخص بناء للعرب الا بالقطارة، بل هي تهدم البيوت وحتى الجدران غير المرخصة". اما يعقوب عواد الذي يسكن في بلدة الرام، فقال: "انا اسكن في بناية مع اخوتي في ضاحية الاقباط في الرام، وعرض علينا بيعها عام 2001 وكانت مكونة من ثلاث شقق ودفع ثمنا لها 600 الف دولار. اما الان فأصبحت مكونة من اربع شقق، وعرضناها للبيع فأصبح ثمنها 390 الف دولار وبالتقسيط الممل". واضاف: "نحن نريد بيع البناية للانتقال والعيش في منطقة القدس، فانا لا اعرف ماذا سيكون مصيرنا والى اين سنتجه وماذا سيحدث مع مدارس اولادي التي ستصبح خارج الجدار الاسرائيلي". وقال تقرير اعدته جمعية القانون جمعية حقوقية تعنى بحقوق الانسان "ان جدار الفصل العنصري سيشرد نحو 200 الف فلسطيني من بيوتهم وممتلكاتهم تمهيدا لطردهم"، مضيفا ان "جدار الفصل حول مدينة القدس الشريف يهدف الى عزلها عن محيطها الفلسطيني وتهويدها وطمس هويتها التاريخية والدينية والروحية والعربية والاسلامية".