أصابني رد الشاعر اللبناني شوقي بزيع في جريدتكم الموقرة يوم 1/3/2004 على ترجمتي ديوان "رسائل عيد الميلاد" للشاعر الانكليزي تيد هيوز بكثير من الأسى، لا بسبب قدحه للترجمة، بل للاستهانة بجهود الآخرين وتجريحها في الوقت الذي نحن بمسيس الحاجة الى مثل هذه الاجتهادات التي تسعى لتعريف المبدع والقارئ العربي بنصوص تسورجب الترجمة. وصدر من هذا الديوان بلغته الأصلية حتى الآن أكثر من خمس طبعات باعت للمرة الأولى منذ عقود طويلة آلاف النسخ في أوروبا وأميركا وسواهما، ونال ثلاث جوائز أدبية كبرى في أوروبا، ثم تُرجم الى أكثر من لغة، فرأيت ان أبذل جهدي المتواضع في ترجمته، ولي أجر الاجتهاد أصبت أم أخطأت. ولكن قبل ذلك ينبغي توضيح عدد من الأمور: صدر الكتاب من دون مقدمتي التي بلغت عشرين صفحة وهي توضح تاريخ تيد هيوز الأدبي والشعري والشخصي مع "زوجته" سيلفيا بلاث لا "صديقته" كما زعم بزيع في رده. فهو تزوجها عام 1956 وظلا معاً حتى انتحرت عام 1963 بعد شكها في علاقته بامرأة أخرى وقد تزوجها لاحقاً، وهي الشاعرة آسيا ويفيل، وانتحرت الثانية أيضاً من ابنتها، وهناك تشابكات عدة لهيوز مع جماعات النسوية بسبب تفاصيل في حياته. وجاءت مقدمة المراجع ناقصة مشوهة لا تشي بأنه يعلم الكثير عن الشاعر ولا الديوان. لم يبلغني أحد بتاريخ صدور الكتاب حتى أتدارك الاخطاء المطبعية والهوامش الناقصة. عموماً، هذه أمة العرب. كان يسعدني كثيراً ان يتتبع بزيع أخطائي في فهم النص أو تأويله هنا وهناك، حيث قضيت أكثر من عام في ترجمة النص. ولكن لأنه أغفل ذلك متهماً ترجمتي بالقصور والحيادية فقد أصابني بظلم لا يندمل. ولا أزعم وجود ترجمة كاملة لأي نص على الاطلاق مهما كان مترجمه، فالترجمة فعل ثقافي ولغوي وحضاري، خيانة أصلاً وتذكّر ثانياً وتنوير ثالثاً. خيانة، لأن النص المترجم يزيد قليلاً أو ينقص قليلاً عن النص الأصلي. وتذكّر، لأن المترجم يقدّم نصاً فيحييه في مكان آخر ولغة أخرى ووسط بيئة اجتماعية مختلفة. وهي أيضاً تنوير، لأن النص المترجم بلغته الاخرى وبيئته الجديدة يقوم بدور رائد في لا وعي من يقرأه. الترجمة اذاً عملية تأويل وإزاحة للنص من لغة الى أخرى بحسب السياق الثقافي والاجتماعي، توحي أو تفسّر أو تحلل أو تؤوّل أو تشير الى مدلول جديد. لكنها ليست بريئة على الدوام. للترجمة مثلث رؤوسه: المؤلف / المترجم / القارئ. فالمترجم مستقبل ومرسل في الوقت نفسه، وهو بداية ونهاية عملية الاتصال بين المؤلف والقارئ. ويرى دريدا ان ترجمة المعنى تتمثل بذات المبدع، ويمكن اعادة إنتاجها ثانية بفعل قراءة النص الجديد، أما اوكتافيو باث فيرى ان "كل فقرة وإشارة ترجمة لفقرة وإشارة أخرى، فالترجمة ابتكار نص جديد في النهاية". سار بزيع في تعليقه وئىداً حتى فجّر قنبلته في نهاية التعقيب، فأصاب بشظاياها كل شيء، هيوز وشخصي المتواضع والترجمة بل جمهور القراء أيضاً، وكان حرياً به شكر هذا المجهود الذي لم يضع هباء، بشهادة شعراء كبار نحترمهم أنا وهو، أثنوا على الترجمة، على رغم المقدمة المدسوسة من الذي راجع الترجمة. وعلى رغم احترامي لتجربة بزيع الشعرية، الا انني مختلف عنها تماماً في ما أكتب من نصوص شعرية خاصة وهي ربما كان لها صلة نسب بهذه الوحشية التي تغمر قصائد هيوز في أعماله الشعرية كلها، والتي حببتني أصلاً في ترجمة نصه الاخير، الذي أهداه الى العالم استغفاراً عما قد يكون اقترفه، مثلما فعل شكسبير في مسرحيته الاخيرة "العاصفة". أقول ربما كانت تجربة بزيع هي التي وقفت عائقاً أمامه في تلقي الترجمة نظراً لما فيها من طرق تأويل تخالف أقانيمه الشعرية. كما ان استشهاده بمجتزأ مقطوع عن سياقه أضرّ بما فيه، فهيوز يتعمّد في بعض قصائد الديوان سرد نثرية تفاصيل الحياة في بعض المقاطع كلغة صحافية عادية حاولت ان أحاذيها، وكلمة "هواء عنق الزجاجة" غامضة وحدها، لكنّي أوردت في هامش قصيدة قبلها ان "عنق الزجاجة" هو اسم الرواية الوحيدة التي كتبتها سيلفيا بلاث التي تدور القصائد الثمانية والثمانون حولها وحول تشابك علاقته معها كزوجة وشاعرة في شكل أو بآخر. في النهاية، ترجمت ولي أجر الاجتهاد، ولن ندرك حجم الخسارة فعلاً الا بعد ان نرى تعقيباً كهذا يصيب القراء بالبلبلة ناهيك برفض الترجمة، على رغم ما فيها من جهد حثيث. مترجم الكتاب