في 17 آذار مارس من السنة الماضية تخلى الرئيس جورج بوش عن محاولات العمل ضمن اطار الاجماع الدولي وأعطى صدام حسين 48 ساعة لترك العراق. وفي 20 آذار بدأت الحرب، ودفع الرئيس العراقي وابنيه ثمن جرائمهم، والآن جاء دور جورج بوش نفسه، ومعه توني بلير. استطلاعات الرأي العام في الولاياتالمتحدة في الاسابيع الاخيرة واضحة جداً، وكان 57 في المئة من الاميركيين قالوا في استطلاع ل"واشنطن بوست" وتلفزيون "اي بي سي" قبل اسبوع انهم يريدون من الرئيس الجديد الابتعاد عن الخط السياسي لبوش، وأظهر استفتاء مماثل لمؤسسة غالوب قبل يومين ان 60 في المئة من الاميركيين يريدون تغيير الخط السياسي، والاستطلاعات تظهر ان المرشح الديموقراطي جون كيري يتقدم على بوش بأربع نقاط في سباق رئاسي يضم معهما المرشح المستقل رالف نادر. ارقام بوش هي نصف ما كانت عليه بعد الحرب مباشرة، والسبب شرحه رئيس وزراء اسبانيا القادم خوسيه لويس رودريغيز زاباتيرو بعد فوزه في الانتخابات، فهو اعلن ان الحرب كانت "كارثة"، وقال انها بنيت على اسباب كاذبة، ونصح جورج بوش وتوني بلير بما معناه ان يعترفا ويتناولا، وربما لو كانا كاثوليكيين ان يقرآ "خمسة ابانا" و"خمسة عليها السلام". الحرب على العراق فرقت اكثر مما وحدت، ولم يكن لها سبب، وأظهر الزمن الماضي ان الحجج لشنها تفتقر الى اي صدقية، وان ادارة الاحتلال سيئة. والكلام السابق مرة اخرى من زاباتيرو الذي يفترض الآن ان يحيي تحالف اوروبا "القديمة" مع المانيا وفرنسا ما يترك بلير في عزلة. وربما كان جورج بوش اكثر الناس دهشة لنتيجة الانتخابات الاسبانية، فهو اعتقد دائماً ان عملية ارهابية كبرى في اوروبا ستحشد الناس ضد الارهاب والى جانب الولاياتالمتحدة. وكانت مستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس قالت قبل ساعتين من اغلاق صناديق الاقتراع في اسبانيا ان الشعب الاسباني سيظهر ثقته بقيادته. وتبين بسرعة ان الرئيس ومستشارته مخطئان. الارهاب ملعون مدان، ولا مبرر له ابداً، ولكن ثمة خطراً ان تشجع نتيجة الانتخابات الاسبانية القاعدة على شن هجمات ارهابية مماثلة لما ضرب اسبانيا بهدف تغيير سياسة البلاد المستهدفة، مثل بريطانيا، حيث الهاجس الامني يتقدم كل هاجس آخر لحكومتها. هل هناك قاعدة؟ الضربات الاميركية في افغانستان ربما دمرت القاعدة القديمة، الا ان الضربات هذه افرزت "قواعد"، ولم تفعل الحرب على الارهاب سوى ان تزيد العمليات الارهابية في العراق وحول العالم. تضيق هذه العجالة عن حصر العمليات الانتحارية في العراق منذ اعلن الرئيس بوش في اول ايار مايو الماضي نهاية الحرب، ففي كل اسبوع عملية انتحارية او انفجار او هجوم صاروخي. وقد رأينا جندياً متزوجاً يفجر نفسه بسيارة وسط جنود اميركيين في الناصرية، وشابتين تهاجمان الجنود الاميركيين بسيارة متفجرة في جنوبالعراق، ولم يكن العراقيون خبروا عملية انتحارية واحدة قبل الاحتلال، وهم في ذلك مثل الفلسطينيين والاحتلال المجرم لأرضهم. ومنذ اعلن جورج بوش "نهاية" الحرب في اول ايار الماضي توالت العمليات الارهابية حول العالم، فشهدت المملكة العربية السعودية عمليتين في ايار وتشرين الثاني نوفمبر، والمغرب عملية في ايار، وتركيا عمليتين في تشرين الثاني، واسبانيا عملية في آذار هذا. كيف هبطنا الى هذا الدرك؟ اذا كان من مسؤول فهم المحافظون الجدد في الادارة الاميركية الذين خطفوا السياسة الخارجية وخططوا للحرب على اساس معلومات كاذبة عن اسلحة دمار شامل زودهم بها بعض العملاء العراقيين المعروفين الذين انتهى قادتهم في مجلس الحكم الآن. وفي حين ان اطاحة صدام انجاز عظيم يجب ان نعترف به للأميركيين، فإن الحرب ونتائجها والاخطار على مستقبل العراق كارثة حقيقية، ومع ذلك اظهرت استطلاعات للرأي العام ان العراقيين يعتبرون وضعهم الآن افضل مما كان مع صدام حسين، مما يظهر مدى معاناتهم، فالوضع الآن ليس ما وعدوا به بعد التحرير. والمحافظون الجدد وعملاؤهم مسؤولون عن دماء 20 ألف عراقي من مدنيين وعسكريين، وعن حوالى 600 قتيل من جنود التحالف. ولا بد ان يدفع جورج بوش وتوني بلير الثمن. في الولاياتالمتحدة نظمت أُسر 564 جندياً اميركياً قتلوا في الحرب اعتصاماً امام مستشفى والتر ريد العسكري، ثم تظاهرة صامتة في ساحة لافيت امام البيت الابيض. وغداً السبت ستنظم القوى الاميركية المعارضة للحرب تظاهرات حاشدة في مختلف انحاء البلاد، للرد على محاولات الادارة المستمرة الدفاع عن موقفها. ويبدو توني بلير افضل حظاً من حليفه بوش لأن لا يوجد له منافس بارز بين المحافظين والليبراليين، ومع ذلك فهو قد يدفع الثمن داخل حزبه لجرّه البلاد الى حرب غير مبررة، هناك معلومة جديدة كل يوم عنها. ورئيس اركان الدفاع في حينه الاميرال مايكل بويس اعرب عن تخوفه وطالب بضمانات لشرعية الحرب. وجاءه الرد المطمئن بعد خمسة ايام، وقيل اخيراً ان المدعي العام اللورد غولد سميث تعرض لضغط من الحكومة للافتاء بشرعية الحرب. الحرب لم تكن شرعية والعراق والعالم كله يدفع الثمن، وبقي ان يدفعه الذين قادوا العالم نحو حرب زادت الارهاب بدل ان تضعفه او تقضي عليه. وأكمل غداً.