يمثل الجدار الأمني الإسرائيلي واقعا ملموسا للفلسطينيين الذين يسكنون ضاحيتي البريد والرام بشمال القدس. وجد أكثر من 25 ألف فللسطيني يعيشون في هذه المنطقة انفسهم يعيشون على "الجانب الاخر" من الجدار أي في الضفة الغربية. وتحدد الكتل الخرسانية الضخمة المنصوبة حاليا في وسط ما كان في الماضي الطريق بين القدس ورام الله من يعيش الان في القدس ومن يعيش في الضفة الغربية. وتحيط بمنطقة ضاحية البريد الفلسطينية قاعدة عسكرية اسرائيلية ومستوطنة بسكات زئيف الى الجنوب ومستوطنة النبي يعقوب الى الجنوب الشرقي ومستوطنة ادم (جبعات بنيامين) الى الشرق وضاحية بيت حنينا بالقدسالشرقية العربية الى الغرب. ويحيط الجدار الان باغلب اراضي ضاحيتي البريد والرام ويفصلهما عن بقية القدس. واصبح الجدار حدا فعليا يفصل القدس عن الضفة الغربية رغم ان الغالبية العظمى من سكان الضاحيتين تربطهم علاقات اقتصادية واسرية واجتماعية كبيرة بالقدسالشرقية العربية. ومنذ بدأ بناء الجدار انتقل عدة الاف من الفلسطينيين سكان الضاحيتين ممن يحملون بطاقات هوية اسرائيلية الى مناطق أقرب من وسط القدس. ولو لم يفعلوا ذلك لكانوا واجهوا احتمال ضياع حقوقهم للاقامة في القدس فضلا عن حرية التنقل ومزايا الضمان الاجتماعي التي توفرها الاقامة في القدس. وفقد كثير من الذين يعيشون على الجانب الاخر من الجدار حقوقهم التي كانوا يتمتعون بها مثل التأمين الصحي وحرية التنقل داخل اسرائيل. كما يخشى كثيرون من القوانين الاسرائيلية الخاصة بالغائبين التي تعرضهم لفقد ممتلكاتهم في جانب الجدار الذي ما زال يعتبر داخل القدس اذا غابوا عنها. وشهد عام 2008 رقما قياسيا في عدد الفلسطينيين سكان القدسالشرقية الذين جردتهم وزارة الداخلية الاسرائيلية من حقوق الاقامة. وجرد ما اجماه 4577 فلسطينيا من حقهم في الاقامة بالقدس في ذلك العام أي أكثر من 21 مثل متوسط عدد من شملهم ذلك الاجراء في الاربعين عاما الماضية. حنا ابو سعيد فلسطيني أب لاربعة انتقل من منزل اسرته الكبير بإحدى ضواحي القدس الراقية التي أصبحت تعتبر في الضفة الغربية بعد بناء الجدار الى شقة صغيرة مستأجرة في الجانب الذي ما زال في القدس. وانتقل ابو سعيد خشية ان يفقد هو وزوجته بطاقتي هويتهما اللتين تكفلان لهما حق الإقامة بالقدس. وقال أبو سعيد لرويترز أمام منزله السابق "شاءت الظروف انه اشتغل بالخليج بعد ما خلصت من المدرسة المهنية وحوشت مصاري (ادخرت اموالا) وجئت هون (هنا) من شان (لكي) أؤسس بيت. المصاري اللي حوشتهم بنيت فيهم وجبت أودة (غرفة) نوم.. أودة سفرة (غرفة طعام) وصالون.. لكن هلا مسكر (الآن مغلق) البيت. ما عم بتنعم فيه.. ما عم بتنعم بمصرياتي اللي حوشتها وبنيت فيها." والسبيل الوحيد لعبور الفلسطينيين إلى ما كان سابقا "الجانب المقابل من الشارع" قبل بناء الجدار هو التوجه الى مشارف القدس والعبور من احدى نقاط التفتيش الاسرائيلية الى الجانب الاخر من الجدار ثم العودة الى المنطقة التي يريدون الذهاب اليها سواء في الضفة الغربية او القدس وهي رحلة يمكن ان تستغرق ساعات ولا يستطيع أن يقوم بها سوى من يحملون بطاقات هوية صادرة من اسرائيل. وحصل الفلسطينيون الذين كانوا يعيشون في القدس بالمناطق التي ضمتها اسرائيل عام 1967 على حق دائم في الاقامة وبطاقات هوية. وكانت إسرائيل عرضت عليهم في البداية تقديم طلبات للحصول على الجنسية الاسرائيلية لكنها سارعت بعد ذلك في سحب العرض. ويختلف الحق الدائم في الاقامة اختلافا جوهريا عن حمل الجنسية. فالذين يتمتعون بحق دائم في الإقامة يستطيعون العيش والعمل والتنقل داخل اسرائيل دون تصاريح خاصة. كما يحق لهؤلاء الاستفادة من مزايا الضمان الاجتماعي والصحي. وللسكان الدائمين أيضا حق التصويت في الانتخابات البلدية لكن ليس في الانتخابات البرلمانية. وهم لا يحملون جوازات سفر اسرائيلية ويضطرون في كل مرة يريدون فيها السفر إلى الخارج إلى تقديم طلبات للحصول على وثائق سفر تصدرها اسرائيل. وعبرت اديبة ابو سعيد زوجة حنا عن احباطها من وضعها الحالي. وقالت "يعني انا مش عارفة شو اخد قرار.. هو ارجع لبيتي.. هو اترك البلاد.. ارحل على امريكا.. هو كل شيء مضغوطين ولا اشي ما عارف الواحد شو بده يعمل. يعني مش عارف من مرة من مرة (بالمرة)." وتطبق وزارة الداخلية الاسرائيلية سياسة تقتضي ان يثبت الفلسطينيون الذين يحملون بطاقات هوية صادرة من القدس استمرار اقامتهم في المدينة بالمستندات ودفع ضرائب عقارية ورسوم الضمان الاجتماعي مثل المواطنين الاسرائيليين علاوة على إثبات أقامتهم فعليا في المدينة في السنوات السبع الماضية. لكن سكان القدس اليهود الذين يحملون الجنسية الاسرائيلية ليسوا مطالبين بإثبات وضعهم باستمرار ويستطيعون أن يعيشوا في اي مكان. ورغم ان سكان القدسالشرقية العربية مطالبون بدفع ضرائب مثل باقي سكان المدينة فهم يشكون من عدم حصولهم على نفس الخدمات. ولا تنفق بلدية القدس على نحو يذكر على البنية التحتية والمرافق مثل الطرق وشبكات المياه والصرف الصحي في المناطق الفلسطينية بالقدس. واضطرت اسر فلسطينية كثيرة بعد وجدت نفسها في جانب الضفة الغربية من الجدار لترك منازلها والانتقال إلى شقق سكنية في جانب القدس ليسكنوا فيها مقابل ايجار مرتفع في معظم الأحيان وذلك لضمان الاحتفاظ بحقوقهم والمزايا التي يتمتعون بها في القدس. وقال ابو سعيد من شقته الصغيرة في القدس "انجبرت (اضطررت) اسكن هون. فيه الي بيت أنا بالضاحية (البريد) لانه في الي حقوق كثيرة على الحكومة الاسرائيلية. قالوا لي اذا بضلك (ظللت) ساكن هناك بضلك محروم منها. فانا بيتي هناك كامل الفرش والوسائل المنزلية وكل شيء لكن اضطريت اسكن هون وادفع ايجار بحدود 700 دولار بالشهر من شان احفظ حقوقي. اول شيء التأمين الصحي وتأمين الحياة كل الشغلات (الامور) هي. خصوصا معي هوية القدس وانا ابن القدس." ورغم ان الاقامة الدائمة تكفل للمقدسيين الفلسطينيين جميع الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين الاسرائيليين ومنها العمل والسكنى في اي مكان داخل اسرائيل يفضل اغلبهم العيش في القدس. ويتوجه حنا ابو سعيد كل يوم الى منزله القديم على جانب الضفة الغربية من الجدار ليتأكد من عدم تعرضه للاقتحام او السرقة. ويرفض تأجيره قائلا انه سيكون من الصعب عليه تأجير منزله المليء بمتعلقات اسرته لاشخاص آخرين. ورفضت زوجته نقل اثاثها الفاخر الى شقتها الجديدة قائلة انه لن يناسب الشقة الصغيرة. وبدلا من ذلك استخدمت اثاثا قديما تبرع به اصدقاء. ويستطيع حنا وأديبة أبو سعيد ان يريا منزلهما من نافذة الشقة السكنية الجديدة. وقال ابو سعيد ناظرا من نافذة غرفة نومه "باشوفه (منزله) قدامي. كنا قبل الجدار يوخد معي (استغرق) وقت مشي دقيقتين ونصف. هلا (الان) اذا بدي اروح بدي اطلع بالمواصلات.. بدي روحة جينة (ذهاب وعودة) اكثر من ساعة بالمواصلات.. كان (سواء) سيارة ولا باص (حافلة). من هون باشوفه بعيني بس قدام عيني وبعيد علي."