تأكد أمس وجود انقسام في مجلس الحكم الانتقالي في العراق على دور الأممالمتحدة في تشكيل حكومة انتقالية بعد نقل "التحالف" السلطة الى العراقيين، وتحفظ الأعضاء الشيعة في المجلس عن دور السفير الأخضر الابراهيمي "السني ذي الخلفية العلمانية". واعلن مصدر بارز في "التحالف" ان المجلس "يؤخر عودة" المنظمة الدولية، وبالتالي مبعوثها الابراهيمي، فيما تبحث واشنطن عن "شرعية" دولية لاستكمال العملية السياسية في العراق. أعلن عضو مجلس الحكم الانتقالي محمود عثمان امس ان الاعضاء الشيعة في المجلس ليسوا راضين عن اعطاء دور للمنظمة الدولية في العراق، موضحاً انهم "ليسوا سعداء بتقرير بعثة الأممالمتحدة" والتي رأسها الأخضر الابراهيمي. وذكر عثمان ان بعض الاعضاء يريد دوراً محدوداً للمنظمة، فيما يرغب آخرون في دور واسع. وكان تقرير البعثة استنتج ان هناك حاجة لشهور كي يتسنى التحضير لانتخابات "شرعية"، في وقت حض المرجع الشيعي آية الله علي السيستاني على استعجالها. الى ذلك، أفاد مصدر بارز في "التحالف" ليل الاحد ان خطط الولاياتالمتحدة الخاصة بنقل السلطة الى العراقيين بحلول 30 حزيران يونيو تتعرض لضغوط، بعدما اثار مجلس الحكم شكوكاً في شأن الدور الذي يجب ان تلعبه الأممالمتحدة. ويتوقع ان تعود بعثة للمنظمة الدولية الى العراق في غضون اسابيع، للمساعدة في التخطيط للانتخابات المقرر ان تجري العام المقبل، وتشكيل الحكومة التي ستستعيد السيادة بدءاً من مطلع تموز يوليو. وتابع المصدر ان الأعضاء الشيعة في مجلس الحكم ليسوا مرتاحين الى التفاوض مع الابراهيمي وهو سني ذو خلفية علمانية، ويشعرون بأنه لن يستطيع ان يقدر بشكل كامل رغبتهم في وجود دور ديني اكبر في السياسة. وذكر ان "هناك نقاشات مع المجلس في شأن دور الأممالمتحدة"، واقر بأن الابراهيمي كان محور المداولات. واضاف: "يجب ان تجرى نقاشات حاسمة خلال الشهور الثلاثة ونصف الشهر المقبلة، ونحن في حاجة الى ان يطلب مجلس الحكم من المنظمة العودة في أقرب وقت ممكن". ومعروف ان تقرير الأممالمتحدة شدد على تعذر اجراء انتخابات مباشرة بحلول موعد نقل السلطة، لافتاً الى ان التخطيط للاقتراع سيستغرق ثمانية شهور على الأقل، وان هذه العملية يجب ان تبدأ فوراً. وكلما طال تأخير عودة الابراهيمي الى العراق، كلما زادت صعوبة تحديد موعد نهائي لتقرير نوع الحكومة التي ستتولى السلطة في الأول من تموز. وتريد الادارة الاميركية في العراق ان تكون الأممالمتحدة مركزية في هذه النقاشات، كما ترغب في عودة كارينا بيريلي، وهي خبيرة في قضايا الانتخابات في المنظمة في أقرب وقت ممكن، وكلما تأخرت عودتها كلما بات صعباً اجراء انتخابات بحلول كانون الثاني يناير 2005، الموعد النهائي الذي تحدد في الدستور العراقي الموقت. وختم المصدر بأن "مجلس الحكم يعترف بأهمية دعم الأممالمتحدة عملية نقل السيادة، لكنه يؤخر عودة المنظمة". وأدى موقف مجلس الحكم الى ايفاد البيت الأبيض السبت مبعوثاً رفيع المستوى هو روبرت بلاكويل نائب مستشارة الأمن القومي الى العراق، ليحض على اشراك الأممالمتحدة في الإعداد للانتخابات ونقل السلطة. وزار بلاكويل العراق آخر مرة عندما جاء الابراهيمي لتقويم جدوى اجراء انتخابات، ومهمة الأول تعتبر علامة على مدى جدية تناول القضية، ومدى إلحاح الحاجة الى استعجال اتخاذ القرار. وإذ تجد ادارة الرئيس جورج بوش نفسها مضطرة لطلب مساعدة الأممالمتحدة للمساهمة في اعادة السيادة الى العراق، بعدما تجاوزت المنظمة قبل سنة تقريباً لاجتياح هذا البلد من دون ضوء أخضر منها، يثير هذا التغيير الجذري في الموقف الأميركي بعض التعليقات الساخرة في الأممالمتحدة، حيث يرى كثيرون ان المنظمة كانت حذرت من هذا الأمر، وعلى رغم ذلك، لا أحد يرى في التغيير الاميركي تطبيعاً للعلاقات بين المنظمة والادارة. ويقول ديفيد مالون الديبلوماسي السابق رئيس "الأكاديمية من أجل السلام الدولي"، مركز البحوث الرئيسي التابع للأمم المتحدة ان "عودة اميركا الى المنظمة جاءت بالقوة ورغماً عنها، وهذا لا يعني بالضرورة دوراً أكبر للأمم المتحدة". وبعد الحرب عادت المنظمة في شكل خجول الى العراق، لكنها ما لبثت ان غادرته بعدما اسفر اعتداء بشاحنة مفخخة في 19 آب اغسطس 2003 استهدف مقرها في بغداد، عن سقوط 22 قتيلاً بينهم ممثل الأممالمتحدة هناك سيرجيو فييرا دي ميلو. وعلى رغم النداءات الاميركية المتكررة لعودة الأممالمتحدة، حافظ الأمين العام كوفي انان على موقفه، مشدداً على ان ذلك لن يحصل إلا إذا كان الدور الذي سيوكل الى المنظمة مهماً. ويعتبر مساعد الأمين العام المكلف الاتصالات والاعلام شاشي ثرور ان "العلاقات بين الجانبين وصلت الى اسوأ وضع" في 15 تشرين الثاني نوفمبر، حين اعلن الحاكم المدني الاميركي للعراق بول بريمر خطة على مراحل تقضي بحل سلطة "التحالف" في 30 حزيران، وتسليم السلطة الى العراقيين. ودان انان علناً غياب أي ذكر للأمم المتحدة في هذه الخطة. وقال ديبلوماسي رفيع المستوى يمثل دولة عضواً في مجلس الأمن: "اعتبر كثيرون في الأممالمتحدة ذلك صفعة، وهو كذلك بالفعل". ويشدد ادوارد مورتيمر مستشار انان لشؤون الاعلام والاتصالات على ان "الولاياتالمتحدة اضطرت الى الإقرار بأنها قد تتمكن من ارسال قوات الى بلد ما من دون طلب رأي أحد، لكنها بحاجة الى الشرعية لبدء عملية سياسية"، موضحاً ان "الأميركيين لم يحصلوا على هذه الشرعية في العراق، فأدركوا ان عليهم البحث عنها على المستوى الدولي" أي في الأممالمتحدة. ديفيد مالون سفير كندا السابق لدى المنظمة يرى ان عودتها الى العراق تأتي بسبب "فشل الولاياتالمتحدة الكامل" في حوارها السياسي، لا سيما مع الشيعة في هذه البلد. ويشدد على ان تلك العودة لا تنم عن عزم الادارة الاميركية على "استئناف علاقاتها مع الدول الأخرى عبر مؤسسات الأممالمتحدة".