تتصاعد الحركة السياسية الداخلية في لبنان لمناسبة قرب الانتخابات البلدية في شهر أيار مايو المقبل، والتي يتنافس فيها الافرقاء على رغم انها محلية جداً، من اجل عرض القوة كاختبار يؤشر الى دور كل منها في الاستحقاقين المقبلين: الانتخابات الرئاسية آخر العام الحالي والنيابية في العام المقبل. وفيما دفعت تحركات بعض المعارضة المسيحية في الشارع بعض الموالين او السلطة الى السؤال عما اذا كانت جاءت بالتناغم مع اعلان الولاياتالمتحدة الاميركية نيتها تطبيق عقوبات اقتصادية على سورية تنفيذاً لقانون محاسبتها، فإن مصادر قيادية في المعارضة المسيحية دعت الى ربط هذه التحركات بالانتخابات البلدية والاستحقاقات المقبلة. وقال احد القياديين المعارضين ل"الحياة" ان تظاهرة "التيار الوطني الحر" التي حصلت امس "لا تحمل أبعاداً سياسية خارجية على رغم ان العماد ميشال عون كان من اشد المتحمسين لمحاسبة سورية. وهي تظاهرة ينظمها العونيون كل سنة لاحياء ذكرى 14 آذار مارس حين خاض عون حربه ضد الوجود السوري". ورأى ان التظاهرة التي نفذتها المعارضة الكتائبية في الجامعة اليسوعية الاربعاء الماضي "جاءت مفاجئة وقد يكون منظموها يطمحون الى بعث رسالة بأن الضغوط على سورية ستحدث تغييرات في المعادلة السياسية. لكن الاساس يبقى هو التنافس على الاحجام والادوار في الانتخابات البلدية". وثمة مظاهر اخرى لتصاعد الحركة السياسية هي سيل التصريحات التي تتناول الانتخابات الرئاسية ما اسقط المقولة الداعية الى تأجيل البحث فيها، وخصوصاً الدعوة الى التجديد او التمديد للرئيس اميل لحود، او معارضته لأن اوانه لم يأت بعد. وكان البارز اول من امس دعوة وزير الداخلية الياس المر صهر لحود الى تعديل الدستور من اجل التجديد له، ومن ثم رد وزير الصحة سليمان فرنجية الذي اكد من بكركي معارضته تعديل الدستور. نفذ الطلاب المناصرون ل"التيار الوطني الحر" بقيادة العماد ميشال عون تظاهرة محدودة في وسط بيروت الذي اختاروه فجأة مكاناً لها. وكانوا أعلنوا أنهم سينطلقون في تظاهرة إحياء لذكرى 14 آذار مارس تاريخ اطلاق عون "حرب التحرير" ضدّ القوات السورية من جامعة الحكمة في فرن الشباك، لكن القوى الأمنية سبقتهم الى هناك بمئات الجنود، لتضرب طوقاً ليس على الجامعة فحسب بل على جامعات أخرى ومهنية لمنع أي تظاهرة تنفيذاً لقرار منع التظاهر "تداركاً لأي أعمال مخلة بالأمن قبيل الانتخابات البلدية". وراح "العونيون" يبلغون بعضهم بعضاً بمكان التجمع برسائل عبر هواتفهم الخلوية، وخلال ساعة ونصف الساعة تجمع نحو 300 طالب، قابلهم عدد مماثل من قوى الأمن الداخلي ومكافحة الشغب ورجال الاطفاء بتجهيزاتهم. ورفع المعتصمون لافتات بالانكليزية والفرنسية منها "سورية اخرجي الآن" و"شكراً هذا يكفي"، وصوراً لعون وللرئيس المنتخب الراحل بشير الجميل، اضافة الى اعلام لبنانية وسمت بشعار التيار، ورايات تيارات شاركت رمزياً منها "القوات اللبنانية" المحظورة و"الاحرار". وهتف المعتصمون "ايه ويللا سورية طلعي براً"، و"ما بدنا مجلس نواب يوقف للسوري بوّاب"، وكذلك هتفوا تأييداً للعماد عون. وبثت مكبرات للصوت أغانيهم. وتنكر أحدهم بزي اسامة بن لادن وحمل بندقية بلاستيك في يد وفي الاخرى لافتة كتب عليها: "النظام السوري". وقبل انطلاق التظاهرة أبلغهم مسؤول "التيار" في الجامعة اللبنانية ربيع معلولي بأنه بلغ وزير الداخلية الياس المر بمكان التظاهرة وموعدها، داعياً اياهم الى عدم الاصطدام مع القوى الأمنية "لأنهم اخواننا". لكن "الأخوّة" لم تدم طويلاً من الطرفين. ف"العونيون" تحركوا ضامرين الذهاب الى مبنى الأممالمتحدة، حتى وصلوا الى مبنى "النهار" في شارع فوش حيث أصبحوا محاصرين. وأصروا على التقدم ففتحت عليهم خراطيم المياه وطاولت هراوات فرقة "مكافحة الشغب" بعضهم بينما أوقفت القوى الأمنية بعضهم الآخر. في هذه الأثناء، تفرق المتظاهرون. وأعلن "التيار" في بيان أن أكثر من 20 طالباً أصيبوا بجروح أدخل القسم الأكبر منهم الى المستشفيات وعرف منهم: باسكال خليفة وطوني نهرا ويوسف بو سرحال وباسل يونس ورائد الحاج وباتريك رزق الله. وكذلك أعلن توقيف 15 ناشطاً عرف منهم: بشير خطار وميشال المير وهاغوب مانيسيجيان وغسان سعود. وأطلق الجميع في وقت لاحق أمس. وأعلنت قوى الأمن ان "مناصري "التيار الوطني" تجمعوا في ساحة الشهداء خلافاً لما أعلنوا، مرددين شعارات معادية للمسؤولين اللبنانيين ومنددة بالوجود السوري الشقيق في لبنان، فانتشرت القوى الأمنية في المكان لحفظ الأمن والنظام. بعد ذلك، حاول المعتصمون الانطلاق بتظاهرة ومسيرة غير مرخصة في اتجاه ساحة النجمة، وعلى رغم الانذارات بوجوب التزام الهدوء وعدم السير في التظاهرة لم يمتثلوا، فما كان من القوى الامنية الا أن انتشرت على مداخل الشوارع المؤدية إلى ساحة النجمة لمنعهم من الوصول، تنفيذاً لقرار منع التظاهر، ولدى وصول الجموع إلى مداخل الشوارع المذكورة محاولة اختراق الطوق الأمني بالقوة، تصدت لها فرق مكافحة الشغب وعملت على تفريقها مستعينة بخراطيم المياه من دون أن يصاب أحد بأذى". وكان عون قال في حديث ل"اذاعة الفاتيكان" بعد لقائه البابا يوحنا بولس الثاني في لقاء الاربعاء العام، تعليقاً على الصدام بين القوى الأمنية والطلاب، ان "دور الجيش اللبناني هو على الحدود ليحفظ الأمن والاستقرار في المناطق التي تحتاج اليه، ولا يجب أن يكون في الجامعات خصوصاً ان الطلاب يمارسون حقهم الدستوري وفي طريقة سلمية بواسطة التظاهر"، معتبراً ان على "الدولة ان تقمع الشغب لا التظاهرة، والطلاب يتظاهرون منذ سنوات ولم يكسروا زجاج سيارة ولا واجهة محل تجاري". وعن زيارته للفاتيكان قال: "ان البابا سأل زواره اللبنانيين عني وعن عدم عودتي الى لبنان، وكان طبيعياً ان أشكر له ما قام به من أجل لبنان". ودان لقاء "قرنة شهوان" "كل الاجراءات التي اتخذتها السلطة لمنع التجمع والتظاهر بذرائع واهية"، مستنكراً "الاعتداء بالضرب على المواطنين والطلاب والتعرض لسلامتهم". وأكد اللقاء "ان نضال اللبنانيين مستمر لمنع قلة من الافراد من تحويل النظام الى نموذج أمني قمعي ينقل أساليب الأنظمة البائدة ويحاول تقليد ما سقط منها". وناشد القضاة "ممارسة واجبهم في منع رجال السلطة من التعدي على المواطنين"، مذكراً بأن "التغاضي الذي حصل عن ملاحقة مرتكبي القمع الوحشي أمام قصر العدل في 7 آب أغسطس عام 2001 يشجع المعتدين أنفسهم على التمادي في أعمالهم". وتابع: "ان اللبنانيين يستحقون سلطة غير هذه السلطة ونهجاً غير هذا النهج وسيادة حقة وحرية قرار كاملين وناجزين، فلا قانون إلا بالاستناد الى الحق، ولا مؤسسات الا في حمى سيادة، وهي ما سيستعيده اللبنانيون بنضالهم الديموقراطي السلمي". واعتبر حزب "الوطنيين الأحرار" ان "الحقوق الاساسية للمواطنين قابلة للالغاء بقرار اداري". ورأى السيد محمد حسين فضل الله ان "على الدولة أن تحافظ على حرية الانسان وخصوصاً الطلاب وان تواجه الأمور بالحوار لا بالقمع أياً تكن سلبيات الكلمات".