الإنترنت، كائن آلي دخل حياتنا وسيطر سيطرة تامة وشاملة على عقولنا، واحتل مساحة شاسعة في تفكيرنا، جعلنا نركض وراءه، لا ندري الى اين سيأخذنا، ولا نعرف ماذا يريد منا، ولا ندري كيف ومتى وأين التقينا، وأصبحنا اصدقاء. فالإنترنت لغز غامض، ومتاهة متشعبة، ودائرة مغلقة فيها الطرائف والغرائب. فالجالس امام شاشة الكومبيوتر، ما ان يضغط على آيكون الإنترنت اكسبلورر يدخل الى عالم غير مرئي، غير ملموس، غير ظاهري. وتبدأ الرحلة. فالإنترنت بقدر ما هو صديق مخلص ووفي يلبي احتياجات ومتطلبات الإنسان، فهو صديق مزعج متهور مغرور يحاول ان يجذبك الى اعماق مملكته. فمن خلال تعاملي اليومي مع هذا الصديق المزعج، وإدماني الذي ليس له علاج او دواء، حاولت ان أتأقلم معه، ألبي كل اوامره، وأقول له دائماً "شبيك لبيك". اصبحت العلاقة بيني وبين الإنترنت كالعلاقة بين القط والفأر، نتشاجر، ولكننا، في الوقت نفسه، لا نستطيع الاستغناء واحدنا عن الآخر. فهو من دوني حزين وكئيب ووحيد يبحث عن اصدقاء، وأنا من دونه اشعر بأن هناك شيئاً ينقصني افتش عنه في جيوب بنطالي وقميصي، وبين اوراقي، وفي ادراج مكتبتي الخاصة المليئة بالصحف والمجلات. ولكن، في النهاية، افشل في رحلة البحث عن ذاك الشيء الذي ينقصني. وأجر أذيال الخيبة ورائي. وفجأة، وأنا جالس امام جهاز الكومبيوتر، اشعر بأنني وجدت ما كان ضائعاً مني. فأبدأ، كالمعتاد، رحلتي الغامضة مع هذا المزعج الآلي. وتمضي ساعات وساعات. ونبدأ بالغناء والرقص فوق سحابة ناصعة البياض، وتتلألأ اضواء قناديل الصداقة من حولنا. وتعزف الأزهار اوبرا الإخلاص والوفاء، ونتحول الى طفلين نركض ونمرح، ونمرغ ملابسنا بالطين، ونتقاسم الشوكولاته في فضاء واسع. ونصرخ ونضحك ونتكلم ونتناقش، كل منا يغني على ليلاه. ولكن المهم اننا نحب بعضنا فقصتنا بلا بداية ونهاية. وبما ان هذا الكائن الغريب الأطوار، وهذا الصديق المزعج والمخلص على رغم معاناتي معه، وعلى رغم انه ديكتاتور يغزو ويستعمر قلوبنا فهو ديكتاتور لطيف، وعملاق أليف، أتعبني وأرهقني عبر رحلة كانت قاسية، وجميلة ورائعة. فهو صديق مثالي للإنسان، والنافذة التي تجعل المرء ينظر الى العالم من حوله. تبقى اسئلة غامضة تبحث عن الجواب: ماذا يخفي لنا الإنترنت من عجائب وغرائب؟ وهل ستستمر صداقة الإنسان والإنترنت الى الأبد؟ ام هنالك عملاق لطيف آخر في طريقه الى عالم الإنسان؟ هنالك نقطة ضوء لا نراها. وبما ان مسيرتي مستمرة للبحث عن الجواب الصحيح، فكل خطوة أخطوها اصرخ، ولا أحد يسمعني، "انقذوني من الإنترنت". دهوك العراق - ايفان علي عثمان كاتب وشاعر [email protected] [email protected]